0
5- زهده صلى الله عليه وسلم:

ومن عظيم أخلاقه صلى الله عليه وسلم التي تؤكد نبوته وبعثته للبشر أجمعين، زهده في هذه الدنيا مثله في ذلك مثل كافة الأنبياء الذين سبقوه، فلم تتشوف نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا يومًا من الأيام بل كان دعاؤه صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
وبلغ من زهده صلى الله عليه وسلم أنه كانت تمر عليه وعلى أهل بيته الهلالين والثلاثة ولا يوقد في بيوته صلى الله عليه وسلم نارًا أي أنهم لم يكونوا يطبخون اللحم لشهرين متواصلين، روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لعروة بن الزبير: وَاللَّهِ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ قَالَ قُلْتُ يَا خَالَةُ فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ قَالَتْ الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْبَانِهَا فَيَسْقِينَاهُ.
بل إن الخبز نفسه لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشبع منه، روى البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ فَدَعَوْهُ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ وَقَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ.



وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت : ما شبِعَ آلُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم منذُ قدِمَ المدينةَ من طعامِ البرِّ ثلاثَ ليالٍ تباعاً حتى قُبِضَ .
وعن عمروِ بنِ الحارثِ ختنِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أخي جويريةَ بنتِ الحارثِ قال: ما تركَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عندَ موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمةً ولا شيئاً ، إلا بغلتَه البيضاءَ وسلاحه وأرضاً جعلها صدقة.



وروى مسلم عن النعمان بن بشير رضى الله عنه قال: أَلَسْتُمْ فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَجِدُ مِنْ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ.
وكان يبلغ به صلى الله عليه وسلم الجوع أنه يخرج في الليل يبحث عن طعام من شدة الجوع، روى مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ أو ليلةٍ فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: "ما أخرَجَكما من بيوتِكما هذه الساعة "؟ قالا : الجوعُ يا رسولَ الله، قال : "وأنا والذي نفسي بيده لأَخْرَجَني الذي أخرَجَكُما"، قوموا، فقاموا معه، فأتى رجلاً من الأنصارِ، فإذا هو ليسَ في بيته، فلما رأتْه المرأةُ، قالت: مرحباً وأهلاً فقال لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أين فلانٌ"، قالت: ذهبَ يَسْتَعْذِبُ لنا من الماءِ، إذ جاءَ الأنصاريُّ فنَظَرَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وصاحِبَيهِ، ثم قال: الحمدُ لله، ما أحدٌ اليومَ أكرمَ أضيافاً مني، قال: فانطَلَقَ فجاءهم بعذقٍ فيه بُسرٌ وتمرٌ ورُطَبٌ، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المديةَ، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إياك والحلوبَ" فذَبَحَ لهم، فأكلوا من الشاةِ، ومن ذلك العذقِ وشرِبوا، فلما أن شبِعوا ورَوُوا، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: "والذي نفسي بيده لتُسأَلُنَّ عن هذا النعيمِ يومَ القيامةِ، أخرجكم من بيوتِكم الجوعُ ثم لم ترجعوا، حتى أصابكم هذا النعيمُ".



وفي هذا الحديث ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكبار أصحابه - رضي الله عنهم - من التقلل من الدنيا، وما ابتلوا به من الجوع وضيق العيش في أوقات.
وكان زهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة في الآخرة الباقية ونفورًا من الدنيا الفانية، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يتقلب في اليسار والقلة حتى توفي صلى الله عليه وسلم، فتارة يوسر، وتارة ينفد ما عنده لإخراجه في طاعة الله من وجوه البر، وإيثار المحتاجين، وضيافة الطارقين، وتجهيز السرايا، وغير ذلك، وهكذا كان خلق صاحبيه - رضي الله عنهما - بل أكثر أصحابه.
وروى البخاري في صحيحه عن عقبةَ قال: صلَّيتُ وراءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمدينةِ العصرَ فسلَّمَ، ثم قام مسرعاً، فتخطّى رقابَ الناسِ إلى بعضِ حُجَرِ نسائِه، ففزِع الناسُ من سُرْعَتِه، فخرَج عليهم فرأى أنهم عجِبوا من سرعته فقال:"ذكرتُ شيئاً من تِبْرٍ عندَنا، فكرِهْتُ أن يحبِسَني، فأَمَرْتُ بقِسْمَته".


6- تواضعه صلى الله عليه وسلم:


كان النبي صلى الله عليه وسلم القمة في التواضع فكان يرقّع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل مع العبد، ويجلس على الأرض، ورغم انشغاله كان يجيب دعوة الجارية الصغيرة ويسير معها في طرقات المدينة لا يتحرج من ذلك، يقول أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: إِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ.



وهذا الحديث يدل على عظم تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو تواضع لم يسبق إليه أحد، فالتي ينقاد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمة من أي إماء المدينة لا يهم نسبها أو مكانتها، وتذهب به صلى الله عليه وسلم إلى المكان التي تريد؛ يقول الحافظ ابن حجر: (والتعبير بالأخذ باليد إشارة إلى غاية التصرف حتى لو كانت حاجتها خارج المدينة والتمست منه مساعدتها في تلك الحاجة على ذلك، وهذا دال على مزيد تواضعه وبراءته من جميع أنواع الكبر صلى الله عليه وسلم".
وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضى الله عنه قال: "مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي قَالَتْ إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ لَمْ أَعْرِفْكَ فَقَالَ إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى".


ونرى كيف أنه لم يكن من شأنه صلى الله عليه وسلم أن يتخذ بوابا مع قدرته على ذلك تواضعا، وكان من شأنه أنه لا يستتبع الناس وراءه إذا مشى كما جرت عادة الملوك والأكابر، فلذلك اشتبه على المرأة فلم تعرفه مع ما كانت فيه من شاغل الوجد والبكاء.
وعن أنس رضى الله عنه أن ناساً قالوا: يا رسولَ الله، يا خيرَنا وابنَ خيرِنا، وسيدَنا وابنَ سيدنا، فقال: "يا أيها الناس قولوا بقولكم، ولا يسْتَهْوِيَنَّكم الشيطانُ، أنا محمدٌ عبدُ الله ورسوله ما أحبُّ أن ترفعوني فوقَ منزلتي التي أنزلني الله عزوجل".



وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية، فاستسقى، فقال العباس: يا فضلُ اذهب إلى أمك فأْتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بشرابٍ من عندِها، فقال: "اسقني"، قال: يا رسولَ الله، إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال:"اسقني"، فشرِبَ منه، ثم أتى زمزمَ وهم يسقون ويعملون فيها، فقال: "اعملوا فإنكم على عملٍ صالح"، ثم قال : "لولا أن تُغلَبوا لنزلت حتى أضع الحبلَ على هذه - يعني عاتقِه - وأشار إلى عاتقه".
وعن أسامةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ركِبَ على حمارٍ على إكافٍ عليه قطيفة، وأردفَ أسامةَ وراءه.
فهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يمنعه عظيم مقامه وكبير عمره من أن يركب الحمار بل ويركب معه شابًا صغيرًا في السن هو أسامة بن زيد رضى الله عنه، بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأنف من التعامل مع المصابين في عقولهم، روى مسلم عن أنس رضى الله عنه أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَقَالَ يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا.




وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ، وقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم المبالغة في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وسلم، قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ.


7- رفقه ولينه صلى الله عليه وسلم:

الرفق هو: لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف، ولقد وصف الله عزوجل نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159].
يقول الشيخ السعدي في تفسيره: (أي: برحمة الله لك ولأصحابك، منَّ الله عليك أن ألنت لهم جانبك، وخفضت لهم جناحك، وترققت عليهم، وحسنت لهم خلقك، فاجتمعوا عليك وأحبوك، وامتثلوا أمرك.
{ولو كنت فظا} أي: سيئ الخلق {غليظ القلب} أي: قاسيه، {لانفضوا من حولك} لأن هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ.



فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين، تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين، وتبغضهم إليه، مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول، فكيف بغيره؟!.
أليس من أوجب الواجبات، وأهم المهمات، الاقتداء بأخلاقه الكريمة، ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه وسلم، من اللين وحسن الخلق والتأليف، امتثالا لأمر الله، وجذبا لعباد الله لدين الله.
ثم أمره الله تعالى بأن يعفو عنهم ما صدر منهم من التقصير في حقه صلى الله عليه وسلم، ويستغفر لهم في التقصير في حق الله، فيجمع بين العفو والإحسان".



وقد سارت الركبان بأخبار رفقه ولينه صلى الله عليه وسلم، يحكى معاوية بن الحكم فيقول: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي قَالَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.



ومن أعجب المواقف الدالة على عظيم ما حبا اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم بالرفق واللين ما رواه مسلم عن أنس بن مالك رضى الله عنه: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْ مَهْ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَمَرَ رَجُلًا مِنْ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ.



وعن عائشةَ رضي الله عنها أنها قالت: "ما خُيِّرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بينَ أمرَيْنِ إلا أَخَذَ أيسَرَهما مالم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعدَ الناسِ منه، وما انتَقَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تُنْتَهَكُ حرمةُ الله فينتقمُ لله بها ".
وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الغضب ممن يطيلون في الصلاة وخلفهم الضعيف والكبير، عن أبي مسعودٍ الأنصاري قال: قال رجل: يا رسولَ الله، لا أكادُ أدركُ الصلاةَ مما يطول بنا فلان، فما رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في موعظةٍ أشدَّ غضباً من يومئذ، فقال: "يا أيها الناس إنكم مُنَفِّرون، فمن صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم المريضَ، والضعيفَ، وذا الحاجة".
بل إن أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم نالهم من رفقه الشيئ الكثير فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ.
وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا.


8- مزاحه صلى الله عليه وسلم وتبسمه:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح مع الآخرين فلم تكن تفارق البسمة وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم، روى الترمذي عن عبد الله بن الحارث رضى الله عنه قال: ما رأيتُ أحداً أكثرَ تبسُّماً من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
وروى البخاري عن جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا رَآنِي إِلَّا ضَحِكَ.
وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا قَالَ إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا.


وروى أبو داود عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ احْمِلْنِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ قَالَ وَمَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ إِلَّا النُّوقُ.
قال صاحب عون المعبود: "( قال وما أصنع بولد الناقة ) : لما كان المتعارف عند العامة في بادي الرأي استعمال ولد الناقة فيما كان صغيرا لا يصلح للركوب وإنما يقال للصالح الإبل توحش الرجل على فهم المعنى .. والمعنى إنك لو تدبرت لم تقل ذلك ففيه الإشارة إلى أنه ينبغي لمن سمع قولا أن يتأمله ولا يبادر إلى رده، وفي هذا الحديث إباحة المزاح والدعابة، وكان صلى الله عليه وسلم يداعب الصحابة ولا يقول إلا حقا".


9- وفاؤه صلى الله عليه وسلم:


أما وفاؤه صلى الله عليه وسلم فقد كثرت الأخبار في هذا الأمر منذ ولادته وحتى وفاته، روى أبو داود عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحَمْسَاءِ قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا فِي مَكَانِهِ فَنَسِيتُ ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ فِي مَكَانِهِ فَقَالَ يَا فَتًى لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَيَّ أَنَا هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثٍ أَنْتَظِرُكَ، فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب إلى المكان المتفق عليه في الموعد ثلاث مرات متوالية حتى يأتيه الرجل وما ذلك إلا لصدق وعده وحسن وفائه صلى الله عليه وسلم لا لقبض ثمنه، وإذا كان ذلك حاله قبل البعثة فإن حاله بعد الإسلام أعظم وأكبر كيف لا وقد عد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يف بوعده من المتلبسين بعلامات النفاق،


روى البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ.ومن وفائه صلى الله عليه وسلم وفاؤه لزوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، تقول أمُ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَمَا رَأَيْتُهَا وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ ذِكْرَهَا وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ فَيَقُولُ إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ .


أما وفاؤه صلى الله عليه وسلم مع أعدائه فكان ذلك من عظيم أخلاقه رغم ما واجهه من اضطهاد وتعذيب، ولقد رأينا كيف أن هرقل عظيم الروم سأل أبا سفيان بن حرب ولم يكن أسلم يؤمئذ سأله إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغدر فكانت إجابة أبي سفيان الصريحة: لا.
وهذا صحابي يتخلف عن غزوة بدر لا لشيء إلا وفاءًا بالعهد، يقول حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ، فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قَالُوا إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا، فَقُلْنَا مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ، فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: (انْصَرِفَا نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ).



ولقد شهد له الأعداء بوفائه ومن ذلك أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه إلى العمرة بعد صلح الحديبية مع قريش، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي والمسلمون معه يلبون، ومضى محمد بن مسلمة بالخيل إلى مر الظهران، فيجد بها نفرا من قريش، فسألوا محمد بن مسلمة فقال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح هذا المنزل غدا إن شاء الله ورأوا سلاحا كثيرا مع بشير بن سعد، فخرجوا سراعا حتى أتوا قريشا، فأخبروهم بالذي رأوا من السلاح والخيل، ففزعت قريش وقالوا: والله ما أحدثنا حدثا، وإنا على كتابنا وهدنتنا، ففيم يغزونا محمد في أصحابه ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح إلى بطن يأجج حيث ينظر إلى أنصاب الحرم، وبعثت قريش مكرز بن حفص بن الأحنف في نفر من قريش، حتى لقوه ببطن يأجج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، والهدي والسلاح قد تلاحقوا فقالوا: يا محمد، ما عرفت صغيرا ولا كبيرا بالغدر تدخل بالسلاح في الحرم على قومك، وقد شرطت لهم ألا تدخل إلا بسلاح المسافر السيوف في القرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لا أدخل عليهم السلاح»، فقال مكرز:هذا الذي يعرف به البر والوفاء، ثم رجع سريعا بأصحابه إلى مكة.



10- رحمته صلى الله عليه وسلم:


وصف الله عزوجل نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [الأنبياء: 107]، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: تمت الرحمة لمن آمن به في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن به عوفي مما أصاب الأمم قبل.
فالله عزوجل أرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع العالم، مؤمنهم وكافرهم، فأما مؤمنهم فإن الله هداه به، وأدخله بالإيمان به، وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة، وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذّبة رسلها من قبله.



ولقد تمثلت رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحكامه وهديه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ .
ومن صور رحمته العحيبة ما رواه البخاري عن أَبِي قَتَادَةَ الأنصاري رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ.
ولم يحرم رسولُ الله المشركين من رحمته، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً .
ولم تقتصر رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على البشر فقط بل تعدت إلى الحيوانات، وقد ورد في ذلك آثار كثيرة، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتْ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ قُلْنَا نَحْنُ قَالَ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ.



وكانت الحيوانات تعرف رحمته صلى الله عليه وسلم وشفقته فتلجأ إليه وتشكو له ظلم أصحابها يقول عبد الله بن جعفر: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ قَالَ فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ فَجَاءَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ" .
ونكتفي بهذا الأمثلة على رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكفيه أنه نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم.



11- حلمه صلى الله عليه وسلم وعفوه عن من أساء له:


ومن الأخلاق التي كانت سببًا في إسلام حبر يهودي، حلمه صلى الله عليه وسلم، وعفوه عن من أساء له، روى الطبراني عن عَبْدِ اللَّهِ بن سَلامٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَرَادَ هُدَى زَيْدِ بن سَعْنَةَ، قَالَ زَيْدُ بن سَعْنَةَ: مَا مِنْ عَلامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلا وَقَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلا اثْنَتَيْنِ لَمْ أَخْبُرْهُمَا مِنْهُ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ وَلا تَزِيدُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلا حِلْمًا، فَكُنْتُ أَلْطُفُ لَهُ لأَنْ أُخَالِطَهُ، فَأَعْرِفَ حِلْمَهُ مِنْ جَهْلِهِ.



قَالَ زَيْدُ بن سَعْنَةَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا مِنَ الْحُجُرَاتِ وَمَعَهُ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَالْبَدَوِيِّ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بُصْرَى قَرْيَةَ بني فُلانٍ قَدْ أَسْلَمُوا، وَدَخَلُوا فِي الإِسْلامِ، وَكُنْتُ حَدَّثَتْهُمْ إِنْ أَسْلَمُوا أَتَاهُمُ الرِّزْقُ رَغَدًا، وَقَدْ أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ وَشِدَّةٌ وقُحُوطٌ مِنَ الْغَيْثِ، فَأَنَا أَخْشَى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الإِسْلامِ طَمَعًا كَمَا دَخَلُوا فِيهِ طَمَعًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ تُعِينُهُمْ بِهِ فَعَلْتَ، فَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ إِلَى جَانِبِهِ أُرَاهُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ.
قَالَ زَيْدُ بن سَعْنَةَ: فَدَنَوْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنِي تَمْرًا مَعْلُومًا مِنْ حَائِطِ بني فُلانٍ إِلَى أَجْلِ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ : لا يَا يَهُودِيُّ، وَلَكِنِّي أَبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا إِلَى أَجْلِ كَذَا وَكَذَا، وَلا تُسَمِّي حَائِطَ بني فُلانٍ، قُلْتُ : بَلَى، فَبَايَعَنِي فَأَطْلَقْتُ هِمْيَانِي، فَأَعْطَيْتُهُ ثَمَانِينَ مِثْقَالا مِنْ ذَهَبٍ فِي تَمْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجْلِ كَذَا وَكَذَا، فَأَعْطَاهَا الرَّجُلَ، فَقَالَ : اغْدُ عَلَيْهِمْ فَأَعِنْهُمْ بِهَا.




فَقَالَ زَيْدُ بن سَعْنَةَ: فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ مَحَلِّ الأَجَلِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثٍ، أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ، فَقُلْتُ لَهُ: أَلا تَقْضِيَنِي يَا مُحَمَّدُ حَقِّي؟ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُكُمْ بني عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمَطْلٌ، وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُخَالَطَتِكُمْ عَلِمٌ، وَنَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ، وَإِذَا عَيْنَاهُ تَدُورَانِ فِي وَجْهِهِ كالْفَلَكِ الْمُسْتَدِير، ثُمَّ رَمَانِي بِبَصَرِهِ، فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَسْمَعُ، وَتَصْنَعُ بِهِ مَا أَرَى، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَوْلا مَا أُحَاذِرُ فَوْتَهُ لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وتُؤَدَةٍ، ثُمَّ قَالَ : يَا عُمَرُ، أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا، أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الأَدَاءِ، وتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ وأَعْطِهِ حَقَّهُ وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ مَكَانَ مَا رَوَّعْتَهُ.قَالَ زَيْدٌ : فَذَهَبَ بِي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَأَعْطَانِي حَقِّي، وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَقُلْتُ : مَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَا عُمَرُ ؟ فَقَالَ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَزِيدَكَ مَكَانَ مَا رَوَّعْتُكَ، قُلْتُ : وتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ ؟، قَالَ : لا ، مَنْ أَنْتَ ؟، قُلْتُ : أَنَا زَيْدُ بن سَعْنَةَ، قَالَ : الْحَبْرُ، قُلْتُ : الْحَبْرُ ، قَالَ : فَمَا دَعَاكَ أَنْ فَعَلْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا فَعَلْتَ وَقُلْتَ لَهُ مَا قُلْتَ؟.



قُلْتُ : يَا عُمَرُ، لَمْ تَكُنْ مِنْ عَلامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلا وَقَدْ عَرَفْتُهُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلا اثْنَتَيْنِ لَمْ أَخْبُرْهُمَا مِنْهُ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلا يَزِيدُهُ الْجَهْلُ عَلَيْهِ إِلا حِلْمًا، فَقَدْ أُخْبِرْتُهُمَا، فَأُشْهِدُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ شَطْرَ مَالِي وَإِنِّي أَكْثَرُهَا مَالا صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَإِنَّكَ لا تَسَعُهُمْ، قُلْتُ : أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَرَجَعَ عُمَرُ وَزَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم، وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَبَايَعَهُ وَشَهِدَ مَعَهُ مَشَاهِدَ كَثِيرَةً.
ولعل في هذا الحديث غنية عن إيراد أمثلة أخرى عن حلم النبي العدنان صلى الله عليه وسلم.



12- لطف معاملته وحسن معاشرته للآخرين صلى الله عليه وسلم:


ومن جماع محاسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم لطف معاملته وحسن عشرته للآخرين، وقد ورد في هذا آثار كثيرة وأخبار متفرقة تدل على طيب عشرته صلى الله عليه وسلم، روى الترمذي عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ فَصَافَحَهُ لَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْزِعُ وَلَا يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَصْرِفُهُ وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ.
وعند أبي داود عن أَنَسٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا الْتَقَمَ أُذُنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُنَحِّي رَأْسَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يُنَحِّي رَأَسَهُ وَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَخَذَ بِيَدِهِ فَتَرَكَ يَدَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَدَعُ يَدَهُ.




وأورد الترمذي في الشمائل المحمدية عن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ وَحَدِيثِهِ عَلَى أَشَرِّ الْقَوْمِ، يَتَأَلَّفُهُمْ بِذَلِكَ، فَكَانَ يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ وَحَدِيثِهِ عَلَيَّ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي خَيْرُ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا خَيْرٌ، أَوْ أبُو بَكْرٍ ؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْر، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا خَيْرٌ أَمْ عُمَرُ ؟ فَقَالَ: عُمَرُ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا خَيْرٌ أَمْ عُثْمَانُ؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ، فَلَمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَدَقَنِي، فَلَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ.
ومن أجمع ما ورد في ذلك ما رواه البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَكَانَ يَقُولُ
إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا.قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: (قوله :(فاحشا ولا متفحشا) أي ناطقا بالفحش، وهو الزيادة على الحد في الكلام السيئ، والمتفحش المتكلف لذلك أي لم يكن له الفحش خلقا ولا مكتسبا".



ومن عجيب الأخبار في ذلك ما رواه أبو نعيم في دلائل النبوة عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس لطفا والله ما كان يمتنع في غداة باردة من عبد ولا من أمة ولا صبي أن يأتيه بالماء فيغسل وجهه وذراعيه، وما سأله سائل قط إلا أصغى إليه أذنه فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه وما تناول أحد بيده إلا ناوله إياها فلم ينزع حتى يكون هو الذي ينزعها منه.



هذا هو نبينا صلى الله عليه وسلم لم يكن يمنعه برودة المياه من قبوله من صبي أو فتاة صغيرة في السن لا لشيء حتى يدخل السرورَ على قلوبهم ولا يواجههم بما يكرهون، وما كان صلى الله عليه وسلم ينزع يده من يد أحد أخذها، ونذكر فيما يأتي شيئ من التفصيل عن معاملته صلى الله عليه وسلم لنسائه وأولاده ولأطفال المسلمين.




معاملته صلى الله عليه وسلم لنسائه:


شهدت له زوجته عائشة رضى الله بسمو خلقه صلى الله عليه وسلم مع نسائه فقالت: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بخدمة أهله رغم مشاغله ومهامه الجسام، روى البخاري عن الأسودِ قال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراعي حاجات زوجاته النفسية فهذه عائشة زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وكانت صغيرة في السن تحكي فتقول: دخلَ الحبشةُ المسجدَ يلعبونَ، فقال لي: "يا حميراء، أتحبينَ أن تنظري إليهم ؟" فقلت: نعم، فأسندْتُ وجهي على خَدِّه، قالت: ومِن قولهم يومئذٍ: أبا القاسمِ طيباً، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " حسبُكِ " فقلت: يا رسولَ الله لا تعجلْ، فقام لي ثم قال: "حسبك"، فقلت: لا تعجلْ يا رسولَ الله، قالت: ومالي حبُّ النَّظَرِ إليهم، ولكني أحببتُ أن يبلغَ النساءَ مقامُه لي، ومكاني منه.



ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأنف منهن وهن في حال الحيض بل كان يتحبب إليهن، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ فَيَشْرَبُ وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ.
وكان يعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين نسائه، روى البخاري عن أنسٍ بنِ مالكٍ أَنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ.



وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبر على غضبهن وغيرتهن روى البخاري في صحيحه عن أنسٍ قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ "غَارَتْ أُمُّكُمْ" ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ .



وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاورهن في أمور الدين والدولة فقد ذكر البخاري في قصةِ صلح الحديبيةِ بعد أن فرغ المسلمون من كتابة الصلح قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"قوموا فانحروا ثم احلِقوا "، قال: فوالله ما قامَ منهم رجلٌ، حتى قال ذلكَ ثلاثَ مراتٍ فلما لم يقمْ منهم أحدٌ دخلَ على أم سلمةَ فذكر لها ما لَقِيَ من الناس، فقالت أمُّ سلمة: يا نبيَّ الله، أتحبُّ ذلك؟ اخرجْ، ثم لا تكلِّمْ أحداً منهم كلمةً حتى تنحَرَ بُدَنَك، وتدعو حالقَكَ فيحلقك فخرج فلم يكلِّمْ أحداً منهم حتى فعلَ ذلك؛ نَحَرَ بُدَنَه، ودعا حالقَه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضُهم يحلِقُ بعضاً، حتى كادَ بعضُهم يقتُلُ بعضاً غما.




رسول الله صلى الله عليه وسلم أب:


كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذجًا للأب المثالي الذي يحب أطفاله ويداعِبُهم ويمازِحُهم، ويهتم بتأديبِهم، ولا يفرق بين الذكر والأنثي، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: قَدِمَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟، فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالُوا لَكِنَّا وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمْ الرَّحْمَةَ .
وعن أبي هريرةَ رضى الله عنه أن الأقرَعَ بنَ حابسٍ أبصَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ الحَسَنَ، فقال: إن لي عشرةً من الولَدِ ما قبِّلْتُ واحداً منهم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنه من لا يَرحَمُ لا يُرْحَمُ ".



وروى ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلَعُ لسانه للحسين، فيرى الصبي حمرةَ لسان، فيهش إليه، فقال له عيينة بن حصن بن بدر: ألا أرى تصنع هذا بهذا، والله ليكون لي الابن قد خرج وجهه وما قبلته قط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من لا يرحم لا يرحم ».
وروى البخاري عن أبي قتادةَ الأنصاريِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا.



معاملته لأطفال المسلمين:


ومن حسن أخلاقه انبساطه صلى الله عليه وسلم، وملاعبته لأطفال المسلمين روى البخاري عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمًا وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا.
وعن أمِّ خالدٍ بنتِ خالدٍ قالت: قَدِمْتُ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَأَنَا جُوَيْرِيَةٌ فَكَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصَةً لَهَا أَعْلَامٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ الْأَعْلَامَ بِيَدِهِ وَيَقُولُ سَنَاهْ سَنَاهْ، قَالَ الْحُمَيْدِيُّ يَعْنِي حَسَنٌ حَسَنٌ .
وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ .



وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأنف من اللعب معهم، يقول سلمة بنِ الأّكْوَعِ رضي الله عنه: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ قَالَ فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا لَكُمْ لَا تَرْمُونَ قَالُوا كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ ".
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف حقهم فلم يكن يهضمه حتى وإن كان هناك كبار، روى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ب

إرسال تعليق

 
Top