كما هو واضح من هذه الآية فقد حرّم الله عزّ وجلّ أكل لحم
الخنزير إلا لمضطر، وقد بيّن لنا سبحانه وتعالى الحكمة من ذلك بأن لحم
الخنزير (رجس).
ولحم الخنزير ينفرد من بين جميع اللحوم المذكورة في هذه الآية
بأنه حرام لذاته، أي لعلة مستقرة فيه، أما اللحوم الأخرى فهي محرمة لعلة
عارضة عليها، فالشاة مثلًا إذا ذكيت فلحمها حلال ولا تحرم إلا إذا كانت
ميتة أو ذبحت لغير الله.
والخنزير من أقذر الحيوانات وأكثرها نجاسة، ولذلك فإن أحب
الطعام إليه هو النجاسات والنفايات، والجرذان الميتة، والجيف المتعفنة، ما
يجعل الدور الأساسي للخنزير هو تنظيف وتطهير البيئة من هذه الملوثات. وهذه
الأمور متأصلة في تكوينه وفطرته وسلوكه، ولذلك فإنك إذا أتيت بخنزير وحرمته
من كل هذه النجاسات ولم تطعمه إلا طعامًا طيبًا، فإنه يأكل روثه وفضلاته
التي يخرجها، وبذلك فإن جسم الخنزير عبارة عن مخزن لمسببات الأمراض.
والخنزير من الحيوانات العشبية اللاحمة، أي آكلة الأعشاب
واللحوم معًا، وبذلك فإن نمط غذاء الخنزير يتوافق مع نمط غذاء الإنسان.
فعلماء الأحياء يقسمون الكائنات الحية إلى ثلاث مجموعات: آكلة أعشاب، وآكلة
لحوم، وآكلة لحوم وأعشاب، ويصنفون الإنسان ضمن المجموعة الثالثة، وبذلك
فإن الحيوان الوحيد الذي يأكله الإنسان وله نفس نمط غذائه هو الخنزير،
وبذلك فإن دورة الأمراض تكتمل بين الإنسان والخنزير، كما لا تكتمل بينه
وبين أي حيوان آخر!
وتوصل العلم الحديث إلى أن جسم الخنزير يحتوي على أكثر من 400
نوع من مسببات الأمراض، من الفيروسات، والفطريات، والطفيليات، والبكتيريا،
والديدان، وغيرها. ويحتوي لحم الخنزير على عدد كبير من الطفيليات كالديدان
والديدان الشريطية ولا يوجد درجة طهي آمنة تضمن القضاء على كل هذه
الطفيليات من لحم الخنزير. وقد ثبت علميًّا أن دهن
الخنزير لا يستفيد منه من يأكله، ولا تستطيع المعدة أن تهضمه، ولا يستطيع
الكبد أن يخزنه، وبذلك يتجمع في معدة الإنسان كدهن خنزير ويكون سببًا في
العديد من الأمراض، خاصة أمراض الدورة الدموية. كما أن الدهون التي يحملها
الخنزير في جسده تحتوي على نسبة عالية من الكوليسترول، ما يجعل أمراضًا
كالذبحة القلبية، وتصلب الشرايين تزداد ثمانية أضعاف في الدول التي تأكل
لحم الخنزير مقارنة بالدول التي لا تأكل هذا النوع من اللحم.
ونسبة الكوليسترول في لحم الخنزير تعادل خمسة عشر ضعف تلك التي توجد في لحم البقر، ومن المتعارف عليه أن زيادة هذه المادة على المعدل الطبيعي تترسب في الشرايين، وتتسبب في تصلبها كما تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، والذي يعتبر العامل الرئيسي في معظم حالات الذبحة القلبية. وهنا تجدر الإشارة إلى حقيقة وردت في الموسوعة الأمريكية مفادها أن كل مئة رطل من لحم الخنزير تحتوي على خمسين رطلًا من الدهن، أي بنسبة 50%، مقارنة بنسبة 17% في الضأن، و5% في العجول.
من ناحية أخرى، توصلت الأبحاث العلمية إلى أن جسم الخنزير يحتوي على كميات كبيرة من حامض البوليك، ولا يفرز منه إلا القليل وبنسبة لا تتجاوز 3%، مقارنة بنسبة إفراز تصل إلى 90% لدى الإنسان، ونتيجة لذلك لوحظ أن الذين يعتمدون على لحم الخنزير في غذائهم، ترتفع
عندهم نسبة الإصابة بالروماتيزم والتهابات المفاصل. كما أن هناك بعض
الأمراض الخاصة بالبشر لا يشاركهم فيها من الحيوانات إلا الخنزير، ومن هذه
الأمراض الروماتيزم وآلام المفاصل.
وكمية السموم في لحم الخنزير ودهنه تعادل 30 ضعف كمية السموم
في اللحم البقري أو لحم الغزال، كما أن الخنزير يهضم الأطعمة التي يتغذى
عليها خلال 4 ساعات فقط وبذلك تبقى السموم داخل جسده، إضافة إلى أن الخنزير
لا يعرق كسائر الحيوانات، ومعلوم أن العرق من وسائل طرد السموم من الجسم،
ولذلك تترسب السموم داخل جسد الخنزير.
وما أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، وتحديدًا في عام
1918، حتى اجتاح العالم وباء فتاك انطلق من إسبانيا وفتك بأكثر من 100
مليون من البشر، أي أكثر من عشرة أضعاف ضحايا الحرب العالمية الأولى، وقد
سمّي ذلك الوباء بالطاعون لأنه كان مجهول المصدر. وفي عام 1968 عاود الوباء
نفسه منطلقًا من هونج كونج هذه المرّة وخلال فترة وجيزة فتك هذا الوباء
بأكثر من مليون شخص في مختلف دول العالم. وقد قامت بعض مراكز الأبحاث
الأمريكية بتجميد أدمغة بشرية ماتت بسبب ذلك الوباء، ثم أجريت عليها دراسات
متتالية، وفي عام 1995 تبين أن ذلك الوباء الذي أصاب البشر كان بسبب فيروس
مصدره حيوان الخنزير.
وفي عام 2009 عاد هذا الوباء مرّة أخرى، منطلقًا من المكسيك
هذه المرَّة، وبمسمى "إنفلونزا الخنازير"، وبدأ ينتشر وبسرعة إلى مختلف دول
العالم دون استثناء، وفي يونيو 2010 أعلنت هيئة الصحة العالمية تقديرات
تشير إلى أن إنفلونزا الخنازير تسبب في أكثر من 18 ألف حالة وفاة في مختلف
دول العالم، وفي يونيو عام 2012 تم نشر تقارير أن هذا الوباء قضى على أكثر
من 280 ألف شخص خلال السنة الأولى!
وهكذا فإن كل الأطعمة التي جاء تحريم أكلها في القرآن قبل
أربعة عشر قرنًا، لم يكتشف العلم أضرارها الجسيمة على صحة الإنسان إلا بعد
تطور المعامل المتخصصة، وأجهزة الفحص المجهرية الدقيقة. والقرآن لا يحرم
شيئًا إلا وكان في تحريمه منفعة دنيوية للإنسان (مسلم كان أو غير مسلم)،
ومنفعة آخوية للإنسان المسلم مكافأة له لامتثاله لأمر الله تعالى؛ فالمسلم
يمتثل لأمر الله تعالى حتى لو لم تظهر له الحكمة الإلهية من وراء ذلك
التحريم لتيقنه بأن في الأمر مصلحة له، مهما تأخر تحققها ومهما بدت له في
ظاهرها على النقيض من ذلك.
وفي ذلك معجزة تشريعية بعد أن اتضحت المضار التي يسببها تناول لحم الخنزير..
نعود إلى الآية التي تصدّرت هذا المشهد ونتأمّلها من منظور رقمي:
لفظ (الخنزير) ورد للمرّة الأولى في القرآن في هذه الآية..
لفظ (الخنزير) في هذه الآية هو الكلمة رقم 3116 من بداية المصحف..
والعدد 3116 يساوي 38 × 82
الخنزير وعلاقته بالعدد 38 تتأكّد من أوّل ذكر له في القرآن!
فما هي علاقة الخنزير بالعدد 38؟
ببساطة لأن عدد كروموسومات (صبغيات) الخنزير = 38 كروموسومًا!
فهل يستطيع أحد أن ينكر هذه الحقيقة العلمية الثابتة عن حيوان الخنزير؟!
أم هل يزعم أحد أن مُحمَّدًا –صلى الله عليه وسلّم- كان يعلم هذه الحقيقة العلمية؟!!
رغم أن الكروموسومات من الحقائق التي توصل العلم إليها في النصف الثاني من القرن الماضي!
فماذا يحتاج المعاندون والمكذبون بعد كل هذه الأدلة للإيمان بالقرآن؟!!
------------------------------
أهم المصادر:
أوّلًا: القرآن الكريم؛ مصحف المدينة المنوّرة برواية حفص عن عاصم.
ثانيًا: المصادر العامة:
أحمد، يوسف الحاج (2007)؛ موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ دمشق: مكتبة ابن حجر.
العلي، منير (2013)؛ التفسير العلمي للقرآن الكريم وحوار الإيمان والعلم؛ بيروت: الدار العربية للعلوم.
النجار، زغلول راغب محمد (2010)؛ من آيات الإعجاز العلمي: الحيوان في القرآن الكريم؛ بيروت: دار المعرفة.
متولي، أحمد مصطفى (2005)؛ الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية؛ القاهرة: دار ابن الجوزي.
الدكتورة مارغريت تشان - المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية؛ العالم يواجه الآن بداية جائحة الإنفلونزا لعام 2009، يونيو 2009.
الصعيدي، عادل (27 يناير 2013)؛ بحث بعنوان: "الإعجاز التشريعي في تحريم لحم الخنزير"، اُسترجع بتاريخ 19 مايو 2017 من موقع جامعة الإيمان (https://www.jameataleman.org).
إرسال تعليق