وهذا الأمر الإلهي بصلة الرحم يشمل كلا من الأحياء والأموات من الأقارب, كما يشمل ود الأموات منهم, خاصة ود الوالدين المتوفيين, كما يشمل أهل بيت رسول الله - صلي الله عليه وسلم- ونسل صحابته الكرام - عليهم رضوان الله-. ثم ينتقل النص القرآني إلي تأكيد حقوق كل مسكين يصادف العبد المسلم, وكل عابر سبيل يلقاه, يحتاج إلي العون والمواساة. وفي ذلك يقول رسول الله - صلي الله عليه وسلم-: "يد المعطي هي العليا, وابدأ بمن تعول: أمك وأباك, وأختك وأخاك, ثم أدناك أدناك" (النسائي). كذلك ذكر كل من الحاكم في المستدرك, والبيهقي في شعب الإيمان أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم- أخذ بيد سيدنا عقبة بن عامر - رضي الله عنه- وقال له: " يا عقبة! ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة ؟ تصل من قطعك, وتعطي من حرمك, وتعفو عمن ظلمك. ألا ومن أراد أن يمد له في عمره, ويوسع له في رزقه فليصل ذا رحم منه". ويقول- صلي الله عليه وسلم-: "الصدقة علي المسكين صدقة, وهي علي ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة" الترمذي)) (والمسكين) في اللغة هو العاجز عن توفير احتياجاته الضرورية, لذلك يحمله ذوو قرباه, فإن لم يكونوا قادرين علي حمله, فإن علي المجتمع المسلم حمله حتى تتم كفايته. فقد أمر الله - تعالي- الأغنياء والموسرين في المجتمع المسلم بأن يعطوا للفقراء والمساكين حتى يكفوهم غيلة الفقر والمسكنة. والإسلام العظيم يحض علي أداء حقوق المحتاجين من اليتامى والأرامل والمقعدين, وحقوق غيرهم من الفقراء والمساكين, وجعل لهم نصيبا في كل من الزكوات والصدقات والكفارات. ورعاية الأغنياء للمحتاجين في مجتمعهم هي وسيلة من وسائل ربط الأفراد في المجتمع المسلم برباط من الأخوة والمحبة والمودة.
وقد شجع رسول الله- صلي الله عليه وسلم- الأغنياء علي حسن رعاية الفقراء والمساكين فقال: "الساعي علي الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله, أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل" (البخاري).
فإذا لم يكن في مقدور المسلم مساعدة من يقصده من الفقراء والمساكين فعليه أن يصرفه بالحسنى صونا لكرامته
وتعبير ابن السبيل يطلق علي المسافر إلي بلد غير بلده, وليس معه ما يستعين به علي متطلبات الحياة ولا علي دفع تكاليف عودته إلي بلده. والإسلام يأمرنا بجعل حق في الزكاة لابن السبيل, ولذلك يأمرنا النص القرآني الذي نحن بصدده بإعطاء ابن السبيل حقه, وجعل ذلك موازيا للإنفاق علي كل من الوالدين والأقربين والمساكين.
والدولة الإسلامية تتحمل كل هذه الواجبات من حقوق الفقراء والمساكين وابن السبيل, أما حقوق ذوي القربى فتبقي في دائرة الأسرة. وإذا غاب دور الحكومة الإسلامية فعلي كل مسلم أن يتحمل مسئولياته في مجتمعه. وبذلك يسود المجتمع المسلم معني الأخوة الإنسانية التي دعا إليها القرآن الكريم بقول ربنا- تبارك وتعالي-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً..) (النساء:1) وهذا كله من قيم الإسلام العظيم الذي يأمر بفعل الخيرات طلبا لمرضاة الله, وتعميقا لروح الأخوة في المجتمع المسلم.
إرسال تعليق
Click to see the code!
To insert emoticon you must added at least one space before the code.