لماذا يصعب على المسلمين أن يؤمنوا بأن عيسى هو ابن الرب الوحيد ، مع أنه في الإنجيل ابن الله ، ويقول عن الله : أبي ؟
الحمد لله
قد سبق لنا بيان أن الإنجيل الذي نؤمن به ، بل ولا يصح لأحد إسلامه حتى
يؤمن به ، ليس هو الإنجيل الذي يوجد بين أيدي النصارى اليوم ، فالإنجيل
الذي نؤمن به هو الذي جاء به عيسى عليه السلام من عند الله تعالى ، وأما
الذي بين أيدي النصارى اليوم ، فشيء آخر ، لا يدعون هم أن عيسى هو الذي جاء
به أو كتبه . [ راجع السؤال رقم 47516 ]
فإذا
كان الأمر كذلك فإن ما يدعيه النصارى من أن الإنجيل يصرح بأن عيسى ابن
الله ، وأن الله أباه ، تعالى الله أن يكون له ولد أو صاحبة ، ليس شيء منه
حجة علينا ، لأننا نؤمن بأن ذلك من وضع البشر ، وليس من دين عيسى عليه
السلام ، ولا من دين غيره من الرسل الكرام في شيء .
ومع أننا نؤمن أن الأناجيل الموجودة اليوم بين أيدي الناس ، والتي يؤمن
بها النصارى ، قد دخلها التحريف والتبديل ، ولا يزال يدخلها بين الفينة
والفينة ، بحيث لم يبق أي منها على الصورة التي نزل بها الإنجيل من عند
الله ، فإننا نشير هنا إلى أن أشد هذه الأناجيل تصريحا بالتثليث ، وإقرارا
لألوهية المسيح عليه السلام ، حتى صار مرجع النصارى في الاستدلال لهذه
الفرية ، هو إنجيل يوحنا . وهذا الإنجيل قد اكتنف تأليفه من الشك عند جمع
من محققي النصارى أنفسهم ، ما لم يكتنف بقية هذه الأناجيل التي يؤمنون بها ،
وهو شك قديم ، يرجع إلى القرن الثاني الميلادي ، وفي تأريخهم هم أيضا .
يقول الأستاذ استادلين : ( إن كافة إنجيل
يوحنا تصنيف طالب من طلبة مدرسة الإسكندرية ، ولقد كانت فرقة الوجين ، في
القرن الثاني تنكر هذا الإنجيل وجميع ما أسند إلى يوحنا )
وجاء في دائرة المعارف البريطانية ما نصه : ( أما
إنجيل يوحنا فإنه ، لا مرية ولا شك ، كتاب مزور ، أراد صاحبه مضاهاة اثنين
من الحواريين بعضهما لبعض ، وهما القديسان يوحنا ومتى .
وقد ادعى هذا الكاتب الممرور في متن الكتاب أنه هو الحواري الذي يحبه
المسيح ، فأخذت الكنيسة هذه الجملة على علاتها ، وجزمت بأن الكاتب هو يوحنا
الحواري ، ووضعت اسمه على الكتاب نصا ، مع أن صاحبه غير يوحنا يقينا ، ولا
يخرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التوارة التي لا رابطة بينها وبين من
نسبت إليه ، وإنا لنرأف بالذين يبذلون منتهى جهدهم ليربطوا ، ولو بأوهى
رابطة ذلك الرجل الفلسفي ، الذي ألف هذا الكتاب في الجيل الثاني ، بالحواري
يوحنا الصياد الجليل ، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى ، لخبطهم على غير هدى ) [ نقلا عن محاضرات في النصرانية ، للشيخ محمد أبو زهرة ] .
بل
الأعجب من طعن من طعن منهم في نسبة هذا الإنجيل ، أنهم يقرون أن هذا
الإنجيل قد كتب خصيصا لأجل إثبات هذه الفرية ، فرية ألوهية المسيح ، والتي
أهملتها بقية الأناجيل ، إلى وقت كتابة هذا الإنجيل , على الأقل . يقول
يوسف الخوري : ( إن يوحنا صنف إنجيله في آخر
حياته بطلب من أساقفة كنائس آسيا وغيرها . والسبب أنه كانت هناك طوائف
تنكر لاهوت المسيح ، فطلبوا منه إثباته ، وذكر ما أهمله متى ومرقس ولوقا في
أناجيلهم ) . [ المصدر السابق ص 64 ] .
على
أنه ، وبغض النظر عن الطعن في نسبة هذه الأناجيل عامة ، وإنجيل يوحنا خاصة
، فإن العبارات التي استندوا إليها من هذه الأناجيل لا تسعفهم فيما
يحاولون ، وإنما هي خيوط العنكبوت يتعلقون بها ، كما ذكر الله تعالى عنهم
وعن أمثالهم : ( مَثَلُ الَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ
اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ
لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت: 41) .
إن
الكتاب المقدس الذي يُذْكر فيه أن المسيح ابن الله ، هو نفس الكتاب المقدس
الذي ينتهي بآدم عليه السلام إلى هذا النسب ، نسب البنوة إلى الله :
{ وكان يسوع في نحو الثلاثين من العمر عندما بدأ رسالته ، وكان الناس يحسبونه ابن يوسف ، بن هالي …. بن شيث ، بن آدم ، ابن الله } [ لوقا : 3/23-38] .
وهو نفس الكتاب الذي ينسب هذا الوصف لإسرائيل :
{ … تقول لفرعون : هكذا يقول الرب ؛ إسرائيل ابني البكر } [ سفر الخروج : 4/22] ونحوه في [ سفر هوشع : 11/1] .
وهكذا يقول عن سليمان ، عليه السلام :
{ .. وقال لي إن سليمان ابنك هو يبني بيتي ودياري ، لأني اخترته لي ابنا ، وأنا أكون له أبـا } [ سفر الخروج : 28/6] .
فهل كان آدم و إسرائيل وسليمان بنين آخرين لله ، قبل المسيح عليه السلام ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ؟!!
بل
في إنجيل يوحنا نفسه بيان للمراد بهذه البنوة ، بحيث تشمل كل الصالحين من
عباد الله ، ولا يبقى لعيسى أولغيره من الأنبياء اختصاص بها :
{ وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطان أن يصيروا أولاد الله ؛ أي المؤمنون باسمه } [ يوحنا : 1/3]
ونحو هذا في إنجيل متى :
{ طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله ، طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناءَ الله يُدْعَون }
[ متى : 5/8-9 ] .
فهذه
البنوة المزعومة في لغة الكتاب المقدس ، هي بنوة مجازية تعني العبد الصالح
، دون أن تعطيه شيئا من الخصوصية في خلقه ، أو نسبته إلى الله عز وجل .
ولهذا يقول يوحنا :
{ انظروا أية نصيحة أعطانا الأب حتى ندعى أبناء الله } . [ الرسالة الأولى : 3/1] .
ولهذا
أيضا كتبت البنوة بين آدم وربه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، كتبت
بالألف ، بينما كتبت بين كل ابن وأبيه الحقيقي بلا ألف ، على قاعدتها ،
إشارة إلى أن هذه البنوة المزعومة ، حتى عند من وضعها ، ليست على ما يظن
الناس من معاني الأبوة واالبنوة .
ويبقى
نظير وصف البنوة لعيسى عليه السلام ، ما افتروه على رب العالمين من أبوته
للمسيح عليه السلام ؛ فإن هذه الأبوة ـ أيضا ـ ليست خاصة بالمسيح في لغة
الإنجيل :
{…
قال لها يسوع : لا تلمسيني ، لأني لم أصعد بعد إلى أبي ، ولكن اذهبي إلى
إخوتي ، وقولي لهم : إني أصعد إلى أبي وأبيكم ، وإلهي وإلهكم } [ يوحنا : 20/17-18] .
ففي نص واحد جمع لهم بين اشتراكهم معه في أبوة الله لهم ، واشتراكه معهم في إلوهية الله للجميع !!
فليقولوا
إن شاؤوا : إن الجميع أبناء الله وأحباؤه ، كما حكى الله عن أسلافهم ،
وحينئذ فلا خصوصية للمسيح حتى يعبدوه من دون الله تعالى ، أو فليتحكموا
ويتعصبوا على غير هدى ، ولا كتاب منير ؛ فهذا لا يعجز عنه أحد ، وأحلاهما
مر !!
فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض ، رب العالمين ، على ما من علينا من نعمة الإسلام .
اللهم اهدنا صراطك المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ، ولا الضالين
إرسال تعليق
Click to see the code!
To insert emoticon you must added at least one space before the code.