دكتوراه في الهندسة الكهربائية ـ خريج الولايات المتحدة الأمريكية
أستاذ الهندسة الكهربائية جامعة العلوم والتكنولوجيا عمان الأردن
إن
الذي يدرس نظام الإرث في القرآن الكريم ويقارنه مع ما ورد في التوراة
وكذلك في الأنظمة الوضعية يتأكد له أن هذا النظام لا يمكن أن يكون من وضع
البشر وخاصة أنه جاء عن طريق رجل أمي عاش في وسط أمة أمية. هذا بالإضافة
إلى أن التوراة والإنجيل والتي طالما تشدق بعض أتباعهما بأن محمد صلى الله
عليه وسلم قد أخذ محتويات القرآن الكريم منهما يخلوان تماما من مثل هذا
النظام البديع.
وسيتبين
من الشرح التالي كيف أن نظام الإرث في التوراة وكذلك في بعض الأنظمة
الوضعية قد حرمت أقرب المقربين للمتوفي وهم أبوه وأمه وزوجته من الميراث
بمجرد وجود ابن أو ابنه له ولم تراعي ما سيؤول إليه حالهم بعد وفاة من قد
كان في الغالب يعيلهم.
لقد
تحول كثير من عقلاء أهل الكتاب منذ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا إلى دين
الإسلام بسبب كمال النظام التشريعي فيه وعلى الخصوص نظام الإرث بعد أن تأكد
لهم أن مثل هذا التشريع لا يمكن أن يسن من قبل رجل أمي.
بل
مما زاد من دهشتهم وإعجابهم أن نظام الإرث هذا والذي تم فيه معالجة جميع
الاحتمالات الممكنة لحالات الورثة من الدرجة الأولى قد تمت صياغته في عشرة
أسطر فقط. إن مجرد استخدام الكسور كالنصف والثلث والربع والسدس والثمن في
نظام الإرث في زمن يجهل فيه البشر وخاصة العرب منهم مثل هذه العمليات
الحسابية لهو أكبر دليل على أن هذا النظام لا يمكن أن يكون قد تم وضعه من
قبل رجل أمي.
لقد
كان من السهل لو كان هذا النظام من وضع رجل أمي أن يقع في ورطة حسابية
باستخدام نظام الكسور هذا ولكن الدارس المتفحص لنظام الإرث في القرآن يكتشف
مدى الدقة التي تم بها اختيار حصص الورثة باستخدام الكسور.
ومما
يؤكد هذا الأمر أننا نجد اليوم ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين بعض
المتعلمين والذين درسوا الحساب لمدة طويلة في المدارس والجامعات لا
يستطيعون التعامل مع نظام الكسور هذا.
وسنستعرض
أولاً نظام الإرث المذكور في التوراة ونبين ما فيه من خلل ثم نشرح نظام
الإرث المذكور في القرآن ونبين ما فيه من ميزات وأخيرا الاستشهاد بقول
المفكر العظيم الشهيد سيد قطب في تعليقه على نظام الإرث في الإسلام وذلك في
تفسيره القيم (في ظلال القرآن).
لا
يوجد أي نص في أناجيل النصارى يتعلق بنظام الإرث ولذلك فقد اعتمد أهل
الإنجيل في قوانين إرثهم على ما جاء في التوراة كما أمرهم عيسى عليه السلام
بذلك.
وفي التوراة ورد نظام الإرث في سفر العدد حيث ذكر ما نصه:
1″
فَتَقَدَّمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ بْنِ حَافَرَ بْنِ جِلعَادَ بْنِ
مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى مِنْ عَشَائِرِ مَنَسَّى بْنِ يُوسُفَ. وَهَذِهِ
أَسْمَاءُ بَنَاتِهِ: مَحْلةُ وَنُوعَةُ وَحُجْلةُ وَمِلكَةُ وَتِرْصَةُ. 2
وَوَقَفْنَ أَمَامَ مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الكَاهِنِ وَأَمَامَ
الرُّؤَسَاءِ وَكُلِّ الجَمَاعَةِ لدَى بَابِ خَيْمَةِ الاِجْتِمَاعِ
قَائِلاتٍ: 3أَبُونَا مَاتَ فِي البَرِّيَّةِ وَلمْ يَكُنْ فِي القَوْمِ
الذِينَ اجْتَمَعُوا عَلى الرَّبِّ فِي جَمَاعَةِ قُورَحَ بَل
بِخَطِيَّتِهِ مَاتَ وَلمْ يَكُنْ لهُ بَنُونَ. 4 لِمَاذَا يُحْذَفُ اسْمُ
أَبِينَا مِنْ بَيْنِ عَشِيرَتِهِ لأَنَّهُ ليْسَ لهُ ابْنٌ؟ أَعْطِنَا
مُلكاً بَيْنَ أَعْمَامِنَا». 5 فَقَدَّمَ مُوسَى دَعْوَاهُنَّ أَمَامَ
الرَّبِّ. 6 فَقَال الرَّبُّ لِمُوسَى: 7 «بِحَقٍّ تَكَلمَتْ بَنَاتُ
صَلُفْحَادَ فَتُعْطِيهِنَّ مُلكَ نَصِيبٍ بَيْنَ أَعْمَامِهِنَّ
وَتَنْقُلُ نَصِيبَ أَبِيهِنَّ إِليْهِنَّ. 8 وَتَقُول لِبَنِي
إِسْرَائِيل: أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ وَليْسَ لهُ ابْنٌ تَنْقُلُونَ مُلكَهُ
إِلى ابْنَتِهِ. 9 وَإِنْ لمْ تَكُنْ لهُ ابْنَةٌ تُعْطُوا مُلكَهُ
لِإِخْوَتِهِ. 10 وَإِنْ لمْ يَكُنْ لهُ إِخْوَةٌ تُعْطُوا مُلكَهُ
لأَعْمَامِهِ. 11 وَإِنْ لمْ يَكُنْ لأَبِيهِ إِخْوَةٌ تُعْطُوا مُلكَهُ
لِنَسِيبِهِ الأَقْرَبِ إِليْهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَيَرِثُهُ». فَصَارَتْ
لِبَنِي إِسْرَائِيل فَرِيضَةَ قَضَاءٍ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى”.
ومن
الواضح من هذا النص أن نظام الإرث عند أهل الكتاب نظام بدائي لا يعالج
كثير من قضايا الإرث فالشخص عندما يموت قد يترك وراءه زوجة وأبناء وبنات
وأب وأم وأخوة وأخوات وأعمام وعمات أو ما وراء ذلك من أقارب ولا يبين هذا
النص نصيب كل منهم. وفي نظام الإرث هذا فإن الميت ذكرا كان أم أنثى إذا ترك
أولادا ذكورا فإنهم يستأثرون بكامل التركة يتقاسمونها بينهم ولا نصيب فيها
لغيرهم من الورثة كأبيهم وأمهم وأخواتهم وزوجات أبيهم.
وفي غياب أبناء للميت فإن التركة تؤول لبناته أو بناتها يتقاسمنها بينهن ولا نصيب لغيرهن من الورثة مهما كانت درجة قرابته.
وفي
حالة غياب البنات تنتقل التركة لإخوانه الذكور فقط ولم يبين النص كيف يتم
تقسيم التركة في حالة غياب الأبناء والبنات مع وجود أب الميت وإخوانه.
وفي
غياب الأخوة تنتقل التركة لأعمامه الذكور فقط ولم يبين النص كيف يتم تقسيم
التركة في حالة غياب الأبناء والبنات مع وجود أب الميت وأعمامه.
إن
أول المظلومين في نظام الإرث هذا هما الأب والأم فقد يكون ابنهما المتوفى
هو العائل الوحيد لهما وقد يكونان كبيرين في السن وبموت هذا الابن تتوزع
تركته ولا نصيب لهما فيه رغم ما بذلاه من جهد ومال في تنشئته حتى بلغ سن
الرشد.
بل
الأغرب من ذلك أن تركة المتوفى قد تذهب إلى أعمامه ولا ينال أبيه وأمه
منها شيئا كما هو واضح من ظاهر النص والذي أعتقد جازما أنه نص محرف فالله
سبحانه وتعالى لا يمكن أن يظلم أحد في تشريعاته.
أما
ثاني المظلومين فهي الزوجة فلا نصيب لها بتاتا في نظام الإرث هذا فربما
كانت تعيش في رغد من العيش مع زوجها وبمجرد موته فإن مصيرها التشرد خاصة
إذا لم يكن لها أبناء أو بنات وستموت قهرا وهي ترى أخوة زوجها أو أعمامه
يتقاسمون تركته بينما لا تنال هي منها شيئا وقد تكون ساهمت بشكل مباشر أو
غير مباشر في تحصيل هذا المال.
أما
ثالث المظلومين فهن بنات وأخوات وعمات الميت فلا نصيب للبنات أبدا مع وجود
الأبناء وكذلك الأخوات لا نصيب لهن مع وجود الإخوة والعمات لا نصيب لهن مع
وجود الأعمام.
إن
نظام الإرث المستخدم حاليا في الدول الغربية التي تدين بالمسيحية لا يختلف
كثيرا عن النظام المذكور في التوراة فعلى سبيل المثال فإنه في قانون الإرث
الفرنسي لا ترث الزوجة زوجها ولا يرث الزوج زوجته ولا يرث الأب والأم شيئا
من تركة ابنهما بوجود أي ولد أو بنت له حيث يتقاسم الأبناء والبنات التركة
بينهم للأنثى مثل حظ الذكر.
وفي
غياب ذرية المتوفي فإن الأب والأم يتقاسمان التركة مع أخوة وأخوات المتوفى
فيأخذ الأب الربع والأم الربع ويتقاسم الأخوة والأخوات النصف المتبقي من
التركة للأنثى مثل حظ الذكر وفي غياب أب وأم وأخوة وأخوات المتوفى يتقاسم
الأعمام والعمات التركة.
لقد
كان نظام الإرث عند العرب أقرب ما يكون لنظام الإرث المذكور في التوراة
فلا نصيب للنساء في التركة مع وجود الورثة من الرجال وغالبا ما يستحوذ
الكبار من الأبناء على نصيب الصغار منهم.
ولهذا
فقد كانت مهمة تغيير نظام الإرث هذا من أصعب المهام التي واجهها سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم وخاصة أن اليهود الموجودين في المدينة يعملون
بنظام توريث مستمد من التوراة وهو مشابه للنظام الذي تتبعه العرب في
جاهليتهم.
لقد
كان من السهل جدا أن تعترض العرب على نظام الإرث الجديد بحجة أن نظامهم لا
يختلف عن النظام المذكور في التوراة والذي يعمل به يهود المدينة وقد سبق
للقرآن أن مدح التوراة وما فيها من شرائع وذلك في قوله تعالى “إِنَّا
أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا
النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا
وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ
اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ
وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ
يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” المائدة
44. وقد حدث هذا بالفعل فقد روى العوفي عن ابن عباس عند تفسيره
لقوله تعالى “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين” أنه قال لما
نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين
كرهها الناس – أو بعضهم – وقالوا: تعطى المرأة الربع أو الثمن وتعطى الابنة
النصف ويعطى الغلام الصغير وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يجوز
الغنيمة ! اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه أو
نقول له فيغير ! فقالوا :يا رسول الله تعطى الجارية نصف ما ترك أبوها
وليست تركب الفرس ولا تقاتل القوم ويعطى الصبي الإرث وليس يغني شيئا –
وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ولا يعطون الإرث إلا لمن قاتل القوم ويعطونه
الأكبر فالأكبر] رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.
لقد
جاء القرآن الكريم بنظام إرث جديد أنصف فيه جميع الورثة وخاصة النساء منهم
والتي كن محرومات من تركة أقربائهن في نظام الإرث المطبق عند العرب وكذلك
عند أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
لقد
بدأ القرآن الكريم بإقرار مبدأ عظيم وهو أن للنساء نصيب من تركة أقربائهن
كما للرجال مهما بلغت قيمة التركة وأن هذا الحق مفروضا لهن من الله سبحانه
وتعالى وذلك في قوله تعالى “لِّلرِّجَالِ
نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء
نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ
أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً” النساء 7.
ولم
يكتف القرآن الكريم بإنصاف النساء بل تعدى ذلك وطلب من الورثة إعطاء جزءا
ولو كان بسيطا من التركة للأقارب الذين لا نصيب لهم في التركة في النظام
الجديد وخاصة من كان لهم فيها من قبل نصيب تطييبا لأنفسهم وكذلك التصدق على
من حضر من اليتامى والمساكين وذلك في قوله تعالى “وَإِذَا
حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ
فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفا”ًالنساء 8.
وقد
أكد القرآن الكريم كذلك على عدم هضم حقوق صغار الورثة من الذكور والإناث
عند القسمة من قبل كبار الورثة وكذلك الحفاظ على أموال هؤلاء اليتامى من
قبل إخوانهم أو أعمامهم أو من هم في كفالتهم وخاصة في غياب رقابة الدولة
على إجراءات قسمة التركة وذلك في قوله تعالى
“وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً
ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً
سَدِيداً إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً
إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً”
النساء 9-10.
وبعد
أن وضع القرآن القواعد العامة لنظام الإرث بدأ بتحديد أنصبة كل من ورثة
المتوفى سواء كان ذكرا أم أنثى وذلك في ثلاث آيات فقط لا يتجاوز عدد أسطرها
العشرة وهي مليئة بالفرائض باستخدام نظام الكسور.
وفي سبب نزول آيات الإرث هذه فقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال:[
جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا
رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في يوم أحد شهيدا وأن
عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال . قال: فقال:
“يقضي الله في ذلك ” فنزلت آية الإرث . فأرسل رسول الله [ صلى الله عليه
وسلم ] إلى عمهما فقال: “اعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك “.
فالآية الأولى تحدد أنصبة أصول وفروع المتوفى وهم الأب والأم والأولاد
ذكورا وإناثا وهذه الحالة هي الأكثر شيوعا وتعالج معظم حالات التركات فقال
عز من قائل “يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي
أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء
فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً
فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ
مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ
وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ
فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ
آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً
فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً” النساء 11.
إن الفرض الرئيسي في هذه الآية أن المتوفى إذا ترك أولادا ذكورا وإناثا
فإنهم يتقاسمون التركة بينهم بحيث يكون حصة الذكر ضعف حصة الأنثى وذلك بعد
إعطاء بقية الورثة أنصبتهم أما إذا ترك إناثا فقط فإنهن يتقاسمن ثلثي
التركة إن كن اثنتين أو أكثر أما إن كانت واحدة فلها نصف التركة.
أما
الفرض الثاني فهو ما يتعلق بنصيب الأب والأم حيث يأخذ كل منهما السدس في
حالة وجود أولاد ذكور أو في حالة وجود ابنتين أو أكثر أما في حالة وجود بنت
واحدة فإن أم المتوفى تأخذ السدس ويأخذ أبوه الثلث. أما في حالة عدم وجود
ذرية للمتوفى فإن الأم تأخذ الثلث والأب يأخذ الثلثان في حالة عدم وجود
أخوة للمتوفى أما إذا كان له أخوة فإن الأم تأخذ السدس والأب يأخذ بقية
التركة.
أما الآية الثانية فهي التي تحدد نصيب الأزواج من بعضهم البعض ونصيب الأخوة والأخوات من الأم وذلك في قوله تعالى “وَلَكُمْ
نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن
كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا
تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ
فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ
بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ
وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن
كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ
اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ” النساء 12.
وتحدد
هذه الآية أن نصيب الرجل من زوجته المتوفية هو النصف إذا لم يكن لها ذرية
والربع إذا كان لها ذرية سواء كانت هذه الذرية منه أو من غيره.
أما
نصيب المرآة من زوجها المتوفى فهو الربع إذا لم يكن له ذرية والثمن إذا
كان له ذرية سواء كانت هذه الذرية منها أو من غيرها وفي حالة وجود أكثر من
زوجة فإنهن يشتركن في هذا النصيب إما الربع وإما الثمن.
أما
النصف الثاني من الآية السابقة وكذلك الآية الأخيرة من سورة النساء فإنهما
تحددان الطريقة التي يتم بها توزيع تركة الكلالة وهو المتوفى ذكرا كان أم
أنثى الذي غاب أصله وفروعه أي لا ولد له ولا والد يرثونه ولكن قد يكون له
أخوة.
فإذا
كان للكلالة أخوة من أم فإن الآية السابقة تحدد نصيب كل منهم فإذا كان
للكلالة أخ واحد فله السدس أو أخت واحدة فلها السدس كذلك وإذا كانوا أكثر
من واحد ذكورا كانوا أم إناثا فإنهم يشتركون في الثلث يتقاسمونه بينهم
بالتساوي للذكر مثل حظ الأنثي. لقد حدد الله سبحانه وتعالى نصيب أخوة
الكلالة من أمه لعلمه أن البشر لن يستطيعوا تحديد ذلك ولكنه سبحانه ترك لهم
مهمة تحديد أنصبة أخوة الكلالة من الأب بالقياس على الآية الأولى وكان
بإمكانهم فعل ذلك ولكن سؤالهم المتكرر لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن
ذلك استلزم أن ينزل الله فيه قرآنا وهي قوله سبحانه وتعالى “يَسْتَفْتُونَكَ
قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ
لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا
إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا
الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً
فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ
تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” النساء 176.
فكما
هو واضح من هذه الآية فإن أخوة وأخوات الكلالة من الأب أو الأب والأم
يعاملون معاملة أبناء وبنات المتوفى فإذا كان للكلالة إخوة وأخوات فإنهم
يتقاسمون التركة بينهم بحيث يكون حصة الذكر منها ضعف حصة الأنثى وذلك بعد
إعطاء بقية الورثة أنصبتهم أما إذا كن إناثا فقط فإنهن يتقاسمن ثلثي التركة
إن كن اثنتين أو أكثر أما إن كانت واحدة فلها نصف التركة. إن هذه الآيات
الثلاث وضعت القواعد الأساسية لنظام الإرث في الإسلام وهي تعالج ما يزيد عن
تسعين بالمائة أو ربما أكثر من حالات التركات وقد أنشأ علماء المسلمين
بابا من العلم يسمى علم الفرائض يعالج جميع حالات الإرث كنصيب الجد والجدة
والأعمام والعمات وأبناء الأخوة وأبناء الأعمام وذلك بناء على الأصول
الواردة في هذه الآيات وما ورد في السنة النبوية وما اجتهد به أصحاب وأتباع
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن
نظام الإرث الذي جاء به القرآن الكريم نظام مبتكر وفريد لم يسبق للبشر أن
تعاملوا بمثله ولن يتمكنوا كذلك من أن يأتوا بنظام مثله أبدا. فهذا النظام
قد تم وضعه على أسس واضحة ولأهداف بينة وليس بطريقة اعتباطية راعى فيه
المشرع مصالح ورثة الميت الأشد قرابة. إن أشد الناس قرابة للميت هم أباه
وأمه وأبنائه وبناته وزوجته بحكم المعاشرة وهم أكثر الناس حزنا عليه عند
موته ثم يأتي في الدرجة الثانية أخوته وأخواته ثم أعمامه وعماته.
وعندما
حصر الله سبحانه وتعالى تركة الميت على الأب والأم والأبناء والبنات
والزوجة ولا تتعدى إلى الأخوة والأخوات والأعمام والعمات إلا في حالات
محددة فإنما حصرها لأسباب منطقية لا يمكن لعاقل أن يجادل فيها. فالأب والأم
هما السبب في وجود هذا الإبن فأمه قد حملته تسعة أشهر في بطنها ثم أرضعته
ثم قامت على خدمته في حال صحته ومرضه لمدة لا تقل عن ثمانية عشر عاما وأبيه
صرف عليه من ماله والذي قد يكون حصل عليه بشق النفس فوفر له المسكن
والملبس والطعام والشراب والتعليم ومعالجته عند مرضه على مدى أيضا لا يقل
عن ثمانية عشر عاما وقد يكون الأب وكذلك الأم قد ساهما في بناء البيت الذي
سكنه هذا الإبن وربما المصلحة التي كانت مصدر رزقه.
أما
الزوجة فقد ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تحصيل هذه الثروة التي تركها
زوجها المتوفى فهي التي أنجبت أولاده وقامت على خدمته وخدمة بيته وخدمة
أولاده وبذلك وفرت له الوقت لجمع هذا المال الذي تركه وربما عملت بيديها
معه في مهنته. أما أبناء الميت وبناته فهم أحوج الناس لهذا المال إذا كانوا
صغارا وإما إذا كانوا كبارا فإنهم أحق الناس به فقد يكونوا ساهموا بجهدهم
في تحصيل هذا المال مع أبيهم بالإضافة إلى أن هذا هو الاتجاه الصحيح لحركة
المال المورث فهو ينتقل من الأباء إلى الأبناء.
وعلى
هذا فإنه من الظلم الفادح أن يحرم الأب والأم من تركة إبنهم بمجرد وجود
أبناء وبنات لهذا الميت وقد يكونا في أمس الحاجة لمثل هذا المال عند هذه
السن الكبيرة التي تقل فيها قدرتهما على جلب الرزق وإذا ما أخذ الأب والأم
شيئا من التركة فهو جزء يسير مما أنفقاه على هذا الإبن على مدى ثمانية عشر
عاما على الأقل. وكذلك فإنه من الظلم الفادح أن تحرم الزوجة حرمانا كاملا
من تركة زوجها سواء ترك أولادا أم لم يترك كما هو الحال في نظام الإرث
التوراتي أو في أنظمة الإرث الحالية كنظام الإرث الفرنسي. فهل يعقل أن تذهب
تركة زوجها إلى إخوانه وأخواته أو أعمامه وعماته وتحرم هي منه وقد ساهمت
بشكل مباشر أو غير مباشر في تحصيل هذه التركة! ولهذا فقد أنصف القرآن
الكريم الأب والأم والزوجة في نظام الإرث الذي جاء به وأعطى للأب سدس
التركة وللأم السدس كذلك وللزوجة الثمن عند وجود أبناء وبنات للميت وتزداد
هذه النسب في حالة غياب الأبناء والبنات.
ولا
بد هنا من الرد على الفرية التي يتشدق بها بعض أهل الكتاب والكفار من بقية
البشر وهي أن القرآن قد تحيز للرجال على حساب النساء في نظام الإرث الذي
جاء به فأعطى الرجل ضعف حصة المرأة.
فنقول
لأهل الكتاب أولا أن من بيته من زجاج عليه أن لا يرمي الناس بالحجارة
فالنص الوارد في التوراة والذي أعتقد جازما أنه قد تم تحريفه قد حرم الزوجة
تماما من الميراث وحرم البنات والأب والأم كذلك بوجود الأولاد الذكور.
ونقول
لمن لا دين له ارجع لنظام الإرث الفرنسي أو بقية أنظمة الإرث في العالم
غير الإسلامية وستجد مدى الإجحاف الذي يلحق بالزوجة والأب والأم عند تقسيم
تركة الميت.
إن
القرآن الكريم لم يتحيز للرجال في أنصبة الميراث على حساب النساء إلا بسبب
طبيعة النظام الاجتماعي السائد في المجتمعات البشرية والذي يقوم على قوامة
الرجال على النساء وكذلك مراعاة الفروق الطبيعة بينهما.
إن
قوامة الرجال على النساء نظام قائم منذ أن خلق الله البشر ولا زال قائما
إلى يومنا هذا في معظم المجتمعات البشرية وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله
الأرض ومن عليها وإن أي محاولات لتغيير مثل هذا الواقع لن تفلح أبدا ما دام
أن المجتمعات تقوم على النظام الأسري والذي تكون فيه في الغالب القوامة
للرجال بسبب ما ميزهم الله به من قوة الجسم. والدليل على عدم تحيز القرآن
الكريم للرجال هو تساوي نصاب الأب والأم في حالة وجود أولاد للمتوفى وكذلك
تساوى نصاب الأخ والأخت من الأم في تركة الكلالة. وحين يحدد القرآن الكريم
نصاب الإبن بضعف نصاب البنت فهو إنصاف لهذا الإبن وليس تحيزا له وذلك
لأسباب كثيرة أولها أن الأعباء المادية المترتبة على الرجال في الأنظمة
الاجتماعية السائدة تفوق تلك المترتبة على النساء فهم الذين يقومون ببناء
مساكن الزوجية التي لا تشارك النساء فيه بشيء وهم الذين يدفعون المهور
ويقيمون حفلات الزواج وهم الذين ينفقون على زوجاتهم وأولادهم وهم أقدر على
العمل بشتى أنواعه بسبب تركيبهم الجسمي وهم أقدر على الحفاظ على الأموال
التي يرثونها وكذلك تنميتها وهم أقدر كذلك على حمايتها في مجتمعات لا يصمد
فيها إلا القوي وهذا هو واقع البشر منذ أن خلقهم الله وسيبقون كذلك.
ولا
بد في هذا المقام من الاستشهاد بقول المفكر العظيم الشهيد سيد قطب في
تعليقه على سورة النساء وما فيها من أحكام تشريعية كنظام الإرث وذلك في
تفسيره القيم (في ظلال القرآن) إذ يقول رحمه الله: “إن الإسلام نظام
للإنسان. نظام واقعي إيجابي. يتوافق مع فطرة الإنسان وتكوينه ويتوافق مع
واقعه وضروراته, ويتوافق مع ملابسات حياته المتغيرة في شتى البقاع وشتى
الأزمان, وشتى الأحوال. إنه نظام واقعي إيجابي, يلتقط الإنسان من واقعه
الذي هو فيه, ومن موقفه الذي هو عليه, ليرتفع به في المرتقى الصاعد, إلى
القمة السامقة. في غير إنكار لفطرته أو تنكر; وفي غير إغفال لواقعه أو
إهمال; وفي غير عنف في دفعه أو اعتساف ! إنه نظام لا يقوم على الحذلقة
الجوفاء; ولا على التظرف المائع; ولا على “المثالية ” الفارغة; ولا على
الأمنيات الحالمة, التي تصطدم بفطرة الإنسان وواقعه وملابسات حياته, ثم
تتبخر في الهواء!” ويقول رحمة الله عليه معلقا على نظام الإرث في الإسلام
“إن هذا النظام في التوريث هو النظام العادل المتناسق مع الفطرة ابتداء;
ومع واقعيات الحياة العائلية والإنسانية في كل حال. يبدو هذا واضحا حين
نوازنه بأي نظام آخر, عرفته البشرية في جاهليتها القديمة, أو جاهليتها
الحديثة, في أية بقعة من بقاع الأرض على الإطلاق. إنه نظام يراعي معنى
التكافل العائلي كاملا, ويوزع الأنصبة على قدر واجب كل فرد في الأسرة في
هذا التكافل . فعصبة الميت هم أولى من يرثه – بعد أصحاب الفروض كالوالد
والوالدة – لأنهم هم كذلك أقرب من يتكفل به, ومن يؤدي عنه في الديات
والمغارم فهو نظام متناسق, ومتكامل.
وهو
نظام يراعي أصل تكوين الأسرة البشرية من نفس واحدة. فلا يحرم امرأة ولا
صغيرا لمجرد أنه امرأة أو صغير. لأنه مع رعايته للمصالح العملية – كما بينا
في الفقرة الأولى – يرعى كذلك مبدأ الوحدة في النفس الواحدة. فلا يميز
جنسا على جنس إلا بقدر أعبائه في التكافل العائلي والاجتماعي. وهو نظام
يراعي طبيعة الفطرة الحية بصفة عامة , وفطرة الإنسان بصفة خاصة .
فيقدم
الذرية في الإرث على الأصول وعلى بقية القرابة . لأن الجيل الناشىء هو
أداة الامتداد وحفظ النوع . فهو أولى بالرعاية – من وجهة نظر الفطرة الحية –
ومع هذا فلم يحرم الأصول , ولم يحرم بقية القرابات . بل جعل لكل نصيبه .
مع مراعاة منطق الفطرة الأصيل . وهو نظام يتمشى مع طبيعة الفطرة كذلك في
تلبية رغبة الكائن الحي – وبخاصة الإنسان – في أن لا تنقطع صلته بنسله, وأن
يمتد في هذا النسل. ومن ثم هذا النظام الذي يلبي هذه الرغبة, ويطمئن
الإنسان الذي بذل جهده في ادخار شيء من ثمرة عمله, إلى أن نسله لن يحرم من
ثمرة هذا العمل, وأن جهده سيرثه أهله من بعده. مما يدعوه إلى مضاعفة الجهد,
ومما يضمن للأمة النفع والفائدة – في مجموعها – من هذا الجهد المضاعف . مع
عدم الإخلال بمبدأ التكافل الاجتماعي العام الصريح القوي في هذا النظام
وأخيرا فهو نظام يضمن تفتيت الثروة المتجمعة, على رأس كل جيل, وإعادة
توزيعها من جديد. فلا يدع مجالا لتضخم الثروة وتكدسها في أيد قليلة ثابتة –
كما يقع في الأنظمة التي تجعل الميراث لأكبر ولد ذكر, أو تحصره في طبقات
قليلة – وهو من هذه الناحية أداة متجددة الفاعلية في إعادة التنظيم
الاقتصادي في الجماعة, ورده إلى الاعتدال دون تدخل مباشر من السلطات . هذا
التدخل الذي لا تستريح إليه النفس البشرية بطبيعة ما ركب فيها من الحرص
والشح. فأما هذا التفتيت المستمر والتوزيع المتجدد ; فيتم والنفس به راضية,
لأنه يماشي فطرتها وحرصها وشحها ! وهذا هو الفارق الأصيل بين تشريع الله
لهذه النفس وتشريع الناس !!! “.
نرجو إرسال ملاحظاتكم وتعليقاتكم على المقالة على العنوان التالي:
mabbadi@just.edu.jo
المراجع
1- القرآن الكريم
2- التوراة
3- تفسير في ظلال القرآن للشهيد سيد قطب
إرسال تعليق