نتابع جميعًا هذه الأيام حملة إعلامية شرسة للتخويف من الإسلام
والإسلاميين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم وقد انبرى لهذه الحملة عدد
كبير من المفكرين والكتاب والأدباء والصحفيين وأنا بداية لا أنطلق في حديثي
من منطلق أن الإسلام متهم في قفص اتهام وأنا ها هنا واقف للدفاع عنه
أبدًا.
الإسلام ليس متهمًا وما كان الإسلام متهمًا قط ثم لو أخطأ
مثلي أو أخطأ غيري من المنتسبين إلى الإسلام أو إلى أي تيار إسلامي, فليس
من العدل ولا من الإنصاف أن أحاكم وأحاسب الإسلام كدين لمجرد أخطاء بعض
الأفراد المنتسبين إلى هذا الدين, فهذا ظلم لا يسمح أبدًا أن نتهم طائفة من
الطوائف لمجرد خلل أو خطأ وقع فيه بعض المنتسبين إلى هذه الطائفة, فلماذا
يحاكم الآن كدين رباني ونبوي لمجرد بعض الأخطاء التي يزل فيها بعض
المنتسبين إلى هذا الدين ولو كانوا من العلماء الربانيين والدعاة الصادقين.
ما
الحرج وما الخلل في هذا المنهج وفي هذا الدين إن أخطأ واحد منتسب إليه, لا
خلل ولا خطأ ولا تشويه ولا حرج, فالإسلام الآن متهم ببعض الاتهامات
الشديدة, وسأركز الحديث في تفنيد هذه التهم التي تكال الآن للإسلام
والإسلاميين.
وأنا أخاطب الجميع بقلب مفتوح وعقل متفتح لكن بلا تنازل
عن ثوابتنا وأركاننا وأصولنا, فإسلامنا هو الذي علم الدنيا كلها أدب
الحوار وشتان شتان بين الحوار وبين إشعال النار, فنحن لا نريد أبدًا لنار
أن تشتعل في بلادنا, بل وفي أي بقعة من أرضنا الزكية الكريمة أرض مصر, فمصر
فوق الجميع, ومصر تسع الجميع, ومصر ليست ملكًا للمسلمين دون النصارى لا..
بل هي ملك للأقباط والمسلمين ولسنا في حاجة لأن يجلس أحد ليعلمنا دروسًا في
الوطنية, فالإسلاميون يعلمون علم اليقين كيف يتعاملون مع الآخر؛ لأن
إسلامنا علمنا ولم يدع لنا شيئًا إلا ووضع فيه حكمًا صريحًا جليًّا
واضحًا..
الإسلام والآخر :
ياللشرف أرفع رأسي ويرفع كل مسلم
موحد رأسه لتعانق كواكب الجوزاء أنه منتسب لدين رب الأرض والسماء ومنتسب
لدين محمد إمام وسيد الأنبياء.
الإسلام ليس دين العرب وليس دين
المسلمين وحدهم, بل اشرف بأنك تنتسب إلى دين رضيه الله لأهل السماوات وأهل
الأرض, بل واختاره ربنا دينًا لكل الرسل وجميع الأنبياء فلم يبعث نبينا
محمد r بالإسلام وحده, بل بعث بالإسلام نوح.. بل بعث بالإسلام إبراهيم.. بل
جاء بالإسلام موسى.. بل جاء بالإسلام عيسى.. بل جاء بالإسلام يوسف.. بل
جاء بالإسلام سليمان.. بل جاء بالإسلام محمد... فالإسلام دينهم جميعًا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19].
قال تعالى في سورة يُونس: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 72].
وقال تعالى حكاية عن إبراهيم في سورة البقرة: {وَإِذْ
يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً
مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 127، 128].
والإسلام دين موسى قال تعالى حكاية عنه في سورة يونس: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: 84].
والإسلام دين عيسى قال تعالى حكاية عنه: {فَلَمَّا
أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ
قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ
وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران: 52].
والإسلام دين يوسف قال تعالى حكايةً عنه: {رَبِّ
قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ
الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي
بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101].
والإسلام دين سليمان قالت ملكة سبأ حين بعث لها كتابًا: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 30، 31].
والإسلام دين لبنة التمام ومسك الختام محمد, قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسلام دِينًا} [المائدة: 3].
فيا
أيها المسلم أنت لست مقطوع النسب بل نسبك ممتد في عمق التاريخ من لدن نوح
إلى محمد إلى قيام الساعة صلوات الله عليهم أجمعين.. فالإسلام هو المنة
الكبرى والنعمة العظمى, الدين الذي ارتضاه الله لأهل السماوات وأهل الأرض..
الدين الذي يتسم بالعدل والسماحة.. الدين الذي يتسم بالرحمة والرأفة..
الدين الذي يتسم بالربانية في الغاية والهدف.. الدين الذي يتسم بالربانية
في المصدر.. الدين الذي يتسم بالتكامل والشمول في جوانب الدنيا والدين
والدنيا والآخرة والروح والبدن.. الدين الذي يتسم بالتميز والمفاصلة..
الدين الذي يتسم بالتوازن والاعتدال.. الدين الذي أنزله رب العالمين ليسعد
البشر به في الدنيا قبل الآخرة: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19], لذا قال جل وعلا: {يَمُنُّونَ
عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ
اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ} [الحجرات: 17].
لذا
عامل الإسلام الآخر من غير المسلمين معاملة مبنية على العدل والسماحة..
نعلن ذلك بفخر واعتزاز, الإسلام يتعامل مع الآخر بعدل وسماحة.. اسمع لقول
ربي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا
قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ
قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
ويقف
نبينا إمام الأنبياء الأعظم وسيد الأنبياء الأكرم يقف في أوسط أيام
التشريق بمنى ليخطب في الصحابة خطبة عصماء مختصرة بليغة كما ورد في مسند
أحمد وسنن البيهقي بسند صحيح من حديث جابر بن عبد الله فيقول: "يا
أيها الناس, ألا إن ربكم واحد, ألا إن أباكم واحد, ألا لا فضل لعربي على
عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا
بالتقوى إن أكرمكم عند الله اتقاكم".
بل وفي الصحيحين عن عبد
الرحمن بن ليلى قال: كان سهل بن حنين وقيس بن سعد - قاعدين بالقادسية فمروا
عليهما بجنازة, فقام سهل بن حنين وقيس بن سعد, فقيل لهما: إنها جنازة واحد
من أهل الأرض يعني من أهل الذمة -يعني من النصارى- يعني اجلسا لا تقوما
إنها جنازة نصراني, فقالا رضي الله عنهما: إن النبي r كان جالسًا فمروا
عليه بجنازة, فقام r فقيل: يا رسول الله, إنها جنازة يهودي, فقال الحبيب
النبي: "أليست نفسًا".. وددت أن لو استمعت
الدنيا كلها كيف يحترم الإسلام الآخر, فنحن لا نفرض ديننا على أي أحد, بشرط
وأقولها واضحة ألا يحول أي أحد بيننا وبين دعوة الآخرين إلى الله بالحكمة
البالغة والموعظة الحسنة والتواضع الجم والكلمة الرقراقة الرقيقة المهذبة
المؤدبة..
أنا أزعم ومن حقي أن أزعم وأدعي ومن حقي أن أعتقد ذلك أنني
أحمل في يدي مصباحًا مضيئًا وأمشي في طريق شديد الظلمة يتبعني فلان ويلحق
بي هذا ويسير خلفي هذا, ليس من حق أي أحد على الإطلاق أن يخرج علي ليطفئ
المصباح في يدي أو ليحطم المصباح في يدي, ليس من حق أي أحد, فإن شئت أن
تسير معي في هذا النور نور القرآن والسنة فحي هلا, ولكن ليس من حقك أن تحطم
مصباحًا في يدي أضيء به الطريق لنفسي ولمن يسير معي في هذا الركاب..
فأمريكا
جاءت من أقصى الأرض لتصدر الديمقراطية بمعناها عندهم والحرية بمعناها
وبمفهومها عندهم, لكنها جاءت لتصدر للعالم العربي الحرية والديمقراطية على
فوهات المدافع وراجمات الصواريخ والطائرات والدبابات, وما أحداث العراق
وأفغانستان منا ببعيد, فلماذا نحل هذا لأمريكا ويحلون لهم ذلك, ويحرمون على
الدعاة الذين يتحركون بالحكمة والرحمة والأدب يحملون نور القرآن والسنة
نور الهداية والهدى نور الخير والرشاد, لماذا ينكرون عليهم أن يتحركوا
بمصابيحهم المضيئة وبأنوارهم أنوار الكتاب والسنة أنوار الحق والهدى والله
دعاني أن أبلغ عن الله ورسوله بهذه الضوابط..
ومقومات الدعوة ليست
وسيلة من الوسائل التي تتغير بتغير الزمان والمكان بل هي مقومات توقيفية
ليس من حق نبي فضلاً عن داعية أن يختار لنفسه من تلك المقومات ما شاء وأن
يدع منها ما شاء {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125], قال تعالى: {فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ
لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
قال تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43, 44],
إلى آخر هذه المقومات التي ليست محل خيار للأنبياء أو للنبي محمد فضلاً عن
أن تكون محل اختيار للعلماء والدعاة فهذه مقومات توقيفية لا تتغير بتغير
الزمان والمكان, تختلف عن الوسائل الدعوية التي تختلف باختلاف الزمان
والمكان, فالإسلام لا يفرض معتقده على الآخر بل هو يدعو الكل بهذه الضوابط,
ويدع دخول الآخر فيه لاختياره هو ليس إكراهًا منا اسمع لقول ربي لسيد
الدعاة: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]
تدبر الآية حبيبي في الله هذا خطاب لسيد الدعاة ولو شاء ربك يعني اطمئن لا
تقلق ولا تحزن لا تقتل نفسك حسرات على عدم إيمان من لم يؤمن, فمن شاء الله
له الهدى آمن {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21].
قال جل وعلا: {وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29],
فالإسلام يعامل الآخر معاملة مبنية على العدل والتسامح, أود أن أقول وقد
ذكرت ذلك لأولئك الذين أرادوا أن يشعلوا نار فتنة طائفية على أرضنا وفي
بلدنا لتلتهم الأخضر واليابس, أود أن أقول لهم: لقد أجمع علماء الأمة وأرجو
من طلابنا أن يراجعوا هذا الإجماع في كتاب (مراتب الإجماع) للإمام ابن حزم
نقل ونص على إجماع الأمة على أن حماية أهل الذمة يعني الأقباط يعني
النصارى واجبة على المسلمين فليسوا في حاجة إلى استقواء بالخارج الأمريكي
أو الخارج الأوربي أو بمجلس الأمن أو بهيئة الأمم, فحمايتهم واجبة علينا
نحن المسلمين..
وقد قال نبينا r كما في صحيح سنن أبي داود: "ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقًّا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة",
من يقدر من المحبين لسيد النبيين أن يكون النبي حجيجه يوم القيامة لظلمه
رجلاً من أهل الذمة من الأقباط أو من النصارى, ظلمهم عندنا حرام مثل
الاعتداء على أموالهم وبيوتهم وأنفسهم حرام, هذا ديننا نعتز ونسعد ونفخر به
ونعلنها للدنيا كلها..
ولا نخجل فيه من آية في كتاب ربنا ولا من
حديث ثابت صحيح في سنة الحبيب نبينا.. قال r كما في صحيح البخاري من حديث
عبد الله بن عمر: "من قتل معاهدًا لم يرح -يعني لم يشم- رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عام".
شيخ
الإسلام ابن تيمية يطبق هذه المعاني تطبيقًا عمليًّا حين أُسِرَ من أُسِر
في حرب التتار مع المسلمين وذهب الإمام حسنة الأيام شيخ الإسلام ابن تيمية
ذهب إلى قطب شاه ليفـُكَ منه الأسرى؛ فقال له قائد التتار: أسمح لك بأسرى
المسلمين ولا أفك أسرى أهل الذمة من اليهود والنصارى. فماذا قال شيخ
الإسلام ابن تيمية؟ قال: أهل ذمتنا قبل أهل ملتنا.
هذا هو الإسلام يا
سادة لا أريد أن أطيل النفس لكن أود فقط أن أقول لما دخل عمرو بن العاص
إلى مصر فاتحاً قبض جنوده على بنت المقوقس حاكم مصر وكانت تسمى أرمانوسة
بنت المقوقس، قبض جند الفتح الإسلامي عليها وعلم عمرو بن العاص أنها بنت
المقوقس حاكم مصر وكان المقوقس قد أكرم كتاب النبي r حين أرسل إليه كتاب
يدعوه للإسلام فأكرم المقوقس كتاب رسول الله ورد عليه ردًّا جميلاً كريمًا
وأرسل رُسل رسول الله محملين بالهدايا, وكان من بين الهدايا مارية القبطية
والأقباط هم أهل مصر فأرسل إليه مارية القبطية وأرسل أختها معها فتسرى
النبي بمارية ورزقه الله منها إبراهيم وتزوج حسان بن ثابت بأختها وأرسل معه
الطيب والعسل.
الشاهد لما علم عمرو بن العاص أنها أرمانوسة بنت
المقوقس أكرمها غاية الإكرام, تقول لها جارية من جواريها: يا سيدتي إني
أخشى عليك من العرب فهم أجلاف ظلمة, فقالت بنت المقوقس: لا, أنا آمن على
نفسي, لا أنا آمن على نفسي في خيمة المسلم العربي أكثر من أمني على نفسي في
قصر أبي..
جيل رباه محمد وضبط أخلاقهم رسول الله r وردها محملة
بالهدايا معززة مكرمة إلى المقوقس حاكم مصر جزاء ما أكرم المقوقس كتاب رسول
الله r..
الإسلام والآخر معاملة مبنية على العدل.. معاملة مبنية على
الاحترام.. معاملة مبنية على التسامح.. ولو ظللت أذكر الأمثلة والأدلة كيف
عامل محمد الفاتح كنيسة آيا صوفيا.. ولو ذكرت كيف عامل صلاح الدين قائد
الجيش الصليبي ريتشارد قلب الأسد, والله لسمعتم الأساطير, والتاريخ لازالت
صفحاته مفتوحة لكل منصت عاقل يريد أن يتعرف على عظمة الإسلام في معاملة
الآخر.. فتجدون الإسلام الآن بأنه دين مصاص للدماء دين فتاك للدماء دين
متوحش دين لا يقدر الحياة دين لا يقدر الدماء ولا يحترم الدماء
الإسلام والدماء :
وهذا
محور آخر من أخطر المحاور ومن أبشع التهم التي تكال الآن للإسلام.. ألم
يذكر هؤلاء المنصتون قول الله جل وعلا في إحياء نفس واحدة وكأنها إحياء
للأرض كلها على وجه الأرض {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة: 32] في حال قتل نفس واحدة فكأنما قتل الناس جميعًا ثم ألم يقرءوا قول الله في حرمة دماء المؤمنين: {وَمَنْ
يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا
وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء: 93], ألم يسمعوا قول النبي r كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا", وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام في غير حله".
وقد
يسأل سائل هذه دماء المؤمنين والمسلمين فأين حرمة دماء غير المسلمين
والجواب من رسول الإسلام r كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في
التاريخ الكبير والنسائي في السنن من حديث عمرو الخزاعي t أن النبي r قال: "من أمن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرًا".
هذا
الإسلام العظيم الذي يعلمنا أن الله جل جلاله واهب الحياة وأن الحياة حق
كل إنسان وليس من حق أي أحد أن يسلب هذا الحق إلا بأمر الله وفي حدود شرعه
جل علاه الذي شرعه ليسعد به الناس في الدنيا والآخرة..
فالإسلام يحترم الدماء, بل ويجعل أول شيء يقضى فيه يوم القيامة في الدماء لحرمتها ومكانتها كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: "أول ما يقضى فيه يوم القيامة بين الناس في الدماء", ولا معارضة بين هذا الحديث وحديث أصحاب السنن: "إن أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة",
فالصلاة أول شيء يحاسب عليه العبد بين العبد وبين ربه, والداء أول حق
للعباد يقضي فيه رب العباد جل وعلا لا تعارض, فالحق كله يخرج من مشكاة
واحدة.
الإسلام أيها الأفاضل يحترم الحياة ويقدر الدماء ويجعل القتل
كبيرة من أعظم الكبائر التي تأتي بعد كبيرة الشرك بالله, قال جل جلاله في
شأن عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ
اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ
إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} [الفرقان: 68].
إرسال تعليق