0

تثبت الطريقة التي كان النبي وخلفاؤه يخاطبون بها ملوك الشعوب غير المسلمة ورؤساءها،‏ أنهم كانوا يعاملونهم على قاعدة المساواة الإنسانية،‏ لا فرق بين عربي وعجمي،‏ ومسلم وغير مسلم،‏ ومواطن وغير مواطن في الاعتراف بإنسانية الإنسان‏.‏

يؤيد هذا سعي الرسول لكي يقيم سفارات بعد إقامة المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة مباشرة مع كثير من البلاد والقبائل المجاورة‏.‏، وكان من أهدافها العامة بعث الروح الإنسانية والتواصل الإنساني،‏ كما كان من أهدافها الخاصة عقد هدنة، أو صلح،‏ أو المفاوضة لتبادل الأسرى،‏ وكل هذا يصب في مجال تحقيق إنسانية الإنسان‏.‏

وكان عدد من هذه البعثات يهدف أيضًا إلى دعوة الأجنبي إلى التعرف الموضوعي على الإسلام عن طريق التقديم السلمي له،‏؛ ليتبين الرشد من الغي،‏ ومن شاء -بعد ذلك- أن يكفر أو يؤمن فهو حر في اختياره‏!!‏

ويبين التاريخ أن السلطات المسلمة كانت مرتبطة بعدد من الواجبات الشرعية السلمية في تنظيم علاقاتها الخارجية،‏ دون أن تنسى مع ذلك مهمة نشر الإسلام في العالم بالطرق الحوارية والثقافية العقلية الكريمة‏.

ولم يحدث قط أن استعلى المسلمون على العالم أو غمطوه إنسانيته أو حقوقه،‏ أو فرضوا عليه القهر الفكري أو الديني أو اعتبروه برابرة‏..‏ بل اندمجوا فيه وتعايشوا معه،‏ وتساووا معه في صفوف الصلاة، وفي جوع الصيام، وفي مشاق الطواف إذا اعتنق الإسلام‏.‏

أما إذا لم يعتنق الإسلام فهو حر،‏ وهو إنسان،‏ وهو مسئول عن اختياره، وله ما للمسلمين وعليه ما عليهم‏..‏ والغدر بحقوقه خيانة لذمة رسول الله ، فضلاً عن أنها خيانة وطنية،‏ وتفرقة عنصرية يرفضها الإسلام‏.‏.

وكل ذلك مرفوض إسلاميًّا‏!!‏

فإذا جئنا للموقف المقابل‏..‏ موقف الحضارة الأورأمريكية منا‏..‏ وجدنا الأمر على العكس من ذلك‏؛ فالغرب لم يقبل منح الإمبراطورية العثمانية‏ (حق الناس‏)‏ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، مع إضافة بعض التحفظات بسبب إنسانيتها البربرية ‏(كما يقول بوازار‏)..‏ وما زال العالم الآن يقسم من الكبار إلى عالم أول،‏ وثانٍ،‏ وعالم ثالث،‏ وما زال هناك من يقول: إن الجنس الأبيض أفضل من الجنس الأسود أو الأصفر،‏ وما زال هناك من يسمِّي المسلمين همجًا وبرابرة،‏ ويعطي نفسه وحده صفة الحضارة وحق السيادة،‏ وفرض القولبة المسماة بالعولمة لصالح قيم معينة وطريقة معينة في الحياة‏!!‏

بينما كان الإسلام يعتمد المساواة الإنسانية،‏ ويسعى للتفاعل والتكامل مع العالم،‏ وما زال أهله وسيبقون أبعد الناس عن أي استعلاء عنصري‏؛ لأنه فتنة منتنة،‏ وجاهلية عفنة‏..‏ فالناس من آدم،‏ وآدم من تراب،‏ وهم سواسية كأسنان المشط‏.‏

هذا هو الإسلام‏..‏ دين المساواة الإنسانية‏..‏ وهذا هو ماضي أعدائنا وحاضرهم العنصري الاستعلائي المدمر‏.‏

المصدر: موقع صحيفة الأهرام.

إرسال تعليق

 
Top