0

قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ 30 الروم, وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ الرعد 28 ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ الرعد 29، وقال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾  المؤمنون 1 ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾  المؤمنون: 2 ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ المؤمنون 3 ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾  المؤمنون 4 ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ المؤمنون 5.

الدلالة الشرعية:

تشير الآيات الكريمة إلى أن النفس البشرية مفطورة على الإيمان والعبادة، وأن في الأعمال الصالحة صلاحاً وشفاءً لها.

الحقيقة العلمية:

لقد أصبح الاستغراق في العبادة مجالاً للدراسات العلمية، ولم يعد الإيمان بالله تعالى في الدراسات العلمية ضرباً من الفلسفات والتصورات الشخصية كما كان يعتقد البعض سابقاً، وقد كشفت التجارب العلمية مؤخراً أن الإيمان بالله تعالى نزعة فطرية وغريزة تتطلب الإشباع مثل طلب الطعام والشراب، وأن العبادة بخشوع شفاء لاضطرابات النفس البشرية.

وخلاصة الأبحاث التي أجريت على المخ بتقنية جديدة لأشعة إكس ونشرت في أبريل عام 2001م وقام بها فريق علمي على رأسه البروفيسور أندرو نيوبيرج Andrew Newberg أستاذ علم الأشعة Radiology بكلية الطب بجامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية هي أن الإيمان بالله مقصد مصمم داخلياً Built-in Design في مخ البشر، بحيث لا يمكن لأحد التخلص منه إلا تعامياً عن الفطرة السوية التي جعلت الإنسان ينزع للتدين على طول التاريخ، وتعطيلاً لقدرات هائلة وإمكانات بالغة التعقيد والتطور تمكنه من الاستقراء والتحليل المنطقي والتفكير الاستنتاجي.

ووفق ما أعلنه البروفيسور نيوبيرج أن التدين مهما اختلفت صوره يعكس إيماناً فطرياً مركوزاً في داخل المخ الذي يمكن وصفه طبقاً لما أثبتته التجارب بأنه مهيأ المسالك بقوة نحو التدين hard-wired for Religion، والتجربة العلمية تخبرنا كيف أعد الله تعالى الإنسان لكي يعرفه، وتعلمنا أن الدين مطلب طبيعي للإنسان يماثل الطعام والشراب، وبهذا نزداد يقيناً في وجود الله تعالى وقدرته، وإلا فلا فائدة من الملكات الممنوحة للإنسان والتي ميزته عن العجماوات، وإذا صاحب الخشوع أداء العبادة، فستصبح ذات تأثير فعال نافع للبدن والنفس يمكن قياس تأثيره معملياً، ومن هذا المنطلق يقول نيوبيرج: " لقد اكتشفت الدراسات النفسية الدينية ثراء الدين بأرقى الأساليب العلمية لبلوغ التوازن النفسي "، وقال البروفيسور لورنس ميكيني عميد المؤسسة الأمريكية لعلاج الاضطرابات الذهنية: " إن ممارسة التأمل العميق، باعتباره صورة من صور الخشوع، قد يساعد في حد ذاته على التغلب على الشعور بالألم النفسي والإحباط ويعيد التوازن في توزيع النشاط في مراكز المخ، ويفرغ شحنات الشعور بالتعاسة والألم وفقدان الأمل، حتى عند غير المؤمنين ".

وقد بدأت الدراسات النفسية الدينية في الستينيات من القرن الماضي، وفي عام 1980م أطلق ميكيني ومساعدوه على تلك الدراسات مصطلح الدراسات النفسية الدينية Neuro-Theology، وأخرج عام 1944م كتابه بنفس الاسم، ويقدم هذا العلم تأييده التام للحقيقة الجوهرية في الدين وهي الإيمان بالله تعالى، قال ميكيني: " ويكفي أننا قد أوجدنا طرقاً عملية لقياس الأنشطة الفكرية ولم يعد الإيمان بالله تعالى والمشاعر الدينية خلال العبادة نشاطاً فكرياً غير قابل للتجربة والإثبات، ومن تلك التقنيات الجديدة التصوير بالرنين المغناطيسي MRI Magnetic Resonance Imaging، والتي أكدت نتائج نيوبيرج بالفعل "، وقال البروفيسور بليتريني من جامعة بيزا في إيطاليا: " إن كل شيء نفعله أو نستشعره من نشاط بسيط كحركة إصبع إلى أعمق الانفعالات العاطفية الخبيئة بالنفس أو البادية مثل الغضب والحب يرسم خريطة مميزة المعالم للمراكز المتأثرة بالمخ، ويصاحب كل شعور نموذج محدد يمكن تسجيله وتحليله كالتحاليل الطبية العضوية تماماً، وهذا المجال الجديد لاستطلاع دخيلة الإنسان من عواطف ومشاعر وأفكار ومدى تأثره بالاعتقاد الديني ساحر حقاً، ويدخل فيه الباحثون اليوم بحذر شديد حريصين على المنهج العلمي في البحث والتحليل كبقية مجالات العلوم التجريبية "، وقال البروفيسور مايكل ماكلوف من جامعة دالاس بالولايات المتحدة الأمريكية: " يتأثر الوجدان النفسي الروحي بالعالم الخارجي ويؤثر في الجسد العضوي ويمثل الإيمان والعبادات صمام أمان لتلك التأثيرات الطبيعية، وقد أفضت دراسته إلى أن الطبيعة البشرية مصممة بحيث تحفظها العبادات في توازن تام وتقيها الاضطراب "، وفي تحليل شمل 42 دراسة ميدانية واسعة وجد بروفيسور ماكلوف أن معدل الوفيات يقل بالاستغراق في الصلوات وبقية العبادات، وهذا التأثير مستقل عن عوامل أخرى مضرة بالصحة كتناول الخمور والتدخين، ولم يفت البروفيسور نيوبيرج أن يعلق على تلك النتيجة بقوله: " نحن لا ندري حتى الآن على وجه اليقين كيف يؤدي الإيمان العميق والاستغراق في العبادة إلى الحفاظ على سلامة النفس وصحة البدن ومكافحة المرض وتعطيل الإسراع في عمل الآليات الداخلية للموت، ولكن معرفتنا لآليات عمل الجسم، خاصة المخ، تؤهلنا لتلمس آفاق جديدة من البحث لنثبت يوماً ما بحياد وجود تأثيرات عضوية للإيمان والعبادة،وندرك منها اليوم نقص عدد ضربات القلب وضغط الدم وتغير الهورمونات كماً ونوعاً والميل العصبي لتحقيق حالة من الهدوء نتيجة الخشوع والاستغراق، وقد تؤدي تلك العوامل وغيرها إلى تنشيط جهاز المناعة".

العبادة فطرة

مقارنة بين نشاط المخ قبل وخلال الصلاة.

وجه الإعجاز:

والخلاصة أن الكشوف العلمية تقول: " إما الرفعة ونيل السعادة والمتعة الحقيقية في العبادة، وإما الشقاء والجحيم "، ولو تأمل الباحثون في ذلك المجال الجديد من الدراسات لوجدوا أن ما توصلوا إليه ليس إلا بعض ذخائر القرآن الكريم بصفته الكتاب الجامع للتعاليم الأصلية للرسل الأولين الحاوي الوحيد لشريعة عالمية غير قومية مع الفطرة السوية، ويكفي بيانه أن " الخشوع في العبادة مفتاح السعادة "، وفي قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾  المؤمنون 1 ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾  المؤمنون: 2.

وبذلك ظهر لنا وجه آخر من وجوه الإعجاز العلمي في كتاب الله عز وجل حيث قامت الحقيقة العلمية صارخة بأن الإيمان فطرة وشفاء.


العبادة فطرة

نُشرت عدة دراسات علمية تبين كيف أن الإيمان بالله تعالى فطرة مغروسة داخل  النفس البشرية وأن توظيف آلياتها طريق إلى الصحة والسعادة؛ منها كتاب "الإيمان بالله مغروس بقوة داخل جيناتنا" لديان همر, وكتاب "الإيمان والصحة" لجيف ليفن ولاري دوسي, و"الإيمان صحة وفلاح" لأندرو بريمـان.


Related References:

  1. D. Kapogiannis, A. K. Barbey, M. Su, G. Zamboni, F. Krueger, and J. Grafman, “Cognitive and Neural Foundations of Religious Belief,” Proceedings of the National Academy of Sciences USA 106, no. 12 (2009).

  2. A. Newberg and B. Lee, “The Neuroscientific Study of Religious and Spiritual Phenomena: Or Why God Doesn’t Use Biostatistics,” Zygon 40, (2005): 469-489.

  3. R. R. Griffiths, W. A. Richards, U. McCann, and R. Jesse, “Psilocybin Can Occasion Mystical-Type Experiences Having Substantial and Sustained Personal Meaning and Spiritual Significance,” Psychopharmacology 187, (2006): 268–283.

  4. H. G. Koenig, eds., Handbook of Religion and Mental Health (San Diego: Academic Press, 1998).

  5. Begley, Sharon.. Religion and The Brain. Newsweek International, US Edition, May 7, 2001.

  6. Newberg, Andrew and Eugene d'Aquili.. Why God Won't Go Away. New York: Ballantine Books, 2001.

  7. Laurence O. McKinney, Neurotheology: Virtual Religion in the 21st Century, (1994).

  8. Andrew B. Newberg, The Mystical Mind: Probing the Biology of Religious Experience, (1999), Fortress Press, Minneapolis.

  9. Persinger, M., Religious and Mystical Experiences as Artefacts of Temporal Lobe Function: A General Hypothesis, Perceptual and Motor Skills, Vol. 57.

10.  Thomas B. Roberts, "Chemical Input — Religious Output: Entheogens" Chapter 10 in Where God and Science Meet: Vol. 3.


إرسال تعليق

 
Top