تعد جميع المخلوقات من أصغرها إلى أكبرها آيات دالة على الله وإن بدت تافهة، فقد أودع الله سبحانه فيها من قدرته ما تتحير به العقول.
فالله سبحانه وتعالى يضرب
مثلا بالبعوضة التي قد يعتبرها البعض مخلوقاً تافهاً لكن الله لا يستحي أن
يضرب مثلاً بها في كتابه وذلك ليدلنا على آيات عظمة خلق البعوض، وسنكشف في
هذا المقال بعض أسرار عالم البعوض حتى نكتشف بديع صنع الله تبارك وتعالى في
البعوض.
في عام 1902م حصل “رونالد روس” عالم
الجراثيم على جائزة نوبل للعلوم لأنه درس نوعا من أنواع البعوض وهو
Anopheles واكتشف أنه يقوم بنقل مرض الملاريا الذي كان يفتك بعشرات الألوف
من الناس كل عام.
فعالم الجراثيم يمضي سنوات في المخبر
ويحصل على أعلى جائزة عالمية فقط لدراسته نوعا من أنواع البعوض فهل يستحق
هذا المخلوق الصغير أن يضرب الله سبحانه وتعالى به مثلاً؟.
القوة الضاربة للبعوضة
يسبب الحمى الصفراء فيروس تنقله إلى
الكائنات البشرية بعوضة رقيقة المنظر؛ فالبعوضة هي الحامل والعائل الرئيس
للحمى الصفراء، وإن لم تتضح العلاقة بين البعوضة والحمى حتى سنة 1900.
وعندما تدخل البعوضة الحاملة للحمى
الصفراء إحدى المستوطنات البشرية، فغالباً ما يتفشى المرض بسرعة وبصورة
مميتة، وقد قتل وباء انتشر في إثيوبيا فيما بين 1960و1962 حوالي 30 ألف
شخص.
وأوضحت مارجريت همفريز مؤرخة العلوم كيف
أن المجازر البشرية التي أحدثتها الحمى الصفراء، تكاد تكون هي وحدها التي
عجلت بإنشاء المؤسسة الصحية العامة في الولايات المتحدة.
وفي الوثائق الحكومية المحظورة في الوقت
الراهن، يمكن أن نلمح برنامج الحرب البيولوجية الأمريكية فيما بين
1945و1960، فقد كانت الحمى الصفراء إلى جانب البعوضة الحضرية الحاملة للمرض
أملاً عسكرياً كبيراً.
يقول أحد علماء الحشرات “أندرو سبليمان”[1] في كتاب Mosquito: لا يوجد هناك كائن حي على وجه الأرض كالبعوضة مسَّ حياة مثل هذا العدد الكبير من البشر .
مغامرات غير اعتيادية
- اكتشف العلماء أنه لا بد لبعوضة CULEXPIPIENS أن ترفرف بأجنحتها حوالي 500 مرة في الثانية الواحدة كي تطير بسرعة متواضعة مقدراها ثلاثة أميال في الساعة.
- المعروف عن البعوض أنها حشرة مصاصة للدماء، وأنها تعيش على الدم. ولكن هذه المعلومة ليست صحيحة، لأن البعوض كله ليس ماصا للدماء، فقط الأنثى منها التي تمص الدم. وربما في ذكر الله سبحانه للبعوض بصيغتها المؤنثة نوع من الإعجاز، ذلك أن البعوضة المؤنثة أشد قوة وأكثر تعقيداً كما أنها هي التي تنشر الأمراض وتنتشر في المنازل، فذكور البعوض لا تظهر إلا في موسم التزاوج.
فالأنثى لا تمتص الدم لكي تتغذى عليه لأن
غذاء البعوض عامة هو خلاصة الزهور ولكن فقط لتغذية الصغار، وسبب الاختلاف
بين الذكر والأنثى ( التي تمتص الدم) هو أن أنثى البعوض تحمل بيوض وهذه
البيوض تحتاج إلى البروتين لتكبر، ونستطيع أن نقول بمعنى آخر أنها تحافظ
على دوام نسلها بهذه الطريقة أي بامتصاص الدم لإطعامهم.
– من الواضح أن هذه المخلوقات تقوم بأغلب أعمالها بمنتهى الدقة والحساسية في آن واحد وهذا يضمن لها دوام عيشها.
– لدى البعوضة قابلية الحس بالكائنات
الحية بواسطة حرارتهم، فالبعوضة تستطيع أن تلتقط حرارة الأجسام بشكل ألوان،
ولكن هذا الحس للحرارة لا يعتمد على أشعة الشمس أي على الضوء، فإن مقدار
الحس البصري لديها يعادل 1/1000 درجة بالنسبة للحس الحراري.
– وتملك البعوض حوالي 100 عين وهذه
العيون موجودة في الرأس على شكل يشبه قرص العسل تقوم عين البعوض باستلام
هذه الإشارات وتنقلها إلى الدماغ.
- تستعمل البعوضة تقنية تجلب الحيرة للعقول فالنظام المعقد المستعمل كالتالي: عندما تحط البعوضة على الهدف تقوم أولاً بشم الدم ومعرفة هل هو مناسب لها، فإن لم تجده مناسباً تركته وذهبت تبحث عن غذاء آخر. ومن ثم تقوم بالبحث عن مكان مناسب ودقيق فيه كمية دم غزيرة كالأوردة الشعرية ثم تقوم بتحديد مكان معين بواسطة الشفاه الموجودة في الخرطوم، ثم تقوم ببخ المكان الذي سوف تقوم بشقه بمادة مخدرة أشبه ما تكون بالمخدر الموضعي. والإناث فقط هي التي تتغذى على الدم أما الذكور فتتغذى على الرحيق وعصارات النباتات.
- وكما هو معروف عن جسم الإنسان عندما يخرج الدم من مكان وخلال مدة قصيرة وبمساعدة الأنزيمات الموجودة في الجسم يتم تخثر الدم في تلك المنطقة.
إذن هذا الإنزيم يسبب مشكلة كبيرة للبعوضة
لأن الثقب الذي أحدثته البعوضة في مدة قليلة سينغلق وهذا يعني أنها لا
تستطيع أن تمتص الدم، ولكن مثل هذه المشكلة لا تواجه البعوضة لأنها تقوم
بصنع مادة في جسمها وتفرزها في جسم الإنسان في تلك المنطقة وتمنع من تخثر
الدم هناك، كذلك تقوم هذه المادة بإحداث تهيج في الجلد مما يسبب توارد الدم
إليه، وبذلك تكمل عملية امتصاصها للدم. والبعوضة عندما تلدغ الإنسان من
مكان معين هذا المكان ينتفخ ويحس الإنسان بحكة، وسبب ذلك هو الإنزيم الذي
قامت البعوضة بإفرازه لمنع التخثر.
بدون شك إن هذه الأعمال كلها تضعنا أما أسئلة كثيرة منها:
1- كيف تعرف البعوضة بوجود هذا الإنزيم الذي يُخثر الدم؟
2- كيف تبطل البعوضة مفعول إنزيم التخثر بصنع هذا الإنزيم الخاص؟ وكيف لها أن تعرف هذه المادة الكيميائية وكيف يحدث كل هذا؟
3- كيف حصلت على هذه المعلومات؟ وكيف تستطيع الحشرة أن تصنع مثل هذا الإنزيم داخل جسمها ثم تقوم بنقله بواسطة تقنيتها إلى جسم الإنسان؟
جواب كل هذه الأسئلة بسيط: إن البعوضة لا
تستطيع أن تفعل أي شي ء بذاتها لأنها لا تملك عقلاً مدركاً ولا معلومات حول
الكيمياء ولا مختبر لتصنيع هذه الإنزيمات، فالحشرة التي نتكلم عنها لا
يزيد طولها عن بضع مليمترات وبدون عقل وبدون علم. فالذي خلق الإنسان وخلق
هذه البعوضة، الحشرة غير العادرية الخارقة وجعلها صاحبة هذا النظام الخارق
الذي يصيب الإنسان بالذهول، هو الذي خلق الإنسان والقادر على بعثه يوم
القيامة.
قال الله تعالى: “إِنَّ
اللَّـهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا
فَوْقَهَا.ٍفَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن
رَّبِّهِمْ. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ
اللَّـهُ بِهَـٰذَا مَثَلًا. يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ
كَثِيرًا. وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ” (البقرة:2).
فسبحان الذي أودع كل هذه الاجهزة المعقدة في هذا المخلوق الصغير. وصدق الزمخشري حين قال:
يا من يرى مد البعوض جناحه في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى مناط عروقه في نحره والمخ من تلك العروق النحل
ويرى خرير الدم في أوصاله متنقلاً من مفصل في مفصل
ويرى ويسمع حس ما هو دونها في قاع بحر مظلم متهول
الهامش:
[1] – باحث في جامعة هارفارد، متخصص في دراسة الأمراض التي ينقلها البعوض وأستاذ الصحة العامة بالمناطق الحارة.
______________________________
المصدر: كتاب آيات الإعجاز العلمي من وحي الكتاب والسنة، عبد الرحمن سعد صبي الدين، دار المعرفة، بيروت، ط1، 2008، ص: 152 بتصرف.
إرسال تعليق