1

الرد على افتراءات المرجفين حول أخلاق الحرب في سيرة سيد المرسلين

افتراء: الإسلام يدعو للإرهاب والقتل


يَزعم المفترون أن الإسلام يدعو إلى الإرهاب والقتل وسفك الدماء، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60].الرد على هذا الافتراء..يجب أن نحدد أولاً المقصود من معنى الإرهاب كمُصطلح؛ حتى يُمكننا أن نحدد موقف الإسلام منه.
أما من حيث اللغة: فالإرهاب مصدر أرهب يُرهب إرهابًا، من باب أكرم، ومعناه: أفزع وخوَّف، وفعله المجرد: (رَهِب)[1].
والإرهاب والخوف والخشية والرعب والوجل: كلمات متقاربة تدل على الخوف، إلا أن بعضها أبلغ من بعض في الخوف.
أما الإرهاب في الاصطلاح، فيطلق على قسمين:القسم الأول: مذموم ويَحرم فعله وممارسته، وهو من كبائر الذنوب ويَستحق مُرتكبه العقوبة والذمَّ، وهو يكون على مستوى الدول والجماعات والأفراد، وحقيقته الاعتداء على الآمنين والأبرياء بالسطو من قِبَل دول مجرمة أو عصابات أو أفراد بسلب الأموال والممتلكات، والاعتداء على الحرمات، وإخافة الطرُق، وترويع الآمنين واستباحة حرمتهم بغير حق.
ولا شك أن الإسلام يُحرِّم هذا الفعل ولا يقبله بأي حال، بل إنه يرتب عليه أشد العقوبات، فعلى سبيل المثال فإن إخافة الطريق جريمة عُظمى يعاقب صاحبها بإقامة حد الحرابة عليه؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33].
قال الطبري: "وهذا بيان من الله - عزَّ ذِكره - عن حكم الفساد في الأرض، فقال - تبارك وتعالى -: لا جزاء في الدنيا إلا القتل والصلب وقطع اليد والرِّجل من خلاف، أو النفي من الأرض خزيًا لهم، وأما في الآخرة إن لم يَتُب في الدنيا، فعذاب عظيم"[2].
والإسلام يُحرِّم الاعتداء على الآمنين الذين لا يَشتركون في القتال عادةً؛ كالنساء والأطفال والشيوخ والرهبان والفلاحين ونحوهم، كما مرَّ معنا في السابق.
كما أن الإسلام يحرم القتل بغير حق، وينهى عن سفك الدماء، ويجعله من أكبر الكبائر؛ قال الله - عز وجل -: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ [المائدة: 32].
وحرم قتل المعاهدين ورتَّب عليه عقوبة عظيمة؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا))[3].
القسم الثاني: إرهاب مشروع شرَعه الله لنا وأمرنا به، وهو إعداد القوة، والتأهب لمقاومة أعداء الله ورسوله، وهو المقصود في قوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60].
فهذه الآيات تَأمر بإعداد القوة اللازمة لمُواجهة الأعداء، وردعهم عن الاعتداء على المسلمين.
والرباط صيغة مفاعلة أُتي بها هنا للمبالغة؛ لتدل على قصد الكثرة من ربط الخيل للغزو؛ أي: احتباسها وربطها انتظارًا للغزو عليها.
فالقوة في الآية لصد العدوان لا للعدوان، والإرهاب في الآية المقصود منه إرهاب الكفار وإخافتهم وردعهم عن الطمع في غزو بلاد المسلمين واستباحة محرماتهم.
ومما يؤيد هذا المعنى أن الآية التي تلي هذه الآية هي قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنفال: 61].
وليت شعري أيهم أولى بوصف الإرهاب:الذين شهدت سيرتهم بأنهم يَعْفُون عن أعدائهم حين يتملكون منهم (كما في فتح مكة)، ويمتنعون عن قتل المستضعفين من الولدان والنساء والشيوخ والرهبان والأُجَراء، ويلتزمون بعدم قتال من لا يقاتل، والذين عصموا دماء المعاهدين والأبرياء، وأحسنوا معاملة أَسراهم، منفِّذين أوامر ربهم، ومتَّبعين تعاليم شرعهم.
أم الذين اخترعوا القنابل الذرية وأسلحة الدمار الشامل، فقتلوا الملايين من الأبرياء، ولم تفرِّق أسلحتهم بين طفل رضيع، وامرأة ضعيفة، وشيخ واهن، فهدموا البيوت على رؤوس أصحابها، وأظهروا الفساد في البر والبحر لسنوات عديدة؟
فهل كان أصحاب مذابح الحملات الصليبية مسلمين؟
وهل كان أصحاب محاكم التفتيش من المسلمين؟
وهل كان النازيون العنصريون الذين استباحوا قتل الشعوب وإبادتهم من المسلمين؟
إن كل عاقل مُنصِف لَيشهدُ أن الإسلام قدم أمثلة من العدالة والصفح وعدم الاعتداء لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، والنصوص الشرعية والسيرة النبوية والوقائع التاريخية والمَشاهِد الواقعية كلها شاهدة على ذلك، ولكنها مزاعم ساقها الحقد، وحادها البغي والإفك، وإنها لا تعمى الأبصار وإنما تعمى القلوب التي في الصدور.
وإن حدث من بعض المسلمين مخالفات لهذا الهدي وخروج عن هذا المنهج لفهم مغلوط لبعض النصوص أو تأوُّل أو جهل، أو لشهوة وهوى، فهل من العدل أن يحكم على الدين وأهله بهذه الممارسات؟
وهل أفعال المنحرفين من أي جماعة أو ديانة تكون حجة على جميع المنتسبين إليه؟إن الحجة القاطعة الملزمة لهذه الأمَّة هي كتاب الله وسنة وسيرة رسوله المعصوم صلى الله عليه وسلم، فمن خالفهما ففعله ينسب لشخصه، وإثمه يكون على نفسه.
وإن كنا نؤكد أن هؤلاء المنحرفين مع كون أفعالهم ليست بحجة، فهم كذلك شذوذ نادر لا يُشكِّلون ظاهرة في تاريخ المسلمين، وأنه عند دراسة التاريخ سيَثبُت لكل منصف أن هذه الأمة هي الأحق دومًا باعتلاء قمة الأخلاق في الحروب، وأنها الأبعد عن وصف الإرهاب الذميم الذي يحاول الأعداء إلصاقه بها على طريقة: رمتني بدائها وانسلت.


الرد على فريةالإسلام يجيز قتل النساء والأطفال في الحرب
مجمل الفرية:يزعم بعض أعداء الدين أن الإسلام يجيز قتل النساء والأطفال في الحرب، ويستدلون على ذلك بحديث في الصحيحين فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الذراريِّ من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريِّهم فقال: ((هم منهم)).
واستدلوا كذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل امرأة تُدعى أم قِرْفَةَ، فرُبطَت رجلاها إلى بعيرين حتى شُقَّت، وهي قصة رواها كبار المؤرخين وأصحاب السِّيَر؛ مما يدلُّ على صحتها.
وزعموا أن هذا يقدح فيما يدَّعيه المسلمون من عدم جواز قتل النساء والأطفال في الحرب، وأنه يتنافى مع الأسس الأخلاقية ودعوى الرحمة بالخلق.
الرد على الفرية:تقرَّر معنا سالفًا أن الإسلام لا يجيز قتل من لا يقاتِل، ويحرِّم التعرض للنساء والأطفال بالقتال طالما التزموا بعدم المشاركة في الحرب ضد المسلمين والإعانة عليهم، وذكرنا الأدلة الناصعة على ذلك، ومنها:ما جاء في الصحيحين عن نافع أن عبدالله رضي الله عنه أخبره أن امرأة وُجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان[1].
وفي لفظ: "فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان"[2].
ومثله ما أخرجه أحمد وأبو داود بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فوقفوا ينظرون إليها ويتعجبون من خَلقِها، حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فانفرجوا عنها، فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما كانت هذه لتُقاتِل))، فقال لأحدهم: ((الْحَقْ خالدًا فقل له: لا تقتلوا ذرية ولا عسيفًا))[3].
ومنها أيضًا ما رواه مسلم وأبو داود عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، وقاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا))[4].
وفي رواية عند البيهقي وغيره: ((ولا تقتلوا وليدًا طفلاً، ولا امرأة، ولا شيخًا كبيرًا...))[5].
وفي شرح معاني الآثار للطحاوي بسند صحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال: ((لا تقتلوا الولدان)) وفي رواية: ((لا تقتلوا شيخًا كبيرًا)) وفي رواية: ((لا تقتلوا وليدًا ولا امرأة))[6].
فهذه هي القاعدة والأصل والأساس في التعامل مع نساء المحاربين وذراريهم في القتال، والذي تقرر بالأدلة الصحيحة الصريحة، وما خرج عن ذلك فهو استثناء عن الأصل.
أما فيما يتعلق بالحديث الذي في الصحيحين، فنصه كما يلي: عن عبيدالله عن ابن عباس عن الصعب بن جَثَّامة رضي الله عنهم قال: مرَّ بي النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء أو بودان، وسأل عن أهل الدار يُبَيَّتون من المشركين فيصاب من نسائهم وذراريهم، قال: ((هم منهم))[7].
والحديث أخرجه البخاري في صحيحه في باب: أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري.
وهو في مسلم في باب: جواز قتل النساء والصبيان في البَيات من غير تعمُّد.
فالحديث لا يُجيز تعمُّد قتل النساء والأطفال؛ وإنما كان السؤال عن (أهل الديار يبيتون)؛ أي: عن الإغارة على العدو ليلاً بحيث لا يتميز الرجال عن النساء والأطفال، ولا يتميز المقاتلون عن غيرهم، وفي هذه الحالة قد يقع قتل بطريق الخطأ لبعض النساء والأطفال، فهذه هي الحالة التي أجاز فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم التعرض للنساء والأطفال تبعًا لا قصدًا.
قال ابن حجر في شرح الحديث: ((هم منهم))؛ "أي: في الحكم تلك الحالة، وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم؛ بل المراد إذا لم يُمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم، جاز قتلهم"[8].
وقال النووي: "والمراد إذا لم يتعمدوا من غير ضرورة، وأما الحديث السابق في النهْي عن قتل النساء والصبيان، فالمراد به إذا تميزوا"[9].
وبهذا يتضح وجه هذه المسألة، ويظهر أن ما يَزعمه المُرجِفون ما هو إلا محض افتراء وتزييف للحقائق.
أما قصة أم قِرْفَةَ، فقد رواها أصحاب السير بروايات مختلفة مضطربة ضعيفة، بيانها فيما يلي:روى البيهقي في السنن الكبرى عن سعيد بن عبدالعزيز التنوخي أن امرأة يقال لها: أم قرفة كفرت بعد إسلامها، فاستَتابها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فلم تَتُب فقتلها[10].
وسند هذه الرواية: ضعيف، ورويت عند البيهقي أيضًا بسند ضعيف منقطع[11]، والوجهان منقطعان؛ لأن سعيد بن عبدالعزيز التنوخي لم يلقَ أبا بكر الصديق رضي الله عنه.
وروى الذهبي في ميزان الاعتدال عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن امرأة من بني فزارة يقال لها: أم قرفة جهزت ثلاثين راكبًا من ولدها وولد ولدها، فقالت: اقدموا المدينة فاقتلوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فقال: ((اللهمَّ أَثكِلها ولدَها))، وبعث إليهم زيد بن حارثة، فقتل بني فزارة، وقتل ولد أم قرفة، وبعث بدرعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصبه بين رمحين، وأقبل زيد، قالت عائشة: ورسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة في بيتي، فقرع الباب فخرج إليه يجرُّ ثوبًا عريانًا، والذي بعثه بالحق ما رأيتُ عريته قبل ذلك ولا بعدها حتى اعتنقه وقبَّله[12].
وسند هذا الحديث منكر.
وروى الدارقطني أن أبا بكر رضي الله عنه قتل أم قرفة الفزارية في ردَّتها قتلة مُثْلة؛ شدَّ رجلَيها بفرسين ثم صاح بهما فشقَّاها[13].
قال الزيلعي في نصب الراية: "لكن قيل: إن سعيدًا هذا لم يُدرك أبا بكر؛ فيكون منقطعا"[14].
وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى القصة فقال: "خرج زيد بن حارثة في تجارة إلى الشام ومعه بضائع لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان دون وادي القرى لقيه ناس من فزارة من بني بدر، فضربوه وضربوا أصحابه وأخذوا ما كان معهم، ثم اسْتَبَلَّ زيد وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فكمنوا النهار وساروا الليل، ونذرت بهم بنو بدر، ثم صبَّحهم زيد وأصحابه، فكبَّروا وأحاطوا بالحاضر، وأخذوا أم قرفة، وهي: فاطمة بنت ربيعة بن بدر، وابنتها جارية بنت مالك بن حذيفة بن بدر، فكان الذي أخذ الجارية سلمة بن الأكوع، فوهبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فوهبها رسول الله بعد ذلك لحزن بن أبي وهب، وعمد قيس بن المحسر إلى أم قرفة وهي عجوز كبيرة فقتلها قتلاً عنيفًا؛ ربط بين رجليها حبلاً، ثم ربطها بين بعيرين، ثم زجرهما فذهبا فقطعاها.
وقُتل النعمان وعبيدالله ابنا مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر، وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك، فقرع باب النبي صلى الله عليه وسلم، فقام إليه عريانًا يجر ثوبه حتى اعتنقه وقبَّله، وساءله فأخبره بما ظفَّره الله به"[15]، وهذه رواية غير مسندة.
وروى الطبري القصة في تاريخه من طريق الواقدي، والواقدي ضعيف عند أهل الحديث العارفين بأحوال الرجال، وسيأتي بيان ذلك تفصيلاً.
كما أوردها ابن كثير في البداية والنهاية مختصرة ولم يعلِّق عليها بشيء، وذكرها ابن هشام في السيرة، وكلاهما عن محمد بن إسحاق الذي لم يذكر سند الرواية.
وجاء في ضعفاء العقيلي: "يحيى بن محمد بن عباد بن هانئ الشجري عن محمد بن إسحاق: في حديثه مناكير وأغاليط، وكان ضريرًا فيما بلغني أنه يلقن، حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد بن هانئ الشَّجَري، حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبدالله بن كعب بن مالك عن أبيه كعب بن مالك قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم... فذكر حديثًا، وروى بهذا الإسناد عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن امرأة من بني فزارة يقال لها: "أم قرفة" جهَّزت ثلاثين راكبًا من ولدها وولد ولدها، فقالت: اقدموا المدينة فاقتلوا محمدًا، فقال: ((اللهمَّ أَثكلها ولدها))، وبعث إليهم زيد بن حارثة، فقتل بني فزارة، وقتل ولد أم قرفة، وبعث بدرعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصَبه بين رمحين، قالت عائشة: فأقبل زيد حتى قدم المدينة، قالت عائشة: ورسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة في بيتي، فقرع الباب، فخرج إليه يجر ثوبه عريانًا، والذي بعثه بالحق ما رأيت عريته قبل ذلك ولا بعدها حتى اعتنقه وقبَّله، أما الأول فقد روي من غير هذا الطريق، وأما الثاني فلا يعرف إلا به"[16].
ومن خلال العرض السابق يتضح ما يلي:أن روايات القصة مضطربة ومتناقضة؛ ففي تاريخ الطبري روايتان: الأولى جعلت الغزوة بقيادة زيد بن حارثة رضي الله عنه، وكانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
في حين جاء في الرواية الأخرى أن السرية التي غزت بني فزارة كانت بقيادة أبي بكر بن أبي قحافة، مخالفًا بذلك الرواية المذكورة آنفًا.
وجاء في المصادر الأخرى كالبيهقي والدارقطني وسيرة ابن هشام والبداية والنهاية أن مقتل أم قرفة إنما كان في عهد خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأنها ارتدت عن الإسلام فاستتابها فلم تَتُب فقتلها، وروايات أخرى تقول: إنه قتلها في الردة، بالإضافة إلى الروايات التي جعلت الغزوة بقيادة زيد بن حارثة بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم، على اختلاف في تفاصيل هذه الروايات.
وهكذا تجد أن الروايات التاريخية مُتضاربة لهذه القصة حول حقيقة أم قرفة، حتى ذهب بعض المحدِّثين إلى أن أم قرفة ليست شخصية واحدة[17].
وكل روايات هذه القصة مرسلة أو منقطعة أو ضعيفة أو رويت بغير إسناد مطلقًا، وكل ذلك لا يحتج به ولا يوثق فيه.
قال الحافظ ابن رجب: "أسانيد هذه القصة منقطعة"[18].
وجاء في سنن البيهقي تعليقًا على هذه القصة: "قال الشافعي: فما كان لنا أن نحتج به إذ كان ضعيفًا عند أهل العلم بالحديث، قال الشيخ: ضعَّفه في انقطاعه، وقد رويناه من وجهين مرسلين"[19].
وجاءت الرواية في طبقات ابن سعد، وعنه ابن الجوزي في كتابه: المنتظم، وفي تاريخ الطبري، ومدارها على محمد بن عمر الواقدي، وهو شخص متَّهم بالكذب لدى علماء الحديث.
فالواقدي هو محمد بن عمر بن واقد الواقدي الأسلمي أبو عبدالله المدني قاضي بَغداد، مولى عبدالله بن بريدة الأسلمي.
قال البخاري: الواقدي مديني سكَن بغداد، متروك الحديث؛ تركه أحمد وابن نمير وابن المبارك وإسماعيل بن زكريا[20].
وقال أحمد: هو كذاب، وقال يحيى: ضعيف، وفي موضع آخر: ليس بشيء، وقال أبو داود: أخبرني من سمع من علي بن المديني يقول: روى الواقدي ثلاثين ألف حديث غريب، وقال أبو بكر بن خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: لا يُكتَب حديث الواقدي؛ ليس بشيء، وقال عبدالرحمن بن أبي حاتم: سألت عنه علي بن المديني فقال: متروك الحديث، قال إسحاق بن راهويه: كما وصف وأشدُّ؛ لأنه عندي ممَّن يضع الحديث.
وقال علي بن المديني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الواقدي يُركِّب الأسانيد.
وقال الإمام مسلم: متروك الحديث.
وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال الحاكم: ذاهب الحديث.
وقال الذهبي: مُجمَع على ضَعفه.
قال النسائي: المعروفون بالكذب على رسول الله أربعة: الواقدي بالمدينة، ومقاتل بخراسان، ومحمد بن سعيد بالشام...[21].
وقال النووي في المجموع: "الواقدي - رحمه الله - ضعيف عند أهل الحديث وغيرهم، لا يحتجُّ برواياته المتصلة، فكيف بما يرسله أو يقوله عن نفسه؟"[22]، ونحو ذلك قاله الحافظ في الفتح.
وهناك علة أخرى في سند الحديث؛ وهي: روايته عن عبدالله بن جعفر الزهري، قال إسحاق بن منصور: قال أحمد بن حنبل: كان الواقدي يَقلب الأحاديث، يلقي حديث ابن أخي الزهري على معمر هذا.
والحاصل أن هذه الرواية وإن أخرَجَها كثير من أصحاب السيَر، إلا أنها لم تصحَّ ولم تَثبُت؛ ولذلك فلا يجوز قبولها أو الاحتجاج أو الاعتماد عليها.
وما يظنه البعض من أن إخراج هؤلاء الأكابر لها في كتبهم يلزم منه صحتها - يعد خطأ فاحشًا يصدر عن جهل بقواعد المحدثين ومناهج العلماء في التصنيف؛ فإن إيرادهم للقصة لا يعني صحتها، ولا يلزم منه بالضرورة قبولهم لها، لا سيما وأن أحدًا منهم لم يلتزم بإيراد الصحيح فقط في كتابه، بل كل الكتب التي ذكرت القصة فيها الصحيح والضعيف، بل إن بعضهم أوردها غير مسندة، وبعضهم نص على ضعفها.
وكما لم تسلم الرواية من جهة الثبوت، فإنها لا تسلم من جهة الدلالة، فهذه المرأة أم قرفة لم تكن امرأة مسالمة معصومة الدم؛ فهي محاربة مسعرة حرب في رواية، أو مرتدَّة مصرَّة على الكفر في رواية، وهذه تستحق القتل في كلتا الروايتين.
وأما الطريقة التي قتلت بها - إن قلنا بصحة الرواية - فلعلَّ ذلك وقع لسبب زائد يقتضي ذلك كأن يكون قِصاصًا أو تعزيرًا؛ لأن الأصل الإحسان في القتل حتى عند ذبح الحيوانات، كما ثبت في الروايات الصحيحة من جهة الثبوت، الصريحة من جهة الدلالة، ومنها:ما روي عن شداد بن أوس أنه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدَّ أحدُكم شَفرته، فليُرِح ذبيحته))[23].
وبذلك يثبت ضعف هذه الفرية وتهافتها، وعدم استنادها على دليل يقبل من جهة الثبوت أو الدلالة، كما يتضح منهج المرجفين الانتقائي غير المنصف في سوق الاستدلالات وحشدها بطريقة تفتقد لأقل درجات الأمانة والحياد، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف موقف هؤلاء المرجفين من جهة، ومتانة الدين الإسلامي وشموخه من جهة أخرى.


فرية: الغرض من الجهاد هو تحقيق المكاسب المادية

مجمل الفرية:يزعم أعداء الإسلام أن الحروب الإسلامية قامت لتحصيل المكاسب المادية، وحصْد الغنائم، وأخذ الجزية والخراج فقط، ولم تكن من أجل هداية الناس وإنقاذهم من الشرك والكفر.الرد على الفرية:ذكرنا في كلام سابق أن القاعدة الأخلاقية العظمى للحرب في الإسلام هي أنه مرتبط بكونه في سبيل الله، مما يضبطه في مصدره ومورده، ويُنقِّي مقاصده ووسائله.

فالجهاد في الإسلام عبادة، وأساس العبادة الإخلاص، ومن يقاتل للمغنم فقط فإنه يعرِّض عبادته للبطلان؛ فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يُقاتِل للمغنم، والرجل يقاتل للذِّكْر، والرجل يُقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟

قال: ((مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله))[1].

والجهاد في الإسلام لا يقتصر على الجهاد بالنفس، بل من أعظم الجهاد أن يُجاهد المرء بماله في سبيل الله، ومن المسلَّم أن الذي ينفق ماله ويضحي به في جهاد لا يكون بذلك راغبًا في دُنيا ورِبح مادي محْضٍ؛ ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [التوبة: 20].

وقد عاب الله - عز وجل - على الرجال الذين عصوا أوامر النبي صلى الله عليه وسلم من الرماة في غزوة أُحُد، وأوضح أن أحد أهم أسباب الهزيمة في أحُد أن من بين الجيش من يريد الدنيا؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152].

﴿ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا ﴾ أي: الذين أرادوا النهب رغبة في الدنيا وترك ما أمروا به من الطاعة التي عليها ثواب الآخرة.

﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ﴾ أي: الذين جاهدوا في الله ولم يُخالفوا إلى ما نُهوا عنه لعرَض من الدنيا رغبةً فيها؛ رجاء ما عند الله من حسن ثوابه في الآخرة[2].

قال ابن مسعود: ما علمنا أن أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرَضها حتى كان يومئذٍ[3].

فالغاية المستقرة في حس الجميع، الراسخة في أذهانهم، المنبعثة من قلوبهم، المستمدَّة مِن الوحي الكريم: هي أن الجهاد عبادةٌ الأصلُ فيها التقرب إلى الله وطلب الثواب الأُخروي.

والممارسات التطبيقية أيضًا شاهدة بذلك؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَبذل للناس أموالاً طائلة ليؤلِّف قلوبهم ويُرغِّبهم في الإسلام؛ فعن أنس أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنَمًا بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال: أي قوم، أَسلِموا؛ فوالله إن محمدًا ليعطي عطاءً ما يخاف الفقر، فقال أنس: إن كان الرجل ليسلمُ ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها[4].

وهذا مصرف من مصارف الزكاة والصدقات، وهو مصرف المؤلفة قلوبهم، الذين تنفق الأموال لتقريبهم من الحق حتى يذوقوه فيعلموا حقيقته فيستقر في قلوبهم.

فهل هذا سلوك من يطلب المغنم المادي والربح الدنيوي، ويقدمه على الغاية العظمى للجهاد؟!وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: ((لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه))، فقاموا يرجُون لذلك أيهم يعطى، فغدوا وكلهم يرجو أن يعطى، فقال: ((أين علي؟))، فقيل: يشتكي عينيه، فأمر فدُعي له فبصَق في عينيه، فبرأ مكانه حتى كأنه لم يكن به شيء.

فقال: نُقاتلهم حتى يكونوا مثلنا.

فقال صلى الله عليه وسلم: ((على رسلك حتى تَنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبِرْهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يُهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم))[5].

فانظر بأي شيء يَنصح النبي صلى الله عليه وسلم أحد قادته قبيل المعركة، وانظر كيف جعل هداية رجل واحد أفضل من حمر النعم، وهي أحب الأموال إلى قلوبهم يومئذٍ.

فهل بعد هذا يقال: إن الجهاد وسيلة لتحصيل المكسب والربح الدنيوي؟إن التاريخ لم يسجل قط أن المسلمين قد استباحوا بيوت أعدائهم، أو قاموا بعمليات نهب وسلب منظمة، أو قصدوا الأماكن المليئة بالأموال الغنية بالثروات.

أما الجزية والخراج، فليس الهدف المباشر من فرضها هو تحقيق الربح المادي؛ وإنما إعلان الإذعان الكامل لسلطان الدولة الإسلامية، والانضِواء تحت حكمها.

ثم إن الجزية هي اختيار من يدفعها؛ فقد كان مخيرًا بين الإسلام الذي يعصم دمه وماله وبين الجزية، وإسلامه أحب إلينا من جزيته، ولكنه أصر على الكفر وفضَّل دفع الجزية على الإسلام لله عز وجل.

والجزية لا تُفرض إلا على القادر على الكسب من أهل القتال، فلا تُفرض على عبد ولا راهب متعبِّد في صومعته، ولا على شيخ هرم، ولا مريض زَمِن أو أعمى، ولا امرأة، ولا صبي لم يبلغ، فلا بدَّ أن يكون بالغًا عاقلاً قادرًا على الاكتساب.

والجزية تقدَّر قيمتها بحسب القدرة المالية لمن تفرض عليه، بحيث تتلاءم مع مقدار كسبه وقدرته بدون أن تُشكِّل إرهاقًا عليه، فإن عجز عن السداد لعجز أصابه أو عاهة أو فقر، تسقط عنه الجزية.

والجزية التي يَدفعها الذميُّ تكون أيضًا في مقابل الخدمات المتعدِّدة التي تقدمها الدولة الإسلامية لأهل الذمة؛ كالأمن، وبناء الجسور، ورصف الطرق وشقِّها وتمهيدها، ونحو ذلك[6].

وعندما يدفع الذمي الجزية فإنه يكون آمنًا على نفسه وماله وأبنائه، ويحرم الاعتداء عليه أو التعرُّض له بسوء.

وأما الخراج، فيُدفع في مقابل احتفاظ صاحب الأرض بأرضه، رغم أن كل الأعراف كانت تَحكم بحق الدولة المنتصرة بالاستيلاء على أرض الدولة المغلوبة، إلا أن المسلمين استحدثوا هذا النظام الذي طار به فرحًا أصحاب الأراضي الذين سيَنعمون بأرضهم وثمارهم مقابل جزء يسير يدفعونه للدولة المنتصرة.

فهل هذا منهج من أراد تحصيل المال؟إن كان الإسلام حقًّا كما يزعم الكاذبون يريد تحصيل المال، ألم يكن من الأَولى ألا يقبَل من المحاربين إسلامهم، وأن يستبيح أموالهم، وأن يستولي على كل أراضيهم وديارهم وما يملكون؟!

إن هذه الفرية قد بُنيت على شفا جرف هار، فانهارت في هوة الضلال السحيقة، وإن خيوط أكاذيبها المختلقة لأشد وهنًا من بيت العنكبوت؛ ولذلك فقد كانت لحظة سقوطها هي لحظة ميلادها؛ كعادة الكذب لا حياة له إلا في آذان السمّاعين له، الذين احترفوا سماع الضلالات، وتغذت أفئدتهم على كلأ الإفك الذميم، أما في مقام الحجة والبينة، فما أسرع سقوطه وانهزامه!

والحمد لله رب العالمين

إرسال تعليق

  1. الى من فنرون على الله الكذب ها هى الحجة البالغة فى الرد على ضلالاتهم وافكهم والحمد لله رب العالمين فما اسرع سقوط وانهزام اعداء الاسلام

    ردحذف

 
Top