الإسلام عقيدة ونظام
الإسلام: هو الاستسلامُ والانقياد والخضوع والإذعان التام لله تعالى[1].
وأصبح الإسلام علَمًا على الدين الذي
أنزله الله تعالى للبشرية، من لدُنْ آدم إلى محمد عليهم أفضل السلام
والتسليم؛ إذ يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 131]، وقال عن نوح عليه السلام: ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 7]، وقال يوسف عليه السلام: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]، وقالت ملكة سبأ: ﴿ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 44]، وقال سَحَرة فرعون لما أسلموا: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾ [الأعراف: 126]، وقال الحواريُّون للمسيح عليه السلام: ﴿ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
﴾ [آل عمران: 52]، فدل على أن الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء وأتباعهم
منذ أقدم العصور التاريخية إلى عصر النبوة المحمدية، وعقيدة الأنبياء
واحدة؛ يقول الحق جل وعلا: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وأما الشريعة فقد جعل الله لكل نبي شريعة تتناسب مع زمانه ومكانه؛ يقول الله تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا
﴾ [المائدة: 48]، فقد يكون الشحم في أمة محرمًا، وفي أمة أخرى حلالاً، إلا
أن العبادات موجودة في كل أمة؛ كالصلاة والزكاة؛ قال تعالى عن نبيه
إسماعيل عليه السلام: ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 55]، والصوم؛ كقول الله: ﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 183]، والحج في زمن إبراهيم، قال عز وجل: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ
﴾ [الحج: 27]، وبمبعث محمد عليه الصلاة والسلام، فقد اختصَّه الله بشريعة
كاملة صالحة لكل زمان ومكان، وأمر جميع الناس أن يتبعوا تلك الشريعة،
ويتركوا ما كانوا يتبعونه من شرائع الرسل السابقين، وحكم على من ابتغى غير
الإسلام من الأديان بالخسارة، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، فأصبح الإسلام عقيدة وشريعة.
العقيدة الإسلامية:
هي الأمور التي يجب أن يصدق بها قلبك،
وتطمئن إليها نفسك، وتكون يقينًا عندك، لا يمازجه ريب ولا يخالطه شك، جمعها
النبي في إجابته على سؤال جبرائيل عليه السلام عندما قال له: ما الإيمان؟
فقال: ((الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن
بالقدر خيره وشره))[2].
والعقيدة:
هي الجانب الأعظم الذي أَوْلاه الإسلام عنايته الكبرى أولاً في مكة
المكرمة، وهي مرحلة الإعداد والتربية والتكوين مدة ثلاث عشرة سنة.
والشريعة الإسلامية:
هي النُّظم التي شرعها الله، ليأخذ الإنسان بها نفسه في عَلاقته بربه،
وعَلاقته بأخيه المسلم، وعلاقته بالإنسان، وعلاقته بالكون والحياة.
هو النظام الذي ينبثق عن تلك الأصول الاعتقادية ويقوم عليها، ويجعل لهذه الأصول صورة واقعية متمثلة في حياة البشر الواقعية.
فالنظام والشريعة معالجات لشؤون الحياة؛
أي: كيفية عمل المكلف، في الأمور الدينية في النظام الاجتماعي، والنظام
الاقتصادي، ونظام الحكم، ونظام العقوبات، ونظام الأخلاق.
والشريعة والنظام هي الجانب الذي أَوْلَاه
الإسلام العناية عندما بدأت الأحكام تتنزل على الأمة في المدينة، بعد أن
أصبح لها وجود فعليٌّ، وكيان مستقل، ودولة قائمة.
وبهذا يتضح أن الإسلام عقيدة وشريعة، والعقيدة علمية، والشريعة عملية، والعقيدة أصول الدين، والشريعة فروع الدين.
الترابط بين العقيدة والنظام:
وقد ربط الإسلام بين العقيدة والنظام، بين الإيمان والسلوك، بين الأصول والفروع ربطًا مُحكمًا، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمُتْ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه))[3].
فانظر كيف ربط بين الإيمان بالله - وهي
العقيدة - وبين إكرام الجار - وهو شريعة ونظام- ولا يمكن الفصل بينهما؛
يقول جل ذكره مخاطبًا الرسول صلى الله عليه وسلم - وأمته تَبَعٌ له في ذلك
-: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 18].
فالنظام الاجتماعي في الإسلام يبحث في
موضوع العَلاقة بين الرجل والمرأة، وقرر فيه أحكامًا شرعية في الخِطبة
والزواج والطلاق والخُلع والعدة والرجعة، وحرم فيه الزنا، والخَلوة، وسفر
المرأة بدون محرَم، وأن تكون رئيسة للدولة.
وضع قواعد لزينة المرأة، ومنَعَ الاختلاط
إلا لضرورة أو حاجة، وحدد أن عمل المرأة الأصلي هو أنها أمٌّ وربَّةُ بيت،
وأن عمل المرأة الأصلي لا يمنعها من مزاولة الأعمال في الحياة العامة لكسب
المال بقيود وحدود، حتى لا تفقد أنوثتها، وتُحرَمَ من أبنائها، وتَضرَّ
زوجَها.
والنظام الاقتصادي في الإسلام يبحث في موضوع حق الملكية؛
فالمالك الحقيقي هو الله، وأن الله قد استخلف الإنسان في الملك بقيود
معينة، ويجوز تملُّك المال من خلال: العمل، والسَّمْسَرةِ، والزكاة،
والميراث، والنفقة، والوصية، والهبة.
ويحرم تملك المال من خلال: مهر البَغيِّ،
وحلوان الكاهن، والربا، والاقتراض بفائدة، والبيوع المحرمة؛ كبيع التدليس،
والغَبْنِ، والنَّجشِ، والبيع بعد نداء الجمعة، وبيع السلاح للحربي، وبيع
العصير لمن يتخذه خمرًا.
ونظام العقوبات في الإسلام يبحث في موضوع الجريمة، وهي: القتل، والزنا، والقذف، والسرقة، وشرب الخمر، والحرابة، والبغي، والردة.
فوضع القواعد الدقيقة التي تنظِّمُها
لتحقيق مصالح الناس، العقوبات رحمة للفرد وللمجتمع، وزواجر وجوابر، زواجر
وضعها الله للردع عن ارتكاب ما حظر، وترك ما أمر، وجوابر من الإثم.
ونظام الحكم في الإسلام يبحث في موضوع العَلاقة بين الحاكم والمحكوم؛ فالحاكم هو الله تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ
﴾ [الأنعام: 57]، وما الخليفة أو الرئيس إلا منفِّذ ومطبق لأحكام الله
بالعدل، وإن الطاعة واجبة لله ولرسوله، وللحاكم المسلم ما لم يخالف الله
ورسوله؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأن الشورى حق لجميع المسلمين؛ حاكمًا
ومحكومًا، رجلاً وامرأة، وأن الشورى الإسلامية والديمقراطية الغربية نقيضان
لا يلتقيان. واختيار الحاكم يكون من اختيار الأمة؛ فالأمة هي صاحبة السلطة
في تعيين الحاكم بمحض اختيارها.
إذًا، الإسلام عقيدة ونظام، والعقيدة علمية، والشريعة عملية.
والعقيدة أصول الدين، والشريعة فروع
الدين، وكلاهما مرتبط بالآخر ارتباط الثمار بالأشجار، أو ارتباط المسببات
بالأسباب، والنتائج بالمقدمات، ومن أجل هذا الترابط الوثيق يأتي العمل
مقترنًا بالإيمان في أكثر آيات القرآن الكريم؛ ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [البقرة: 25].
وهذا الترابط بين العقيدة والنظام ينتجُ
شخصيةً إسلامية؛ فأصل مُقوِّمات الشخصية الإسلامية أمران: العقيدة
الإسلامية، وتتمثَّلُ في أركان الإيمان، والشريعة الإسلامية، وتتمثل في
الإذعان والانقياد لأحكام الشرعية في جميع أنظمة الحياة.
الخلل بين العقيدة والنظام:
فإذا حدث الخلل بين العقيدة والنظام كان الإنسان في خسران، وكانت شخصيته
شخصية علمانية؛ أي: لادينية؛ فالإنسان إما أن يكون مسلمًا، وإما أن يكون
علمانيًّا.
والعلمانية لها صور ثلاث:
الأولى: العلمانية الملحدة: وهي علمانية لا تؤمن بالعقيدة الدينية، ولا بالنظام الديني، ومن دعاتها ماركس وهيجل.
والثانية: العلمانية غير الملحدة: وهي تؤمن بالعقيدة الدينية، ولكنها ترفض النظام الديني، وتنادي بعزلِ الدين عن الدنيا.
والثالثة: العلمانية المتدينة:
وأهلها أفراد من المسلمين ويعيشون بين المسلمين، وهم من ذوي الفكر المقبوح
والتوجه المفضوح، عبدوا الله سبحانه على حرف؛ لم يعرفوا من الإسلام إلا
اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، كرَّمهم الله بالإسلام، فاختاروا لهم الغرب
قِبلة، والعلمنةَ مهنة.
وعلى سبيل المثال: يدعون إلى حرية المرأة
بالاختلاط، والزنا، والمصاحبة، والمصادقة، ولا يقبل بوجود الحكم الإسلامي
في الواقع، ويدعو إلى الربا والاقتراض، وينكر العقوبات الإسلامية، ويعتبرها
تخلُّفًا ورجعية.
فهل يُعقَلُ أن نجد مسلمًا - يعتنق
الإسلام دينًا - يقول: أنا مسلم علماني؟! فالإسلام دين كامل، ومنهج واضح،
لا يقبل ولا يجيز أن يشاركه منهج آخر، وقال سبحانه مبينًا كفرَ مَن أخذ
بعضًا من مناهج الإسلام ورفض الآخر: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ
بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ
ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ
عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 85]، والأدلة الشرعية كثيرة جدًّا في بيان ضلال من أنكر شيئًا معلومًا بالضرورة من دين الإسلام.
[1] شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد - الإيمان - للشيخ: (محمد حسن عبدالغفار).
[2] مسلم: الإيمان (8)، والترمذي: الإيمان (2610)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (4990)، وأبو داود: السنة (4695).
[3] رواه البخاري [رقم: 6018]، ومسلم [رقم: 47].
إرسال تعليق