0

هل يجوز لنا أن نطرح أسئلة بحق الخالق تعالى؟ وهل يجوز أن نتعامل مع خلق الجنة والنار والكافر والمؤمن.. وأن نطرح الأسئلة: لماذا فعل الله هذا ولم يفعل هذا؟؟ دعونا نتدبر هذه الآية....

هناك الكثير من التساؤلات التي يمكن أن يطرحها الإنسان: لماذا خلق الله الشرّ؟ ولماذا خلق الله البشر ثم يعذبهم؟ بل لماذا خلق الله الكون أصلاً؟ وتساؤلات أخرى ربما لا نجد جواباً عنها في منطقنا العقلي المحدود... ولكن هل من جواب في القرآن؟

القرآن يؤكد أن الله لو شاء لهدى الناس جميعاً: (وَ لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس: 99]... ولكن لماذا لم يهدِ الله جميع الناس؟؟

ولكن لماذا خلق الله الكون وما هو الهدف؟ يقول تعالى: (وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَ إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) ]الحجر: 85]... ولكن لا نجد إجابة يمكن أن نفهمها كبشر، فلماذا؟ وهل كلام الله تعالى ليس فيه تفصيل؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

الحقيقة هناك آية عظيمة طالما شغلتني ولم أفهم معناها إلا مؤخراً، يقول الله تبارك وتعالى مخاطباً كل من يطرح هذه الأسئلة وغيرها بحق الله تعالى: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 23].. هذه الآية تؤكد أن الخالق تعالى لا يُسأل عما يفعل، ولكن الخلق يُسألون عما يعملون! ولكن ما معنى ذلك؟

إن أي سؤال يمكن للإنسان أن يطرحه لابد أن يكون له جواب بالمقارنة مع شيء آخر.. فعملية الإجابة عن أي سؤال ومهما كان نوعه، تعتمد على المقارنة.. وأي سؤال لا يعتمد على المقارنة يكون سؤالاً مستحيلاً أي غير منطقي.. ولكن كيف يكون ذلك؟

عندما تسأل أحداً لماذا فعل كذا، فهذا يعني أن هناك إنساناً آخر لم يفعل ذلك! فإذا سألت شخصاً لماذا اشتريت هذه السيارة.. فهذا يعني أن هناك أشخاصاً لم يشتروا أي سيارة.. فتحدث عملية مقارنة مع هؤلاء وبالتالي تكون الإجابة ممكنة وسهلة... وهكذا كل الأسئلة المحتملة.

ولتتأكد من صدق هذه الحقيقة عزيزي القارئ أرجو أن تسأل نفسك أي سؤال.. وسوف تجد أن إجابة هذا السؤال تعتمد على المقارنة بشيء آخر. فلماذا لم تدرس.. هذا يعني أن هناك شخصاً آخر درس.. ولماذا لم تذهب.. هذا يعني أن هناك شخصاً آخر ذهب.. لماذا لا تحب هذا النوع من الطعام.. هذا يعني أن هناك أناساً يحبون نفس النوع من الطعام..

إن أي سؤال مطروح حتى يكون منطقياً يجب أن يخضع للمقارنة.. وإذا لم يكن هناك مقارنة يكون السؤال غير منطقي.. مثلاً لماذا هذا الميت لا يأكل؟؟ السؤال خطأ منطقياً، لأنه لا يوجد ميت يأكل!!

لماذا الله تعالى خلق الشرّ؟ السؤال غير منطقي، والسبب أنه لا يوجد إله آخر خلق الخير حتى نقول لماذا خلق الله الشرّ؟ إذاً السؤال لا يجوز في حق الخالق لأنه واحد لا مثيل له ولا يمكن المقارنه معه سبحانه وتعالى وليس هناك آلهة متعددة حتى قارن بينها وبين الله تعالى...

أما في حق المخلوق فيجوز السؤال لأن لدينا مليارات البشر ويمكن أن نقوم بعمليات مقارنة للجواب عن كل الأسئلة، أي أن المخلوقات تُسأل عما تفعل.. وهذا أمر منطقي تماماً. فلو وضعنا شخصاً في غرفة منعزلة عن كل شيء وحيداً لمدة يوم بحيث لا يمكنه التواصل مع أي شخص آخر.. وقمنا بطرح هذا السؤال: لماذا هذا الشخص لا يتكلم مع أحد؟ هذا سؤال غير منطقي لأنه لا يوجد هذا الأحد ليتكلم معه.. أي حتى يكون السؤال منطقياً يجب أن يخضع للمقارنة مع شيء آخر.. فالحوار لا يمكن أن يكون لشخص واحد لابد من وجود اثنين فأكثر..

إذاً هناك خالق واحد لا مثيل ولا شريك له، وهو مطلق القدرة والعلم والحكمة.... وهناك مخلوقات متعددة محدودة القدرة ومحدودة الذكاء ومحدودة القوة... فلا يمكن أن نقارن الخالق بالمخلوق ولا يمكن أن نطرح الأسئلة التي هي منطقية بحق المخلوقات، أن نطرحها بحق الخالق.. هذا خطأ منطقي ولذلك فهو لا يُسأل أبداً..

الذي يؤكد هذه الحقيقة أن سورة الأنبياء التي وردت فيها هذه الآية تضمنت أكبر عدد لتكرار كلمة (آلهة) على مستوى القرآن حيث وردت 9 مرات في نفس السورة. أي أن سورة الأنبياء هي أكثر سورة ناقشت قضية احتمال وجود الآلهة وما ينتج عنه من فساد وكوارث وفوضى، وبالتالي فمن الطبيعي أن نجد فيها هذه الحقيقة (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ).

وإذا تأملنا النص الذي وردت في هذه الآية سوف نجد شيئاً غريباً، لنتأمل...

قال تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْأَلُونَ * أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَ ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنبياء: 21-24]. تأملوا معي كيف وردت آية السؤال (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْأَلُونَ) بين آيتين ذكرت فيهما الآلهة المزعومة.. فقبل الآية ذكرت الآلهة وبعد الآية ذكرت الآلهة وكلتا الآيتين بصيغة السؤال للمشركين.

فلو كان هناك آلهة مع الله تعالى لكان من الممكن أن يُسأل الله عما يفعل.. بالمقارنة مع بقية الآلهة الموجودة بالفعل.. ولكن بما أنه لا يوجد إلا إله واحد فليس هناك أي إمكانية للمقارنة مع آلهة أخرى وبالتالي السؤال في حق الله الواحد لا يجوز وغير منطقي.

قال ذات مرة أحدهم: إذا كان الله كتب كل شيء فأنا لا أستطيع أن أخالف ما كتب، وبالتالي فإن معصيتي لله هي بأمر الله ولا أستطيع أن أترك المعصية وأخالف أمر الله!! وقلتُ له: إذا كنتَ بالفعل تعتقد ذلك فأنت مؤمن إيماناً مطلقاً بالله تعالى لأنك وصلت إلى اليقين وهو أن تعتقد أن كل شيء بأمر الله تعالى! واستغرب وقال كيف ذلك؟ وكيف أعصي الله وأنا مؤمن إيماناً مطلقاً؟

وقلتُ له إذاً أنت لستَ مؤمناً إيماناً مطلقاً.. لأن المؤمن الحقيقي لا يمكن أن يعرف قدرة الله وعلمه وأنه كتب كل شيء وقدر كل شيء... وبعد ذلك يقذف نفسه في النار؟ فأنت عندما تعصي الله فأنت تسير باتجاه عذاب الله ونحن كبشر نكره ذلك.. فمن غير المعقول أن إنساناً يقتنع بأن هناك بركان خلف الجبل ثم يذهب ليلقي نفسه فيه!!

إذاً أنت عندما تقول إن الله كتب عليّ المعصية فإنك تخذع نفسك ولا تقول الحقيقة؟ لأنك لو أدركت بالفعل أن الله كتب عليك كل شيء.. فمن المستحيل أن تقدم على معصية الله لأن هذه المعصية ستقودك إلى نار جهنم.. إذاً أنت لست مؤقناً بنار جهنم وبالتالي لست موقناً بأن الله كتب كل شيء!

ولذلك قال تعالى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَ لَا آبَاؤُنَا وَ لَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) [الأنعام: 148].

نتائج

1- إن وجود آية تخبرنا بأن الخالق لا يُسأل عما يفعل، في سورة الأنبياء، وتكرار كلمة (آلهة) في هذه السورة 9 مرات وهي أكثر سورة وردت فيها هذه الكلمة، يدل على إحكام القرآن لأن الله تعالى وضع هذه الآية في سورة مناسبة جداً وفيها الكثير من الآيات التي تتحدث عن وهم تعدد الآلهة.. وبالتالي فمن غير المنطقي أن نسأل الله تعالى عما يفعله لأنه واحد لا مثيل له... بينما يجوز السؤال في حق المخلوقات لأن المخلوقات متعددة ولها مثيل.

2- لو فرضنا جدلاً أن هناك أكثر من إله في الكون لفسد الكون، ولدارت الحروب بين الآلهة (كما في الأساطير القديمة)، قال تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَ لَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) [المؤمنون: 91]... أي أن وجود إله واحد يعني النظام في الكون، ووجود آلهة متعددة يعني الفوضى.. وبما أننا نعلم أن في الكون هناك نظام واحد ونفس القوانين تحكم كل الكون.. فهذا يعني وجود إله واحد لا شريك له.

3- بناء على هذه الحقيقة: أن الخالق لا يُسأل، فإن جواب أي سؤال يتعلق بالله تعالى فإن الجواب سيكون بما يتفق مع صفات الله تعالى وأسمائه الحسنى. فالله خالق الكافر ويعذبه.. وهذا هو منتهى العدل.. وخلق المؤمن ويكرمه وهذا هو منتهى العدل... وخلق النار والجنة والسماء والأرض... وكل شيء خلقه الله بالحق..

4- إن كل ما نراه اليوم من أحداث جسيمة تعصف بعالمنا الإسلامي هو بلاء من الله تعالى واختبار وامتحان لعباده، ولا يجوز أن نسأل: لماذا يسمح الخالق تعالى بهذه الأحداث المأساوية من قتل وتدمير، ولماذا لا يتدخل الله تعالى ويمنع قتل الأطفال مثلاً... لأن الله لديه حكمة عظيمة من ذلك لا تدركها عقولنا البشرية المحدودة.. والله يعلم ما يفعل: (وَ عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ عَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].

5- المؤمن دائماً يؤمن بالله تعالى دون اعتراض على حكمة الله (وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَ مَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 7]... فالقضية تحتاج لعقل وتفكير وتذكر.. بينما الملحد يعترض على كل شيء (وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَ مَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) [البقرة: 26].

في جميع الامتحانات الدنيوية (في الجامعات مثلاً) يطرحون السؤال ويعطونك أربعة أجوبة منها واحد صحيح وثلاثة خطأ.. ولا يدلك الأستاذ على الجواب الصحيح، بل يتركك ليختبر مدى دراستك وتمكنك من هذه المادة. ولكن امتحان الله مختلف تماماً بل أسهل بكثير.

أيها الإنسان: الله تعالى يعطيك الطريق الصحيح والطريق الخطأ، ويقول لك هذا هو الطريق الصحيح الذي يؤدي بك إلى النجاح والجنة، وهذا هو الطريق الخطأ الذي يؤدي بك إلى الخسران والنار... بل ويأمرك أن تتبع الإجابة الصحيحة... وسبحان الله، معظم الناس يتبعون الطريق الخطأ بل ويجحدون الخالق سبحانه وتعالى... ثم يقولون: لماذا يعذبنا الله!

وفي هذا التحليل العلمي رد على كل ملحد يمكن أن يطرح هذه الأسئلة: لماذا فعل الله كذا ولم يفعل كذا... لأن الإجابة عن هذا السؤال تقع خارج حدود عقولنا ومنطقنا.. ولن نستطيع فهم أعمال الخالق لأننا مخلوقات محكومة بقوانين الخلق ولا يمكننا التخلص من هذه القوانين...

6- هذه الرؤية المنطقية تقودنا لمعرفة سرّ القضاء والقدر وأن الإنسان مسيّر أم مخيّر.. فالجواب عن هذه الأسئلة يقع خارج منطقنا البشري، لأن الله تعالى عندما خلق الكون وضغ نظاماً محدداً هو الأفضل على الإطلاق.. هذا النظام سيجعل من المؤمنين أقلية ومن الكفار أغلبية... (وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13]..

وبالتالي فإن الإنسان مخير تماماً فيما لو نظرنا إليه بمنطقنا البشري والعقلي المحدود.. ولكن إذا نظرنا من خارج هذا المنطق الذي لا يمكن أن ندركه أو نفهمه لرأينا الإنسان محكوم بكل شيء وأن الله يفعل ما يشاء ويضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، ولو شاء لهدى الناس جميعاً.. ولو شاء لم يكفر إنسان واحد، ولو شاء لم يعصه أحد...

إذاً المؤمن الحقيقي يؤمن بكل ما جاء في هذا القرآن إيماناً مطلقاً... (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة: 3]... لأن المعرفة الحقيقية بالله تعالى تقتضي الإيمان المطلق.. وكل من يقول لماذا كتب الله علي المعصية أو العذاب أو الكفر... ولماذا لم يهدِ الله الناس.. أو لماذا لم يمنع الله وقوع الكارثة... كل من يقول ذلك فإنه لم يعرف من هو الله تعالى، ولم يتذوق حلاوة معرفة الخالق عز وجل..

نسأل الله تعالى أن نكون من العارفين بالله وعظمته وجلاله... سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.. والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــ

بقلم عبد الدائم الكحيل

www.kaheel7.com/ar

إرسال تعليق

 
Top