0

تَوْجِيهُ الدَّعْوَةِ مِنَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ نَفْسُهُ دَعَا أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إِلَى الْإِيْمَانِ بِهِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ، كَمَا دَعَا مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ مِنَ الْعَرَبِ وَسَائِرِ الْأُمَمِ.
وَهُوَ الَّذِي أَخْبَرَ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِكُفْرِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ، وَبِأَنَّهُمْ يَصْلَوْنَ جَهَنَّمَ، وَسَاءَتْ مَصِيرًا، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ بِجِهَادِهِمْ، وَدَعَاهُمْ بِنَفْسِهِ وَنُوَّابِهِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُمْ فِي الْكِتَابِ لَمْ يَأْتِ إِلَيْنَا بَلْ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْعَرَبِ سَوَاءٌ أَرَادُوا أَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ إِلَى الْعَرَبِ، وَلَمْ يَبْعَثْهُ إِلَيْنَا، أَوْ أَرَادُوا أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَى الْعَرَبِ لَا إِلَيْنَا ; فَإِنَّهُ قَدْ عَلِمَ جَمِيعُ الطَّوَائِفِ أَنَّ مُحَمَّدًا دَعَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى إِلَى الْإِيْمَانِ بِهِ، وَذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ وَأَمَرَهُ بِجِهَادِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ مِنْهُمْ فَإِذَا قِيلَ مَعَ هَذَا أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أُبْعَثْ إِلَّا إِلَى الْعَرَبِ، كَانَ كَاذِبًا كَذِبًا ظَاهِرًا عَلَيْهِ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْإِنْسَانُ أَوْ كَذَّبَهُ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّهُ نَفْسَهُ دَعَا جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَى الْإِيْمَانِ بِهِ، فَدَعَا أَهْلَ الْكِتَابِ كَمَا دَعَا الْأُمِّيِّينَ.
أَمَّا الْيَهُودُ: فَإِنَّهُمْ كَانُوا جِيرَانَهُ فِي الْحِجَازِ بِالْمَدِينَةِ، وَمَا حَوْلَهَا، وَخَيْبَرَ، فَإِنَّ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ كُلَّهُمْ آمَنُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَلَا قِتَالٍ، بَلْ لَمَّا ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ بَرَاهِينِ نُبُوَّتِهِ، وَدَلَائِلِ صِدْقِهِ آمَنُوا بِهِ، وَقَدْ حَصَلَ مِنَ الْأَذَى فِي اللَّهِ لِمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي السِّيرَةِ، وَقَدْ آمَنَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بَعْضُهُمْ بِمَكَّةَ وَبَعْضُهُمْ بِالْمَدِينَةِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ كَانُوا بِغَيْرِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَاهَدَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ مِنَ الْيَهُودِ، ثُمَّ نَقَضُوا الْعَهْدَ، فَأَجْلَى بَعْضَهُمْ، وَقَتَلَ بَعْضَهُمْ ; لِمُحَارَبَتِهِمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَقَدْ قَاتَلَهُمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ قَاتَلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ سُورَةَ الْحَشْرِ، وَقَاتَلَ قُرَيْظَةَ عَامَ الْأَحْزَابِ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ، وَقَاتَلَ قَبْلَهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَبَعْدَ هَؤُلَاءِ غَزَا خَيْبَرَ هُوَ وَأَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، الَّذِينَ بَايَعُوهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ خَيْبَرَ، وَأَقَرَّ الْيَهُودَ فِيهَا فَلَّاحِينَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى سُورَةَ الْفَتْحِ يَذْكُرُ فِيهَا ذَلِكَ فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَّا إِلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَهَذِهِ حَالُ الْيَهُودِ مَعَهُ؟

إرسال تعليق

 
Top