0

ستجد في هذه الورقة ما يجعلُك من أحباب المصطفى، وهي منزلة عظيمة، إذا وفَّقنا الله لبلوغها، فقد فُزنا وربِّ الكعبة، ومَن منا لا يحب أن يكونَ مع زمرة الفائزين بمحبته؛ فهو يريد الخير كلَّ الخير لأمته، بل هو يفرح أشد ما يكون الفرح أن يرى أمَّته سعيدة، متمسكة بالمبادئ السامية والقيم الرفيعة؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كُل أُمتِي يدخلون الجنةَ إِلا من أبى))، قالُوا: يا رسُولَ اللهِ، ومن يأبى؟ قال: ((مَن أطاعني دخل الجنة، ومن عصانِي فقد أبى))؛ رواه البخاري، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده، لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد على الله كشراد البعير))، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى أن يدخلَ الجنة؟ قال: ((مَن أطاعني دخل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى))؛ ابن حبان في صحيحه.

وعليه؛ فنحن أحبابه إذا تمسكنا بجملةٍ من الخصال العظيمة، فإنه كان يجلس مع أصحابه فيقول: ((ودِدتُ لو أني رأيتُ أحبابي))، قالوا: يا رسول الله، ألسْنا أحبابَك؟ قال: ((أنتم أصحابي، أحبابي يأتون بعدي، آمنوا بي ولم يروني))، تخيل، بل تأمل، النبي -صلى الله عليه وسلم- يحبك أنت، ويشتاق لك؛ فإليك الخصالَ الثمانية:

أولاً: ذكر الله في كل حين، عطِّر فمَك بذكر الله -تعالى- وابتعد عن كلِّ ما يَشِينه من أقوال؛ كالنميمة والغِيبة والكذب، والمواد السامة؛ كالتدخين والمخدِّرات والمُسكِرات وغيرها، وقل لي – بصراحة إذا كنت تحبُّ النبيَّ -:هل تستطيع أن تضعَ في فمك سيجارة والرسول واقفٌ أمامك ينظر إليك؟

ثانيًا: الصلاة عليه؛ فقد ذكر ابنُ القيم ثمرة ذلك في قوله: “إن الصلاة عليه أداءٌ لأقل القليل من حقه، وشُكرٌ له على نعمته التي أنعم اللهُ بها علينا، مع أن الذي يستحقه من ذلك لا يُحصى علمًا ولا قدرة ولا إرادة، ولكن الله – سبحانه – لكرمه رضِيَ من عباده باليسير من شُكرِه وأداء حقه”، ومن أحب الكلمات التي يحبها النبيُّ ما ذكره أبو حميد الساعدي قال: قالوا: يا رسول الله، كيف نصلِّي عليك؟ قال: ((قُولُوا: اللهمَّ صلِّ على مُحمد، وعلى أزواجه وذُريته، كما صليتَ على آل إبراهيم، وباركْ على مُحمد، وعلى أزواجِهِ وذريتِه، كما باركتَ على آلِ إبراهيم؛ إنك حميِد مجيد))؛ متفق عليه.

ثالثًا: الطهارة الشاملة: المسلم المحبُّ لرسول الله يحب النظافةَ بكامل معانيها؛ النظافة الحسية والمعنوية؛ فهو يتطهَّر مِن كل المنجسات والمدنسات والأوساخ؛ فهو طاهر البدن، طاهر الثوب، طاهر البيت، طاهر اللسان، طاهر المأكل؛ فلا يأكلُ إلا طيبًا؛ لأنه يعلم بأن اللهَ طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وأن رسولَ الله قدوته في كل ذلك، يقول: ((إن الله طيبٌ يحب الطيب، كريم يحب الكرم، جَوَاد يحب الجود، نظيف يحب النظافة؛ فنظِّفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود))؛ رواه الترمذي وحسنه الألباني من حديث سعد بن أبي وقاص.

رابعًا: الرِّفق والحِلم والحياء، أخبرتنا السيدة عائشة أمرًا عجَبًا، قالت: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أراد اللهُ بأهل بيتٍ خيرًا، أدخل عليهم الرفق))؛ لهذا إذا قدتَ سيارةً لا تُسرع؛ فإن حبيبك يقول: ((الأناة من الله، والعَجلة من الشيطان))؛ فميزات القوة كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كرم المرء دينُه، ومروءته عقله، وحسبه خُلقه))، وعن أم سلمة قالت: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من لم تكن فيه واحدة من ثلاث، فلا يحتسب بشيء من عمله: من لم تكن فيه تقوى تحجزه عن المحارم، أو حِلم يكفُّه عن غيه، أو خُلق يعيش به في الناس)).

خامسًا: الشخصية القوية: إن التمسكَ بالدين، والالتزام به، والتقرب إلى الله -تعالى- هو من وسائلِ تقوية الشخصية، ودائمًا المسلم القوي خير من المسلم الضعيف، وفي كلٍّ خير، والقوة تأتي بالإيمان والالتزام.

ومن أعظم الأمور المعينة على قوة الشخصية أن تبحثَ وتتخذ القدوة الصالحة وتتمثل بها، وأفضل قدوة هو الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام؛ فهذا أسامة بن زيد قاد جيش الإسلام وهو في سن السابعة عشرة أو الثامنة عشرة.

سادسًا: المحافظة على الصلاة: إن أولَ ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاةُ؛ كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((أول ما يُحاسَب عليه العبدُ الصلاةُ؛ فإن صلحت، فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت، فقد خاب وخسر))؛ رواه الترمذي وحسنه، والنسائي، وأبو داود.

وماذا يكون جوابك لربِّك حين يسألك عن الصلاة؟ ألا تعرف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرف أمَّتَه يوم القيامة بالغُرَّة والتحجيل من أثر الوضوء؟ كيف بالمرء حينما يأتي يوم القيامة وليس عنده هذه العلامة وهي من خصائص الأمةِ المحمدية، بل إن الصلاة راحةٌ وطمأنينة للنفس والقلب، وقد قال فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- لبلال: ((أرِحْنا بها يا بلال)).

سابعًا: أكْلُ الحلال: هذه صفةٌ عظيمة في زمنٍ كَثُر فيه تعلقُ الناس بالأموال مهما كان مصدرها؛ ولهذا قال ابن رجب: “إن أكل الحلال من أعظم الخِصال التي كان عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه”، وثمة تلازُم بين أكل الحلال، وحلاوة المناجاة لله -تعالى- ولذة الأنس والافتِقار إليه – عز وجل – وقد قرَّر الحافظ ابن كثير – في “تفسيره” – أن أكْلَ الحلال عونٌ على العمل، عند تفسيره لقوله -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51].

ثامنًا: إحياء سنَّته، الشباب والشابات في زمننا يُحيُون سنن الممثلين والمغنين والرياضيين ويفتخرون، فعلينا أن نفتخر بإحياءِ سنته؛ فقد قال أنس بن مالك – رضي الله عنه -: قال لي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني، إن قدرت أن تصبح وتمسي وليس في قلبك غش لأحد، فافعل))، ثم قال لي: ((يا بني، وذلك من سنَّتي، ومن أحيا سنتي فقد أحبَّني، ومَن أحبني كان معي في الجنة))؛ رواه الترمذي.

فعلينا أن نحييَ سنن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأن نطبِّقها دون خجل، أو تساهل أو خوف من الناس، فكم من سنن الحبيب -صلى الله عليه وسلم- اندثرت؛ نظرًا لتبعيتنا لغيرنا، واللهِ إن إحياء سنَّةٍ كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو إليها أشدُّ على أعدائنا من المقاطعة والشجب والاستنكار؛ لأن ذلك يُظهِر قوَّتَنا واعتزازنا بهذا الدين، وحبَّنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم.

المصدر التاريخ الاسلامي

إرسال تعليق

 
Top