Latest News

0

لماذا أسلم المستشار اسكاروس؟


"صفوت اسكاروس" من مواليد 4 أبريل 1925 بشبين الكوم - مصر، كان نصرانيًّا أرثوذكسيًّا، وأشهر إسلامه رسميًّا في 15 رجب 1403 هـ - 28 أبريل 1983م.

حاصلٌ على ليسانس الحقوق، وتدرَّج في المناصب القضائيَّة، حتَّى وصل إلى منصب مستشار بِمَحاكم الاستئناف.

عمل مستشارًا قانونيًّا في "ليبيا" لِمُدَّة ثماني سنوات، ويعمل حاليًّا خبيرًا قانونيًّا بإدارة الأراضي بدولة "قطَر".

ينضمُّ للإسلام كلُّ باحثٍ مُخْلصٍ عن الحقيقة، وقد دخل فيه زميلُنا المستشار "صفوت اسكاروس" عن وعْيٍ وإدراك واقتناع، فكان من القِلَّة الخيِّرة المؤمنة من أهل الكتاب الْمَوصوفة من الله بقوله: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 113 - 115].

وانضمَّ إلى الصفِّ الْمُسلم المُجاهد، يَذُود عن الإسلام وتعاليمه، فقد كان لنبأ إسلامه وتبَرُّئه من الكفر والشرك صدًى كبيرٌ بين النصارى - على قلَّتِهم - في داخل البلد الذي يقيم فيه خاصَّة، وبين قومه وأهله وعشيرته في موطنه الأصلي، فمن قريب سأله، والبعيد عنه راسلَه، ومِنهم مَن بعث له مبعوثًا؛ ليقف على حقيقة أمره، وقد دار بين المستشار "صفوت" وبين هؤلاء الحاقدين النَّاقمين عليه من أهل دينه سابقًا، مُحاوراتٌ ومناقشات سجَّلتُها كما دارت بينهم فيما يلي:
س: لِماذا كفرْتَ بدينك ودين آبائك وأجدادِك مِن قبْلِك، واعتنقْتَ دين محمَّد؟
ج: كانت الإجابة الْمُؤمنة:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام - بِفَضله ورَحْمته - وما كُنَّا لنهتدي لولا أنْ هدانا الله، فمنذ كنتُ طالبًا بالجامعة - في كلِّية الحقوق - وكانت الدِّراسات تتضمَّن جانبًا ضئيلاً من الشريعة الإسلامية، بَيْدَ أنَّها كانت تُثير في النَّفس الكثيرَ من التساؤلات، حتَّى ما تلقَّيْتُه من الصِّغر في الكنيسة عن الإسلام ورسولِه كان له أثَرٌ، هذه الكنيسةُ - كما تَعْلمون - تصوِّر لنا محمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - كمُدَّعٍ للنُّبوة، وأنَّ القرآن من تأليفه، استمدَّه من التوراة والإنجيل، وعاداتِ وتقاليد العرب استمدادًا مَعِيبًا ومُتناقضًا!

وكم قابلْتُ من شيوخ الإسلام - أثناء الدراسة وبعدها - أناروا البصَر والبصيرة، وكشفوا لِيَ الشُّبهاتِ التي تُثار حول الإسلام، ودَحَضوا الأباطيل، وحَثُّونِي باسْمِ العقل - الذي يُباركه الإسلام ويكرمه - على التفكير والتدبُّر؛ وصولاً إلى الحقيقة التي لا تَحْمل ضغينةً لأحد، وإنني إذْ وصلت إليها، آمنتُ بِها وأعلنتها.

وكانت القضيَّةُ الكبرى التي تثير قلقي وحيرتي وشكِّي في النصرانية هي قضيَّةَ التوحيد والتَّثليث في قولهم: ثلاثة أقانيم في واحد: الأب، والابن، والرُّوح القدس، كالشَّمس لَها نورُها وشعاعها ودِفْؤها، وإن الله جسَّد كلمته في ابنه الأزَلِيِّ تَجسيدًا ظاهرًا، ورَضِيَ بِمَوته على الصليب، وهو غير مستحِقٍّ لذلك؛ ليكون فداءً للخطيئة الأولى لآدم - تعالى الله عن ذلك علُوًّا كبيرًا.

ولَم أقنع بأن يكون الثلاثة في واحد، والواحد في ثلاثة، وتشبيهُهم لله - تعالى - وتركيبه تَجسيمٌ يتنَزَّه الله عنه، وعدْلُه يأبى أن يَسأل أحدًا - فضلاً أن يُجازيه - عن ذنبِ غيْرِه.

ومضيتُ أدرس وأبحث بنفسي في التوراة والإنجيل.

التوراة والإنجيل:
ويسأله نَصْراني آخر: وماذا وجدْتَ في التوراة والإنجيل؟
ج: وجدْتُ أن ما يُطْلِقون عليه "الكتاب المقدَّس" يَنْقصه السَّنَدُ المتَّصِلُ إلى صاحبه، الذي يَجعل المرء يطمئنُّ إليه ويثق فيه، وإنَّ فيه من التناقض الشيءَ الكثير، مما يدلُّ على أن يد التحريف والتبديل قد وصلَتْه.

وفقدان السند المتَّصِل حقيقةٌ يقول بِها القساوسةُ أنفسهم، ولا أدلَّ على ذلك من الْمُناظرة التي جرَتْ بين الشيخ رحمةِ الله الْهنديِّ وبعض القساوسة البُروتستانت حول النصرانية، والتي أثبَتَها في كتابه "إظهار الحق"، حيث اعتذر بعضُ القسِّيسين في مَحْفل المناظرة، فقال: "إن سبب فقدان السند هو وقوع الْمَصائب والفِتَن على النصارى إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنةً".

والمتصفِّح في كتاب الإسناد للكتاب المقدَّس - التوراة والإنجيل - لا يرى فيه غيْر الظَّن، والظنُّ لا يُغْنِي من الحق شيئًا، وما دام أن الشكَّ قد دخل على الدليل وهو السَّنَد، فقد سقَط الاحتجاجُ بِمَضمونه؛ أيِ: الكتاب المقدَّس.

والتناقض والتضارب الموجودان في الكتاب المقدَّس يُؤلَّف فيهما كتُبٌ،  ولكن يَكْفي ما ورد في التوراة من أنَّ الله خلق السَّموات والأرض في ستَّة أيام، وأعياه التَّعب في اليوم السابع، فاستلقى على قَفاه، ووضع رِجْلاً على رِجل! تعالى الله عن ذلك علُوًّا كبيرًا.

ويكفي ما ورد في الأناجيل من اختلاف كبيرٍ حول المسيح وصَلْبِه.

بل التَّثليث الوارد فيه هو وليد الأفلاطونية الحديثة - كما يقول بِحَقٍّ المفكِّرُ الفرنسي "ليون جوتيه" في كتابه "المدخل إلى الفلسفة الإسلامية".

فأفلاطون يرى الاحتفاظَ لله بالكمال المطلق، والبراءةَ من التَّغيير، ويضع بينه وبين العالَمِ وسيطَيْن، يُعْتبران - دُونَه - خارِجَين عنه، وعلى نَحْوٍ ما داخلَيْن فيه - أيْ: تتضمَّنُهما ذاتُه - صادِرَيْن عنه، دونَه في الكمال، أوَّلُ هذه الأقانيم هو مصدر كلِّ كمال، والذي يَحْوي في وحدته كلَّ الكمالات، وهو الذي دعاه النَّصارى "الأب"، والثاني مُستمَدٌّ منه، وهو الكلمة أو الابن، والثالث هو دائمًا الرُّوح القدس.

وإذا قارَنَّا بين الكتاب المقدس في وضعه الحالِيِّ والقرآن الكريم - على الرَّغم من الْجُهود المضنية المبذولة من اليهود والمستشرقين والمبشِّرين على تشويه صورة القرآن - فالسَّند المتصل الذي وصل به القرآنُ ثابتٌ لا يتطرَّق إليه الشكُّ؛ فقد أمر الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكتابة القرآن في حياته، وحَفِظَه متفرِّقًا جُمْلةٌ من الأصحاب، كما حفظه بعضُهم كاملاً على حسب العَرْضة الأخيرة على الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلما تُوفِّي الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - واستحرَّ (اشْتدَّ) القتْلُ بكثيرٍ من حُفَّاظ القرآن في "اليمامة" على عهد أبي بكرٍ الصِّديق - رضي الله عنه - ارتأى أبو بكر - بِمَشورة عمر بن الخطاب - جَمْعَ القرآن، وكلَّف بِهذه المهمة الشاب الذكيَّ التَّقي النقي زيدَ بن ثابت الأنصاري؛ لأنه كان أحَدَ الحفَظةِ للقرآن كُلِّه من ناحية، ومن كُتَّاب الوحي للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - من ناحيةٍ أخرى.

وقد قام زيدٌ بِهذا العمل على الوجه الأَمْثل، فجمع المكتوب من القرآن من العُسُب (جريد النَّخل)، واللِّخَاف (الحجارة الرَّقيقة)، والرِّقاع من الْجِلد وغيره، ومن صدور الرجال، حتَّى إنَّه وجد آخر سورة التوبة مع (ابن خُزَيمة) الأنصاري، ولم يَجِدها مع أحدٍ غيره مكتوبة، وجَمَع في عمَلِه بين الحفظ والكتابة؛ إذْ كان لا يَكْتفي بِمُجرَّد وجوده مكتوبًا، حتى يشهد به مَن تلقَّاه سماعًا، ويَشْهد على تلَقِّيه اثْنَان من الصَّحابة، مع كون زيدٍ كان يَحْفظه.

ويصف لنا الحارثُ المُحاسبِيُّ المتوفَّى 243 هـ جَمْعَ القرآن في عهد أبي بكر، فيقول:
"كتابة القرآن ليست بِمُحْدَثة؛ فإنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرَّقًا في الرِّقاع والأكتاف والعُسُب، فإنَّما أمَر الصِّديقُ بِنَسخها من مكانٍ إلى مكان مجتمعًا، وكان ذلك بِمَنْزِلة أوراقٍ وُجِدَت في بيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيها القرآن مفرَّقٌ ومنتشر، فجمعها جامعٌ، وربطها بِخَيط؛ حتَّى لا يَضِيع منها شيء".

وكانت هذه الصُّحف عند أبي بكر - رضي الله عنه - حتى توفَّاه الله، ثم عند عمر - رضي الله عنه - أثناء حياته، ثم عند أُمِّ المؤمنين حفصة بنت عمر - رضي الله عنها.

وفي عهد عثمان على أثر الاختلاف في قراءة القرآن على حسب الأحْرُف، رأى عثمان تشكيلَ لَجنةٍ من أربعة، هُم: زيد بن ثابت، وعبدالله بن الزُّبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث - رضي الله عنهم - لِنَسخ المصحف على رسْمٍ واحد، فحصلت اللَّجنة على الصُّحف التي عند حَفْصة بنت عمر.

وكانوا لا يَكْتبون في المصاحف شيئًا إلاَّ بعد أن يَعْرضوه على مشاهير الصَّحابة، ويشهد الجميع بأنَّه قرآن، وأنَّه لَم تُنْسَخ تلاوته، وأنَّه استقرَّ في العرضة الأخيرة.

وقامت اللَّجنة بالعمل الْمُسند إليها على أكمل وجه، حتَّى إنَّهم اختلفوا في كتابة لفظة "التَّابوت" أتكتب بالْهاء "التابوة" أو بالتاء المفتوحة، فرجَعوا في ذلك إلى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - الذي أمرهم بكتابتها بِلُغة قريش؛ لأنَّ القرآن نزل بِلُغَتِهم.

وهو مِصْداقٌ لقوله - تعالى -:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [إبراهيم: 4].

فجَمْعُ القرآن ونسْخُه كما قال بِحَقٍّ المفكِّرُ الإسلاميُّ مالك بن نبي - رحمه الله - يُعَدُّ أول عمل علمي للفكر البشري من نوعه، تحقق به وعد الله بحفظ القرآن ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، فالقرآن كما استقرَّ في العرضة الأخيرة على سيِّدنا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - لَم يدخله تحريف أو تبديل، مِمَّا يجعلنا نطمئِنُّ إليه، وأنَّ كل كلمة واردةٍ فيه هي الحقُّ والصِّدق، وأنَّه كتاب الله - تعالى - الأخير للبشريَّة؛ لِهِدايتها إلى الأقوم.

بين محمد والمسيح:
وقال له أحَدُ النَّصارى: أتُنكر ألُوهيَّة المسيح وفي قرآن محمَّد ما يؤكِّدها في قوله: ﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ﴾ [الأنبياء: 91]؟ ومَن هو أبو المسيح إذا لم يكن هو ابْنَ الله؟
ج: أوَّلاً: القرآن ليس مِن تأليف محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإنَّما هو الْمُعجزة الدالَّة على نبوَّتِه على مدار الزمان والمكان، إلى أنْ يَرِثَ الله الأرض ومَن عليها، فهو الكتاب الذي اتَّسقَتْ عباراتُه ومعانيه، وأحكامُه ومبادئه، وإنَّ له من الفصاحة والبلاغة وقوَّةِ التأثير ما دفع بألَدِّ أعداء محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى أن يقول فيه: "إنَّ له لَحلاوةً، وإنَّ عليه لَطَلاوةً، وإنَّ أسفله لَمُغْدِق، وإن أعلاه لَمُثمر، وما يقول هذا بشَرٌ".

وإذا نظَرْنا إلى عصرنا الذي يُشادَ فيه بالعلم وحقائقِه، نَجِد أنَّ كل حقيقة علمية ثابتةٍ لا تَخْتلف عما ورد في القرآن إنْ تعرَّض لها، فأين لِمُحمد النبِيِّ الأُمِّي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي لا يقرأ ولا يكتب بِحَقائق الكون وعلوم الحياة، والتي لم تتوصَّل إليها البشرية إلاَّ بعد طريقٍ شاقٍّ وطويل من الْمَراصد والمعامل والتَّحاليل؟! ويكفي أن نُشِير إلى ما توصَّل إليه العلماء من أنَّ أصل البترول وجميعِ مشتقَّاته موادُّ متحوِّلة من نباتٍ مَطْمور بالتراب والصُّخور، أو حيوانات تغذَّتْ على النباتات، وأخذَتْ من النباتات الوقود، وبِهَذا نعرف أنَّ جَميع أنواع الوقود المستخدمة أصلها من الشَّجر الأخضر، ويُقَرِّر القرآنُ هذه الحقيقةَ، فيقول الله - تعالى -: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾ [يس: 80].

وقد كُتِب عن القرآن والعلم كتبٌ كثيرة، مِن أهَمِّها ما ألفه الغازي أحمد مختار باشا - العثمانِيُّ - بعنوان: "سرائر القرآن في تكوينِ وفناء وإعادة الأكوان"، ضمَّنه تسعين آية قرآنية، هي أصلٌ من أصول العلوم التطبيقيَّة الحديثة، وقد نَقَل هذا الكتابَ من التُّركية إلى العربية السيِّدُ محب الدين الخطيب - رحمه الله تعالى.

وحَسْبُك ما يكتبه "موريس بوكاي" - وهو ما يَزال حتَّى الآن نصرانيًّا - عن القرآن والتَّوراة والعلم، مِمَّا يؤكِّد أن القرآن هو كلام الله تعالى، وأن التوراة قد تناولَتْها يدُ التحريف والتَّبديل.

وأمَّا جُزْءُ الآية التي استندْتُم إليها، فَلو أتْمَمتموها لوجدْتُم إجابتَكم؛ فالله - تعالى - يقول: ﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 91]، فالنَّفْخ من الله، كما خلق آدم فقال: ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ﴾[ص: 72] وقال: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [آل عمران: 59 - 60].

ونسَبَ الابْنَ إلى مريم البتول في هذه الآية وفي غيرها، فالله يقول: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 45 - 47].

وعلاَمَ تُشكِّكون في قدرة الله؟ ألم يخلق آدم من غير أبٍ ولا أم؟! فخَلْقُه أعجب من خلق عيسى؛ فعيسى خُلِق من أنثى من نوعهِ، والله - تعالى - لا يتقيَّد بالأسباب الجارية، فهو خالقها ومُبْدِعها ومريدها، وإنه يقول للشيء: كن، فيكون، فسبحان الله عما تشركون.

والقرآن يبيِّن لكم الحق، وأن عيسى - عليه السلام - بشَرٌ، وأنه رسول الله إلى بني إسرائيل، وأنَّ رسالته كانت الدَّعوةَ إلى توحيد الله، وبيانَ أنَّ ذاتَه - سبحانه وتعالى - ليست بِمُركَّبة، وليست صفاتُه مُشابِهةً، وأنه يتنَزَّه عن الولد، قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾ [النساء: 171].

﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ [مريم: 88 - 92].

وقوله - تعالى -: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [المائدة: 75].

فقد قرَنَ الله لفْظَ المسيح بكلمة "ابْن مريم"؛ لِيَلفت الأنظار إلى أنَّه ابنُ مريم، لا ابن الله، وبيَّن أن المسيح وأُمَّه كانا يأكلان الطعام، ومَن أكَلَ الطعام تَحوَّل الطعام في جسمه دمًا ولحمًا وعظمًا، ويَنْضح عرقًا، ويُخْرِج فضلاته التي لو بقيَتْ في الجسم لأضرَّته، وكما قال الدكتور عبدالحليم محمود في كتابه "التفكير الفسلفي في الإسلام":
"إن كائنًا مِن هذا النوع لا يُمْكِن إلا أن يكون بشرًا خاضعًا لكلِّ القوانين البشريَّة التي لا تؤدِّي إلى نقص في مرتبته كرَسُول، ويصوِّر القرآن مُحاكمة مقْبِلةً - يوم القيامة - تبرِّئ عيسى مما ألصقه به أتباعُه من التثليث، وتُدِينُهم:
فيقول الله - تعالى -: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 116 - 118].

ويقول نصرانِيٌّ ثالث: أتُنْكِر ألوهيَّةَ المسيح وقد أحيا الموتى، وشفى المَرْضى، وأنبأ بالغيب؟
ج: أعوذ بالله من قولِكم هذا، والقرآن يُعْلِن لكم الحقيقة، ويهديكم إلى سواء السَّبيل، فالله يَذْكُر على لسان عيسى: ﴿ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 49].

فهذه الآيات البيِّنات واضحة الدلالة على أنَّ الخلق وإحياء الْمَوتى هو في الْحَقيقة بيد الله تعالى، وإنَّما جرى على يد المسيح؛ ليكون دليلاً مادِّيًّا قاطعًا على صدق نبُوَّتِه، كما أنَّ إبراءَه للأَكْمه والأبرص في عصْرٍ اشتهر بالتقدُّم في علم الطِّب، مع عجْزِهم عن علاج هذه الأمراض - يَجعل أهل الطبِّ والمشاهدين لحاله يؤمنون به وبرسالته.

كما أنَّ ميلاده من غير أبٍ دليلٌ وآيةٌ على وجود الرُّوح التي شاع في عَصْر مبْعَثِه إنكارُها، فهَكذا كان عيسى ابن مريم؛ مولده ونطقه في المهد، وإنزال الله المائدة لحواريِّيه من السماء؛ ليأكلوا منها، ولتطمئنَّ قلوبُهم بناءَّ على طلبهم، فالله - تعالى - يقول: ﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 112 - 115].

هكذا كانت معجزة عيسى ابن مريم - عليه السَّلام - تتناسب مع عصره وزمانه، كما كانت معجزة محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - تتناسب مع عصره من ناحية، ومع كلِّ عصر من ناحية أخرى؛ لأنَّ القرآن كما قال فيه عليٌّ - رضي الله عنه - مرفوعًا إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هو كتاب الله - تبارك وتعالى - فيه نبَأُ مَن قبْلَكم، وخبَرُ ما بعدكم، وحُكْم ما بينكم، هو الفَصْل ليس بالْهَزل، مَن تركه مِن جبَّارٍ قصمَه الله، ومن ابتغى الْهُدى في غيره أضلَّه الله، هو حبْلُ الله المتين، ونوره المبين، والذِّكْر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الَّذي لا تَزِيغ به الأهواء، ولا تَلْتبس به الألْسِنة، ولا تتشعَّب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يَمَلُّه الأتقياء، ولا يَخْلَق على كثرة الرَّد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنتَهِ الجنُّ إذْ سمعتْه أنْ قالوا: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبٍا ﴾ من علم عِلْمَه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجِر، ومن دعا إليه هُدِي إلى صراط مستقيم)).

صَلْب المسيح:
وسأله سائِلُهم: أتنكر صلب المسيح وقتْلَه فداءً لخطيئة آدم؟
ج: يُذَكِّركم الله بقولكم: ﴿ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴾ [النساء: 157].

والآية صريحة أنَّ عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلَّم - لم يُقتل ولَم يُصْلَب كما زعمتم، ولكن وقع الشبه، فظنوا أنهم صلبوا عيسى، وهم إنَّما صلبوا غيره.

ففي إنجيل برنابا: "إنَّ من وشى بعيسى ألقى الله عليه شبهَ عيسى فقُبِض عليه، وأُرْتِج عليه، وأسكَتَه الله، فنُفِّذ فيه حكم الصلب".

فقد ورد في هذا الإنجيل:
"ولَمَّا دنَتِ الجنود مع يهوذا من المَحِلِّ الذي كان فيه يسوع، سمع يسوع دنُوَّ جمٍّ غفير؛ فلذلك انسحب إلى البيت خائفًا، وكان الأحَدَ عشرَ نِيَامًا، فلما رأى الله الخطرَ على عبدِه، أمر جبريل وميخائيل ورفائل سُفَراءَه أن يَأْخذوا يَسُوع من العالَم، فجاء الملائكة الأَطْهار، وأخذوا يسوع من النَّافذة المشْرِفة على الجنوب، فحملوه ووضعوه في السَّماء الثالثة حيث الملائكةُ التي تُسَبِّح الله إلى الأبد، ودخل يَهُوذا بعنفٍ إلى الغرفة التي صَعِد منها يَسُوع، وكان التلاميذ كلُّهم نيامًا.
فأتى الله العجيب بأمْرٍ عجيب، فتصيَّر يهوذا في النُّطق وفي الوجه، فصار شبيهًا بِيَسوع، حتَّى إنَّنا اعتقَدْنا أنَّه يَسُوع، أما هو فبَعْد أن استيقظ أخذ يُفَتِّش لِيَنظر أين كان المعلِّم؛ لذلك تعجبنا وأجَبْنا: أنت يا سيِّدي معلِّمُنا، أنسيتنا الآن؟".

والله يقول: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ [النساء: 157 - 158].

﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [آل عمران: 55].

ومعظم المفسِّرين يقولون: إن الله رفع عيسى ابنَ مريم بِجِسمه وروحِه.

وجاء في السُّنة الصحيحة أن عيسى سيَنْزل إلى الأرض كإحدى علامات السَّاعة، ويَرْجع في حُكْمه إلى القرآن؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((والذي نفسي بيده، ليوشكن أن يَنْزل فيكم ابن مريم حَكَمًا عدلاً، فيَكْسر الصليب، ويَقتل الخِنْزير، ويضَعُ الجِزْية، ويفيض المال حتَّى لا يَقْبله أحد))، ثُم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شِئْتم: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾ [النساء: 159].

وقولكم: إنَّ المسيح هو الذي يكفِّر عن خطايا العالم، وإنه الوسيط الذي وفَّق بين مَحبَّة الله - تعالى - وبين عدله ورحمته، إذْ إنَّ مقتضى العدل أن الناس كانوا يستمِرُّون في الابتعاد عن الله بسبب ما اقترف أبوهم.

ولكن باقتران العدل بالرحمة، وتوسيط الابن الوحيد، وقَبُوله التَّكفيرَ عن خطايا الخلق - قَرُب الناس من الربِّ بعد الابتعاد، وقد كان التكفير الذي قام به المسيح هو الصَّلب؛ لِهَذا صُلِب، ورضي الله عن صلبه، وهو ابنه"، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

فإن القرآن قصَّ عليكم بالحقِّ قصَّة أبوَيْكما آدم وحوَّاء وخطئِهما، وموقف الله من ندَمِهما وتوبتِهما، فوضع المسألة وضْعَها الصحيح دون تحريف أو تبديل.

فالله - تعالى - يقول: ﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ [الأعراف: 19 - 25].

هكذا فقد أخطأ آدمُ وحواء، وشَعَرا بِمَبلغ ما اقترفا من إثْمٍ في معصيتهما لله، ونَدِمَا أشدَّ الندم فقبل الله التوبة؛ ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37]، وبيَّن لَهم أنَّهم سيمدُّهم بالْهُدى والرَّشاد؛ فمن تَبِع هُدَى الله فلن يقع في الْمَآثِم في الدنيا ولن يَشْقى فيها؛ ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123].

هذا هو الْحقُّ؛ فليس هناك وساطةٌ أو فداءٌ عن الخطيئة، والعدلُ والرَّحمة حقًّا ألاَّ يُسأل إنسانٌ عن ذنبِ غيرِه، وهو المبدأ الذي قرَّره الإسلام ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [فاطر: 18].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

[مع الشكر لمجلة "منار الإسلام" الصادرة من "أبو ظبي"].

إرسال تعليق

Emoticon
:) :)) ;(( :-) =)) ;( ;-( :d :-d @-) :p :o :>) (o) [-( :-? (p) :-s (m) 8-) :-t :-b b-( :-# =p~ $-) (b) (f) x-) (k) (h) (c) cheer
Click to see the code!
To insert emoticon you must added at least one space before the code.

 
Top