0

استيقظ أحرار العالم وشرفاؤه على وقع جريمة نكراء ومذبحةٍ بشعة صبيحة الجمعة 15 مارس، بطلها رجل أشقر انتشل سلاحه الناري من صندوق سيَّارته، ثم اقتحم مسجداً مليئا بالمصلِّين العزَّل بنيوزيلاندا، فاخترق أجسادهم بالرصاص على طريقة ألعاب الفيديو، بكل عداء ووحشية، دون شفقة أو رحمة لا يفرق بين ذكر وأنثى، ولا صغير وكبير.

أصل كل الشرور

إن الإشكال في نظري ليس متعلقا بجريمة يرتكبها مجرم هنا أو هناك، اليوم أو غدا، بل المشكل أساسا مرتبطٌ بمصدرية هذا الحقد المتغلغل في صدور هؤلاء الناقمين على الإسلام والمسلمين، الذين يترجمون أحقادهم إلى مذابح يروح ضحيتها أبرياء.

وأسباب هذا العداء والبغض القاتل متعددة، أبرزُها وأخطرُها هو راية الإسلاموفوبيا التي قام العالم الغربي برفعها تجاه المسلمين، إذ تمَّ تصوير المسلمين في الإعلام الغربي على أنهم شياطين مَردَة، دواعش مجرمون آكلون للحوم البشر مصَّاصون للدماء.

وأُنفقت الأموال الطائلة على زرع هذا الرُّهاب الإعلامي تجاه المسلمين عموما والمهاجرين خصوصا، وقام بتبنِّيه عدد كبير من رؤساء الدول والشخصيات والمؤسسات، حتى غدا من المسلَّمات المستقرة في اللاشعور الغربي، بل في اللاوعي العالمي.

الإرهاب، إسلامي أم إعلامي؟

يستحيل تقريبا أن تسأل أي طفلٍ في العالم اليوم عن الإرهاب فيربطه لك بغير الإسلام، رغم أن ما تم ارتكابه من جرائم من طرف المسلمين كداعش، لا يعدل حتى ربع ما ارتكبته أمريكا من جرائم في العراق، بل وفي العالم العربي والإسلامي وحتى الغربي، مما تذكره دروس التاريخ الذي لا يرحم، بدءاً من إبادة الهنود الحمر، مرورا بضربة هيروشيما وناكازاكي، ووصولا إلى سنة 2015 حيث قامت أمريكا بإلقاء 15 قنبلة على دول إسلامية وعربية جلها [1].

ولا يعدل ما ارتكبته فرنسا في المغرب والجزائر، ولا ما ترتكبه إسرائيل اليوم أمام ناظري العالم، من إلقاءٍ للصواريخ والقنابل فوق رؤوس نساءٍ وفتيات يلعبن فوق الأرجوحة.

ومع ذلك فأمريكا عفيفة طاهرة، ولا أحد ينعت إسرائيل وفرنسا الحنونة بالإرهاب، فقط المسلمون هم الذين تسببوا في هلاك البشرية.

هذا إذا أسلمنا جدلاً أن أفعال داعش محسوبة على الإسلام، وإلا فحتى العجائز أصبحوا يعلمون اليوم أن داعش صناعة غربية.

زرع الإسلاموفوبيا

يذكر رئيس تحرير مجلة “Aslan Media” إيثان لين، أن وسائل الإعلام اليوم تنتهج تشوية الإسلام وإظهاره بصورة سلبية في العالم بأسره [2].

ويذكر المتخصصون أن الأحداث المتعلقة بالمسلمين يتم ربطها مباشرة بالإرهاب والدموية، وكذلك إخراج عناوين مثل (الإسلام العنيف)، (الإرهاب الإسلامي) بينما لا يتم ربط جرائم غير المسلمين بعقائدهم وإيديولوجياتهم، وهذا كان له أثر واضحٌ على أرهَبَةِ الإسلام، وتم ترويج ذلك أيضاً في عدد من الأفلام السينمائية، التي صورت الإسلام على أنه هو تماما داعش والقاعدة [3].

تغذية الإسلاموفوبيا

يذكر مركز التقدم الأمريكي (Center for American Progress) أن سبع مؤسسات خيرية قامت بإنفاق 42.6 مليون دولار بين عامي 2001 و 2009 من أجل تدعيم الخطاب الإسلاموفوبي، ومن أجل زرع رُهاب الإسلام في المجتمع [4].

ونشرت صحيفة الغارديان تقريرا صادرا عن جامعة كاليفورنيا بيركلي ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، أفاد بأنه تم صرف 206 مليون دولار إلى 33 مجموعة هدفها الأساسي هو زرع التحيز والكراهية تجاه الإسلام والمسلمين، في الفترة ما بين 2008 و 2013 [5].

وفي دراسة قام بها جون ريتشاردسون ببريطانيا، خلص إلى أن 85 % من المقالات الإعلامية تسعى لشيطنة المسلمين، واعتبارهم خطرا على المجتمع البريطاني [6].

هذا دون أن نتحدث عن التشويه الممنهج لصورة المسلمين والعرب في مواقع التواصل الاجتماعي [7]، وفي الوسائل الإخبارية والإعلامية والسينمائية عموما، حيث أصبح مصطلح “مسلم” أو “عربي” مرتطبا عندها بشكل مباشر بـ”الإرهاب” [8].

 ماذا زرعنا وماذا نحصد؟

لقد زرعنا أطنانا وقناطير مقنطرة من الحقد والغل والكراهية تجاه المسلمين في العالم، تم التسويق للإسلاموفوبيا بشكل رهيب، من طرف الإعلام ورؤساء العالم والجمعيات والمؤسسات ذات التمويلات الضخمة، واليوم نحن نحصد دماء وأرواح الأبرياء ليس في فلسطين ولا سوريا… وإنما أولئك الذي دخلوا إلى المسجد لا يريدون إلا السلام والصلاة، يستقبلونك بـ(Hello brother)، وتستقبلهم بعيار ناري يخترق أجسادهم ويُيتِّم أطفالهم.

فنحن لا نريد اليوم تضامنكم الزائف رجاءً، لا نريد ورودكم الحمراء فوق قبورنا، لا أن تُطفئوا برج إيفل ساعةً من أجلنا… فقط أوقفوا هذا النفاق.. وأوقفوا إطعام وحش الإسلاموفوبيا الثائر الذي سيَّبتموه علينا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] : Alternet: U.S. Dropped 23,144 Bombs on Muslim-Majority Countries in 2015, (10 Jan 2016)
انظر تفاصيل الخبر هنا.
[2] : Media blamed for promoting Islamophobia
انظر بقية كلامه هنا.
[3] : انظر تفاصيل أكثر عن الإسلاموفوبيا في الإعلام هنا.
[4] : انظر تقرير المركز هنا.
[5] : Funding Islamophobia: $206m went to promoting ‘hatred’ of American Muslims
انظر التقرير كاملا هنا.
[6] : انظر هنا.
[7] : The social network of hate: Inside Facebook’s walls of Islamophobia
انظر هنا.
[8] : Portrayal of Muslims & Islam in talk shows of CNN & Fox News 2007-2009
انظر بحثا في الموضوع هنا.

المصدر مركز يقين

إرسال تعليق

 
Top