ملاحدة بطعم الإيمان
✍️ بقلم: محمد أمين خُلال
في سنة 2011 توفي الكاتب الإلحادي الشهير كريستوفر هيتشنز، أحد أعمدة الإلحاد الجديد (The four hoursman)، وصاحب كتاب (الإله ليس عظيما: الدين وكيف يسمم كل شيء- God is not great: how relegion poisons everything)، وذلك بعد معاناة شديدة مع مرض السرطان...
لكن الملفت للنظر أنه وقبل وفاته كانت له بعض اللقاءات الأخيرة التي صرح فيها بأن أكثر أمر يشمئز منه: هو أنه بعد وفاته سيأتي بعض الناس الذين يقولون بأنه تراجع عن موقفه الإلحادي عندما مَرِض، أو الذين يدعون لروحه بأن ترقد بسلام، وبأن هذا سيكون خزياً له كملحدٍ مات وهو يحارب الخرافة الدينية، ثم بعد موته نقوم بإلصاقها به...
شخصياً لا أركز كثيراً على مصائر الأشخاص غير المسلمين ولا أناقشها، لأن المهم عندي هو مناقشة الفكرة التي كانوا يدعون إليها، ومآل تلك الفكرة ونتائجها وآثارها في واقعنا الفكري والعملي، بغض النظر عن مآل صاحبها نفسه. وهنا أتعجب كثيراً من مواقف بعض الناس تجاه وفاة بعض الرموز التي كانت تخلق جدلاً دينيا، فكريا...
على سبيل المثال، عندما مات الفيزيائي اللاديني ستيفن هاوكينغ (ت2018)، وجدنا من يدعو له بالجنة، ومن يصف من يقوم بتكفيره بالإرهاب والتطرف، علماً أن ستيفن هاوكينغ نفسه كان يرى بأن الجنة خرافة ووهم، ولم يكن يذهب لصلاة الجمعة حتى نحكم له بالإسلام.
وعن نفسي لدي تعاطف خاص مع ستيفن هاوكينغ وأضعه في خانةٍ مختلفةٍ تماماً عن بقية الملاحدة، ولي موقف خاص من فكره الإلحادي، ولكني مع ذلك لا أسمح لنفسي بأن ألبسه ثوباً هو لم يكن يرضى لنفسه أن تلبسه. لا أحكم عليه بالجنة ولا بالنار، ولكن لا أتنازل عن البدهيات الشرعية وأُخرج شخصاً من دائرة فكرية وأضعه في دائرة أخرى هو لم يكن ينتمي إليها.
بتعبير آخر، أتعجب من فئتين من الناس:
أولا: فئة الملاحدة وغير المؤمنين، ومواقفهم العجيبة في موت بعض الرموز المحسوبة عليهم، وكيف يتحولون إلى كائنات رطبةٍ تدعو بالطمأنينة والسلام لجثة هامدةٍ هي من منظور إلحادي مجرد سمادٍ للتراب ووجبة خفيفة لديدان الأرض.
لا يعرف الإلحاد ولا المذهب العلموي شيئا عن الموت سوى النقلة المادية من حالةٍ فيزيائية إلى حالة فيزيائية أخرى، دون أي وجود للسلام أو الروح أو الرحمة، فالملحد الوفي لإلحاده يجب أن يقول عند موت أحد رموزه: جئتَ من الطبيعة وعدتَ إليها، فلترحم المادة دورتك الدموية وخلاياك العصبية، ولتكن سماداً جيدا للأرض ووجبة لذيذة للديدان.
هذا هو الإلحاد على حقيقته؛ ومن باب الأمانة أن نعامل شخصاً كان يؤمن بهذا المذهب اللاديني إلى النتائج الفكرية لهذا المذهب، لا أن يعيش الرجل حياته غيرَ مؤمنٍ، بل ومناهضا للأمور الغيبية والميتافيزيقية، ثم عند مَوَاته نسلخ عنه تلك المبادئ ونحاكمه بثقافة السلام والدعاء والترحم والفراشات الجميلة، وهذا هو عينه ما يقوم به الفريق الثاني: فئة المؤمنين الورديِّين، في ثوبٍ خَرِقٍ من الانبطاح والتنازل العقدي.
أكرر، لا أهتم كثيراً بمصائر الرموز بعد موتها، خصوصا أن المصير من أمور الغيب وليس لأحد أن يخرق حُجُبَ العالم الغيبي إلا وهو ظالمٌ لنفسه مخالف للشريعة، ولكن من العيب في نظري؛ أن نحاكم شخصاً عاش حياته وفق أنموذجٍ فكري معين إلى غير ذلك النموذج، فكيف بنا إذ نحاكمه إلى نقيضه؟
إرسال تعليق