0
الحيــــــــاء
 
وهو أن تخجل النفس من العيب والخطأ. والحياء جزء من الإيمان.
- فعن أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان) (24)
 
- وعن عبد الله بن عباس وأنس بن مالك رضي الله عنهما , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إن لكل دين خلقا ، و خلق الإسلام الحياء .) (25)
 
- وعن أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الإيمان بضع وسبعون شعبة ، فأفضلها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان. )(26)

وخلق الحياء لا يمنع المسلم من أن يقول الحق، أو يطلب العلم، أو يأمر بمعروف، أو ينهي عن منكر. فهذه المواضع لا يكون فيها حياء، وإنما على المسلم أن يفعل كل ذلك بأدب وحكمة، والمسلم يطلب العلم، ولا يستحي من السؤال عما لا يعرف، وكان الصحابة يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن أدق الأمور، فيجيبهم النبي صلى الله عليه وسلم عنها دون خجل أو حياء...
 
حياء الرسول صلى الله عليه وسلم :
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ }الأحزاب53
 
وروي عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الحياء لا يأتي إلا بخير (27)
فصفة الحياء عند النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن صفة طارئة، بل كانت صفة ملازمة له في كل أحيانه وأحواله؛ في ليله ونهاره، وفي سفره وإقامته، وفي بيته ومجتمعه، ومع القريب والبعيد، والصديق والعدو، والعالم والجاهل .
 
1- أول مظاهر حياء النبي وأولاها :
وذلك يتجلى في جانب خالقه سبحانه وتعالى؛ ولهذا لما طلب موسى عليه السلام من نبينا صلى الله عليه وسلم أن يراجع ربه في قضية تخفيف فرض الصلاة، وذلك في ليلة الإسراء والمعراج، قال صلى الله عليه وسلم لموسى: ( استحييت من ربي ) (28)
فبعد أن سأل نبينا ربه عدة مرات أن يخفف عن أمته من عدد الصلوات، إلى أن وصل إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، منع خُلق الحياء نبينا صلى الله عليه وسلم من مراجعة ربه أكثر من ذلك .
 
2- النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً :
 بل أشد حياء من الفتاة في بيت أهلها , وكان إذا كره شيئًا عرفه الصحابة في وجهه.
حيث يروي لنا أبو سعيد الخدري رضى الله عنه فيقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه . (29)
 
3- لا يجرح مشاعر الآخرين :
وكان من حيائه صلى الله عليه وسلم، أنه إذا بلغه عن الرجل أمر غير جيد، أو رأى منه سلوكًا غير قويم، لا يخاطب ذلك الشخص بعينه، ولا يوجه كلامه إليه مباشرة، حياءً منه، ولكي لا يجرح مشاعره أمام الآخرين، بل كان من خلقه وهديه في مثل هذا الموقف أن يوجه كلامه إلى عامة من حوله، من غير أن يقصد أحدًا بعينه، وهذا من حيائه صلى الله عليه وسلم، وتقديره للآخرين أن يجرح مشاعرهم، أو يشهِّر بهم أمام أعين الناس .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا بلغه عن الرجل الشيء ، لم يقل : ما بال فلان يقول ؟ ولكن يقول : ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ! ) (30)
 
4- يغتسل بعيد عن أعين الناس :
نعم فلم تكن الحمامات يومئذ في البيوت، كما هو شأنها اليوم  ولم يكن لأحد أن يراه، وما ذلك إلا من شدة حيائه. أخبرنا بهذا ابن عباس رضي الله عنه، قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من وراء حجرات، وما رأى أحد عورته قط ) ...
 
5- لا يخيب من يقصده بطلب :
ومن صور حيائه ما أخبرنا به أنس بن مالك رضي الله عنه فقال عن النبي صلى الله عليه وسلم :
( كان لا يُسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت ) (31)
 وهذا من طبع الحيي أنه لا يرد سائله، ولا يخيب طالبه وقاصده .
 
6- لا يستحي من الحق :
فلقد كان النساء من الصحابة، يسألن رسول الله عن شؤون دينهن، وقد صح أن الصحابية أم سُليم رضي الله عنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل، إذا هي احتلمت ؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( نعم، إذا رأت الماء ).(32)
فقد علمت رضي الله عنها أن دينها يفرض عليها أن تتعلم أمور دينها، لذلك لم تستحِ من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عما دعت الحاجة إليه، وقدمت لسؤالها بقولها: ( إن الله لا يستحيي من الحق ) حتى تقطع الطريق على من قد يسمع سؤالها، فيتبادر إلى ذهنه أن سؤالها هذا ينافي الحياء ويجافيه . لذلك , فالحياء لا ينبغي أن يكون مانعًا للمسلم أبدًا من أن يتعلم أمور دينه ودنياه؛ فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يسألون رسول الله عن كل ما يعنيهم في أمر دينهم أو دنياهم، حتى ورد في الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم علم صحابته كل شيء، حتى الأمور المتعلقة بقضاء الحاجات؛ كالدخول إلى الحمام بالرجل اليسرى، والخروج منها باليمنى، وعدم استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، وعدم استعمال اليد اليمنى حال إزالة النجاسة، ونحو ذلك من الأمور التي لم تمنع الصحابة من أن يسألوا عنها لتعلقها بعبادتهم ونظافتهم .
 
7- إذا لم تستحي فاصنع ما شئت :
يخبرنا أبو مسعود عقبة بن عمرو أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) (33)
 
أنواع الحياء:

1- الحياء من الله: المسلم يتأدب مع الله سبحانه ويستحيي منه؛ فيشكر نعمة الله، ولا ينكر إحسان الله وفضله عليه، ولا يجاهر بالمعصية، ولا يفعل القبائح والرذائل؛ لأنه يعلم أن الله مُطَّلِعٌ عليه يسمعه ويراه، وقد قال الله تعالى عن الذين يفعلون المعاصي دون حياء منه سبحانه: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ }النساء108

والمسلم الذي يستحي من ربــه إذا فعـل ذنبًا أو معصية، فإنه يخجل من الله خجلا شديدًا، ويعود سريعًا إلى ربه طالبًا منه العفو والغفران. فعن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : استحيوا من الله تعالى حق الحياء ، من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى ، وليحفظ البطن وما حوى ، وليذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء .(34)  

2- الحياء من الرسول صلى الله عليه وسلم:
فالمسلم يستحي من النبي صلى الله عليه وسلم، فيلتزم بسنته، ويحافظ على ما جاء به من تعاليم سمحة، ويتمسك بها.

3- الحياء من الناس , وهذا النوع له عدة أوجه :
 
- المسلم لا ينكر معروفًا صنع معه :
فعن أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من لم يشكر الناس لم يشكر الله ) (35)
 
- المسلم يستحي من الناس، فلا يُقَصِّر في حق وجب لهم عليه، ولا يخاطب الناس بسوء :
فحياء المؤمن يجعله لا يعرف الكلام الفاحش، ولا التصرفات البذيئة، ولا الغلظة ولا الجفاء، إذ إن هذه من صفات أهل النار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء ، والجفاء في النار ) (36)
 
-  المسلم لا يكشف عورته ويغض بصره :
فقد قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله عوراتنا ما نأت منها وما نذر قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قال قلت يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض قال إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها قال قلت يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا قال الله أحق أن يستحيى منه من الناس ) (37)
 
وقال الله تعالى : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور30 , وقال : ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور31
 
ولقد خلَّد القرآن الكريم ذكر امرأة من أهل الحياء ، قال الله عنها:  {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }القصص25 
فهذه الآية تدل على حياء تلك المرأة من وجهين :
الأول: أنها جاءت إليه على استحياء بلا تبختر أو تبذل ولا إغراء .
الثاني: مخاطبتها لموسى عليه السلام بالمختصر المفيد بلا خضوع في القول .
 
بالتالي من حياء المسلم أن يغض بصره عن الحرام، وعن كل منظر مؤذٍ، مما يقتضي غض البصر، ومن الحياء أن تلتزم الفتاة المسلمة في ملابسها بالحجاب، فلا تظهر من جسدها ما حرَّم الله، وتجعل الحياء عنوانًا لها وسلوكًا يدلُّ على طهرها وعفتها، وشعار عفتها دوماً :
زِينَتِي دَوْمـًا حيائـي واحْـتِشَامِي رَأسُ مـَالِي
 
وكان الإمام أحمد بن حنبل يكثر من قول :
إذا ما قال لــي ربي  ... أما استحييت تعصيني
وتخفي الذنب من خلقي ... وبالعصيــان تأتيني
فما قـولي له لــما ... يعاتبنــي ويُقصيني

فضل الحياء :
الحياء له منزلة عظيمة عند الله ، فهو يدعو الإنسان إلى فعل الخير، ويصرفه عن الشر، ومن هنا كان الحياء كله خيرًا وبركة ونفعًا لصاحبه , فعن عمران بن حصين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : الحياء لا يأتي إلا بخير وقال: ( الحياء خير كله ) أو (الحياء كله خير) (39)


 
(24)  صحيح : رواه البخاري 9 .
(25)  صحيح : سلسلة الصحيح للألباني 940 .
(26)  صحيح : صحيح الجامع للألباني 2800 .
(27)  صحيح : رواه مسلم 37 .
(28)  صحيح : رواه البخاري 349 .
(29)  صحيح : رواه البخاري 6102 .
(30)  صحيح : صحيح أبي داود للألباني 4788 .
(31)  صحيح : صحيح الجامع  للإمام الألباني 4854 .
(32)  صحيح : رواه البخاري 282 .
(33)   صحيح : رواه البخاري 6120 .
(34)  حسن : صحيح الجامع للألباني 935 .
(35)  حسن صحيح : سنن الترمذي 1955 .
(36)  حسن صحيح : سنن الترمذي 2009 .
(37)  صحيح : تهذيب السنن لابن القيم 11/56 .
(39)  صحيحان : رواهما مسلم 37 .

إرسال تعليق

 
Top