نشأتُ في أجواء اليابان المتقدمة تكنولوجيًّا، وعشت حياة مسالمة مستقرة،
ونعمت بعائلة عطوفة، وتوافرت لي سبل النجاح في دراستي وعملي، كل الطرق
كانت مفتوحة أمامي لأستمتع بحياة مريحة ومرضية.
كانت عائلتي تدين بالديانة البوذية
مثل كثير من اليابانيين، لكن ارتباطي بالبوذية كان ضعيفًا منذ أيام طفولتي
المبكرة، ولم يكنوالداي يكترثان لإخلاصي لها. مع ذلك ومنذ أيامي المبكرة،
كانت تدور في عقلي أسئلة تتعلق بالكون والوجود والحياة، وقد ظلت هذه
الأسئلة تراودني حتى بلغت سن العشرين، حينما أنهيت دراستي الجامعية وبدأت
أعمل وسط الغيوم مضيفة طيران في الخطوط الجوية اليابانية. أمِلْتُ أن أجد
السلام والهدف من خلال العمل، لكن على العكس من ذلك استمر وجود فراغ في
حياتي، كان هنالك شيء ما مفقودًا ورجوت متحرِّقة أن أكتشف ماهو.
لقد شاء الله، مدبر الأمور، أن أعمل في عام 1988م مترجمة في وفد ياباني
إلى وكالة سياحة في مصر لمدة عام. ومن خلال زملائي الجدد، عرفت الإسلام.
وبعد إكمال عام في لخارج، عدت إلى اليابان وقررت أن أدرس الإسلام لعلِّي
أعثر على إجابات للأسئلة التي لازمتني طوال حياتي.
لم تكن المعلومات التي استخلصتها سابقًا عن الإسلام من المدرسة والتلفاز
محدودة جدًّا وحسب، وإنما كانت مشوَّهة تشويهًا بالغًا. وحالي هي حال معظم
الشعب الياباني الذي يقرأ ويسمع فقط عن العنف الذي تحمله كلمة (مسلم).
حينما عدتُ إلى اليابان، ذهبت إلى (المركز الإسلامي) في طوكيو، وطلبت
نسخة مترجمة من القرآن الكريم إلى اليابانية. وتكررت زيارتي إلى المركز
لثلاث سنوات، حيث درست الإسلام مع باحثين محليين. مع مرور الوقت، ازداد
فَهْمي وإعجابي بالإسلام على نحو رائع. وقدَّم لي هذا الدين البهيُّ إجابات
عن الأسئلة الفلسفية التي كانت تلاحقني لسنوات طويلة.
كان لوضع المرأة في الإسلام
أثر قوي في نفسي؛ فالمرأة المسلمة مصونة ومكرَّمة، ومشاعرها وعقلها
وعفافها كل ذلك محترم أكثر بكثير مما كنت أتخيل سابقًا. بدأت أنفرد بنفسي
وأسأل الله أن يهدني إلى لحقيقة، وأن يعلمني إياها. وشرعت أتأمل العالم
المخلوق لأرى يد الله فيه. تأملت الأشجار والأزهار والطيور والحيوانات،
وتأملت في إبداع الخلْق وفي التوازن المسيِّر لهم.
شعرت أن لله كتابين: كتاب ناطق هو القرآن الكريم، وكتاب صامت اتخذ شكل الكون وعجائبه وجلاله.
وهكذارأيت الله في إبداعه، وهداني قلبي وإحساسي إلى الإسلام. شعرت بنور
الله يملأ قلبي،واجتاحتني سعادة غامرة لمَّا ازداد إيماني وشعرت كما لو أن
الله كان معي في كل لحظة.
وكانت إرادة الله، مدبِّر الكون، أن أعمل مضيفة من خط طيران من وإلى
إندونيسيا لفترةعام. سحرتني أخلاق الشعب الإندونيسي، والتزامه بالقرآن في
حياته اليومية. وساعدني الإندونيسيون الذين صادقتهم في فهم الإسلام بشكل
أفضل وفي تزايد حبي له.
واجهت صعوبات عديدة مع عائلتي، لكني صممتُ على أن أكون مسلمة على الرغم
من كل العقبات التي تعترضني. وشرعت في تأدية الصلوات الخمس في وقتها
المحدد، وبذلت جهدًا كبيرًا في حفظ آيات من القرآن؛ لأتمكن من أداء الصلاة
على الوجه الصحيح.
وفي عام 1991م، سافرت إلى مصر لأعلن جهارًا اعتناقي الإسلام في جامعة الأزهر
الشهيرة. ووجدت عملاً في مصر لأعيش فيها، وبعد فترة قصيرة تزوجت من رجل
مصري مسلم. بقيت في مصر، وبعد فترة أنعم الله عليَّ بطفلة جميلة سميتها
مريم - الاسم المؤنث الوحيد الذي ورد بشكل خاص في القرآن.
الحمدلله، إني أعيش اليوم حياة سعيدة مع ديني الجديد وعائلتي الجديدة
المسلمة، وأبذل كثيرًا من الوقت والجهد في حفظ القرآن، وحينما يسنح الوقت،
نتدارس أنا وزوجي القرآن معًا ونقرأ معًا بعض النصوص الإسلامية. آملُ ذات
يوم أن أُرشد عائلتي إلى الإسلام إن شاء الله قريبًا.
يفتقد الشعب الياباني عمومًا جزءًا كبيرًا من الحياة السعيدة رغم حضارته
المتقدمة تكنولوجيًّا. وأعتقد أن أعدادًا ضخمة منه ستدخل الإسلام إنْ
توفَّر لها الفهم الصحيح. إنه يبحث عن مثل تلك الأجوبة، وما من شك أنه
بحاجة كبيرة إليها.
المصدر: كتاب (هكذا أسلمت) ترجمة وإعداد: هالة صلاح الدين لولو، دار الفكر- دمشق، الطبعةالأولى، 1428هـ/ 2007م.
إرسال تعليق