0

قال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ العنكبوت: 41.

الدلالة النصية:

دلالة النص: هذه الآية اشتملت على مثل ضربه الله لمن ضل سعيه في الدنيا، فاتخذ من دون الله ولياً من بشر ضمناً – والعياذ بالله – بقصد نفح يناله منه أو خبر يدفعه عنه، فخاب وخسئ في ذلك كله لأنه أوى إلى ضعف ووهم وضياع، وكان في ذلك الحسرات، وتلك الخيبة مثل العناكب التي تجهد في صنع بيوتها، ولكن تلك البيوت لا تغنيها ولا تدفع عنها الشدائد والأخطار لوهنها وضعفها المتناهي الذي لا يقيها خطراً ولا يقضي لها وطراً.

وفي هذا قال الشوكاني في فتح القدير ج(4) ص(204): "فإن بيتها لا يغني عنها شيئاً لا في حر ولا قر ولا مطر، كذلك ما اتخذوه ولياً من دونالعنكبوت الله فإنه لا ينفعهم بوجه من وجوه النفع ولا يغني عنهم شيئاً".

الحقيقة العلمية:

كشف العلم الحديث أن خيوط العنكبوت تعد أقوى مادة بيولوجية قد عرفها الإنسان حتى الآن، وتعتبر الخصلات الحريرية التي تكون نسيج العنكبوت أقوى من الفولاذ، ولا يفوقها قوة سوى الكوارتز المصهور، ويتمدد الخيط الرفيع منه إلى خمسة أضعاف طوله قبل أن ينقطع، ولذلك أطلق العلماء عليه اسم "الفولاذ الحيوي" أو "الفولاذ البيولوجي"، وهو أقوى من الفولاذ المعدني العادي بعشرين مرة، وتبلغ قوة احتماله 300 ألف رطل للبوصة المربعة، فإذا قدر جدلا وجود حبل سميك بحجم إصبع الإبهام مكون من خيوط العنكبوت فسيُمْكِنه حَمل طائرة جامبو بكل سهولة، وقد أنتجت مادة تشبه في تركيبها خيط العنكبوت تسمى بالكافلر، ويستعملوها في صنع  القمصان  الواقية من الرصاص، فخيط العنكبوت يصنع بالطريقة نفسها التي تصنع بها الكوابل شديدة الصلابة؛ حيث يتكون الخيط المفرد من عدة خيوط متناهية في الصغر ملتفة حول بعضها البعض، وقد يبلغ سمك الخيط الواحد منها 1 من مليون من البوصة.

وتقوم العنكبوت بجمع الخيوط الناتجة من المغازل الثلاثة معا لتكوين خصلة قوية ومتينة، وتغزل العناكب التي تعيش خارج المنزل نسيجا معروفا باسم الفلك نسبة إلى شكله الدائري، وهو قطعة هندسية رائعة من الخطوط المتناسقة التي تتلألأ بشكل بـهي تحت أشعة الضوء، ولقد توصل العلم الحديث إلى وصف أكثر من 35 ألف نوع من العناكب المختلفة الأحجام والأشكال والألوان والطبائع، ومن دراسة حياة العناكب لاحظ المختصون أن بيت العنكبوت له شكل هندسي مميز، ويقام في مكان مختار بعناية بحيث يتوفر عمل أركان له وزوايا مثل البيت الذي يبنيه الإنسان، وقد لوحظ أن كل خيط من الخيوط المبني منها البيت مكون من أربعة خيوط أدق منه، ويخرج كل خيط من الخيوط الأربعة من قناة خاصة في جسم العنكبوت، وخيوط العنكبوت حريرية رفيعة جداً؛ حتى أن سمك شعرة واحدة من رأس الإنسان يزيد عن سمك خيط نسيج العنكبوت بحوالي 400 مرة، ولا يقتصر بيت العنكبوت على أنه مأوى للسكن والمعيشة، بل هو في نفس الوقت شبكة صيد تقع في بعض حبائلها الحشرات المارة التي يغريها شكلها، فتقع عليها مثل الذباب والبعوض؛ فإذا بها فريسة شهية يتغذى عليها العنكبوت بشراهة.

وجه آخر:

ولكن هذا البيت كما يذكر الدكتور عبدالله الشاوي في ص (182) في كتابه العنكبوت وخيوطها في القرآن الكريم، لأن وجود هذا النسيج المثبت يزيد من كمية الأشعة الفوق البنفسجية المنعكسة جراء تعرض النسيج لأشعة الشمس، وبالتالي يجعل النسيج العنكبوتي مرئياً بشكل أوضح بالنسبة للحشرات والطيور، ولكن المؤكد أن وجود هذه الخاصية في بيوت العنكبوت، وهي انعكاس الأشعة الفوق البنفسجية يدل أعداء العنكبوت من الطيور على مكانها، ويكون سبباً في جعلها فريسة سهلة لهذه الطيور.

وجه آخر:

ويضيف الدكتور عبدالله الشاوي في ص (184) من نفس الكتاب المذكور وجهاً آخر من وجوه الوهن في بيوت العنكبوت، حيث يشير لنا أن هذا البيت لا يستمر طويلاً حتى ينقضي ويذهب إلى بطن العنكبوت نفسه، وذلك لأنه من المثبت علمياً أن العنكبوت تأكل بيتها بشكل شبه يومي، ويوضح لوين هذا الموضع بقوله: "تميل العناكب ذات النسيج الدائري إلى أكل نسيجها القديم قبل بناء نسيج جديد، وتقوم بتدوير 92% إلى 96% من بروتينات النسيج"، ثم يبين الفوارق بين بعض أنواع غازلات النسيج من العناكب إلى أن يصل إلى أحد هذه الأنواع التي يقول عنها: "يظهر أنها تأكل النسيج بكامله قبل أن تبني نسيجاً جديداً"، وفي مرجع آخر: "وبالمناسبة فإن المواد التي تشكل النسيج القديم يتم أكلها من قبل بعض أنواع العناكب ذات النسيج الدائري"، والعديد من المراجع العلمية تورد هذا الأمر على أنه أمر مسلم به "نقول والله أعلم: إن بيت العنكبوت يفترض فيه أن يكون مكاناً تسكن إليه ليحميها من أعدائها من الطيور والحشرات الكبيرة التي تأكل العناكب، ولكن واقع الأمر هو أن هذا البيت ينتهي به الأمر ليصبح هو نفسه طعاماً للعنكبوت"، وبذلك يستبين لنا شدة وهن هذا البيت من وجوه عدة.

وجه الإعجاز:

لقد رأينا بيان الحقيقة العلمية للحال الذي عليه بيت العنكبوت، والذي يوضح لنا أن هذا البيت في شكله وواقع الأمر لا يكن في برد ولا يحمي من حر، وهو مكشوف للأعداء، وآيل للهدم والابتلاع من قبل العنكبوت نفسه.

فلا هو مستقر، ولا هو مقر، وليس فيه مقر، ولذلك كله يستحق هذا الوصف بأنه  أولى الحقائق، فإننا نستدل بذلك على أن الذي وضح هذه الحقيقة إنما هو خالق العنكبوت، ومبدع الكون، وأن الذي بلغنا هذه الآيات الكريمات هو رسول رب العالمين.


Related references:

  1. Hinman, M.B., Jones J.A., and Lewis, R.W. (September 2000). "Synthetic spider silk: a modular fiber" (PDF). Trends in Biotechnology 18 (9): 374–9.

  1. Menassa, R., Zhu, H., Karatzas, C.N., Lazaris, A., Richman, A., and Brandle, J. (June 2004). "Spider dragline silk proteins in transgenic tobacco leaves: accumulation and field production". Plant Biotechnology Journal 2 (5): 431–8.

  1. Davey, G.C.L. (1994). "The “Disgusting” Spider: The Role of Disease and Illness in the Perpetuation of Fear of Spiders". Society and Animals 2 (1): 17–25.

  1. Hillyard PD (1994). The book of the spider: from arachnophobia to the love of spiders. New York: Random House.

  1. Kaston BJ, Kaston E (1953). How to know the spiders : pictured-keys for determining the more common spiders, with suggestions for collecting and studying them (1st ed.). Dubuque, : W. C. Brown Co.

  1. Main, Barbara York (1975). Spiders. London: Collins.

  1. Paquin, Pauline; D. Ubick (2005). Spiders of North America: An Identification Manual. American Arachnological Society.

  1. Wise, David A. (1993). Spiders in ecological webs. Cambridge, UK: Cambridge University Press.

  1. Isbister GK (April 2001). "Spider mythology across the world". Western Journal of Medicine 174 (4): 86–7.

  1. Hannum, C.and Miller, D.M.. "Widow Spiders". Department of Entomology, Virginia Tech. 2008-10-11.

إرسال تعليق

 
Top