0

إن الحمد لله , أحمده سبحانه وتعالى وأستعين به واستهديه واستغفره , واعوذ به من شرور نفسى ومن سيئات أعمالى , وبعد .

يكثر أعداء الاسلام والمنصرون فى الكلام عن تعاليم الاسلام ويتهمونه بالتطرف والارهاب وعدم احترام الاخر من المخالفين له والكافرين به , ويتشدقون بأن تعاليم المسيحيه هى المحبة وأنها تدعوا الى التسامح والتعايش مع الاخرين , وما اسهل الكلام إذا لم يهتم قائله بأن يجد الدليل والبرهان على كلامه هذا ويكتفى بأن يكون مجرد ناقل لآراء الآخرين من أصحاب الأهواء والمدلسين .

وفى هذا الموضوع نعرض تعاليم كل من المسيحيه والاسلام فى التعامل مع المخالف ما لم يكن معاديا ومحاربا , ان كان من ذوى الارحام والاهل او كان من غير ذلك .

 لنرى ماذا كانت تعاليم المسيح فى الانجيل لتلاميذه وكيف كانت توجيهاته لهم ,

متى 4 : 21 – 22

(ثم اجتاز من هناك فرأى اخوين آخرين يعقوب بن زبدي ويوحنا اخاه في السفينة مع زبدي ابيهما يصلحان شباكهما فدعاهما. فللوقت تركا السفينة واباهما وتبعاه)

متى 8 : 21 : 22

(وقال له آخر من تلاميذه يا سيد ائذن لي ان امضي اولا وادفن ابي. فقال له يسوع اتبعني ودع الموتى يدفنون موتاهم) !!!!!!

متى 10 : 34 : 36

(لا تظنوا اني جئت لألقي سلاما على الارض.ما جئت لألقي سلاما بل سيفا. فاني جئت لأفرّق الانسان ضد ابيه والابنة ضد امها والكنة ضد حماتها. واعداء الانسان اهل بيته.)

لوقا 14 : 26

(ان كان احد يأتي اليّ ولا يبغض اباه وامه وامرأته واولاده واخوته واخواته حتى نفسه ايضا فلا يقدر ان يكون لي تلميذا.)

متى 18 : 15 – 17

(وان اخطأ اليك اخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما.ان سمع منك فقد ربحت اخاك. وان لم يسمع فخذ معك ايضا واحدا او اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين او ثلاثة. وان لم يسمع منهم فقل للكنيسة.وان لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار.)

هكذا نرى ان تعاليم المسيح وما ترتب على دعوته لتلاميذه أن يوحنا ويعقوب ابنى زبدى تركا السفينه واباهما وتبعاه (قطع رحم) وحتى انه امر التلميذ الذى اراد ان يدفن والده ثم يتبعه ان يترك اباه ولا يدفنه قائلا (دع الموتى يدفنون موتاهم) , ويعلنها المسيح صراحة أن دعوته ورسالته لم تكن ليلقى سلاما على الارض بل ليلقى سيفا ويفرق بين اهل البيت الواحد ويجعل بينهم العداوة بدلا من المودة , وحتى انه جعل شرط ان يكون له تلميذا هو ان يبغض اهله ونفسه , وان تعامل اخاك اذا اخطأ اليك ولم يقبل نصيحتك كما تعامل الوثنى (الكافر) والعشار , وبالطبع ان تنذر اخاك وتنصحه اذا اساء اليك ولا يقبل فهذا لا يبرر أن يكون عندك كالوثنى والعشار , وربما هذا ما دعى احد تلاميذ المسيح (يوحنا) أن يقول فى رسالته عن كيفية التعامل مع من يأتى بغير تعاليم المسيح ما يلى :

رسالة يوحنا الثانية 1 : 9 – 11

(كل من تعدى ولم يثبت في تعليم المسيح فليس له الله.ومن يثبت في تعليم المسيح فهذا له الآب والابن جميعا. ن كان احد يأتيكم ولا يجيء بهذا التعليم فلا تقبلوه في البيت ولا تقولوا له سلام. لان من يسلم عليه يشترك في اعماله الشريرة)

هكذا نرى أن من يأتى بغير تعاليم المسيح لا تقبله فى بيتك ولا تقول له سلام , لأن من يسلم عليه يشترك فى اعماله الشريرة !!!

ربما يقول احدهم أن العمل للدين وخدمته اهم من الروابط الاسريه لهذا امر المسيح بذلك , وكأن الوالدين والابناء والزوجة ليس لهم حق علي صاحب الدعوة والرساله كغيرهم من الناس , ألا ينبغى على صاحب الدعوة والرساله ان يهتم بأهله ويبرهم عسى الله ان يشرح صدرهم للايمان فينقذهم من غضب الله وعقابه ؟ أم يتركهم هملا ويقاطعه احياءا كانوا او اموات ولا يقوم بحقهم عليه ويهتم بأمر غيرهم من الناس , أهكذا يكون القدوة للناس فى البر بالاهل ؟!

والاعجب فى هذا الامر هو كيف كان يعامل المسيح امه السيده مريم وهى الصدّيقه الطاهرة العفيفه المطيعه لأمر الله عندما اختارها واصطفاها لتحمل فى المسيح بغير اب فى معجزة تحملت بسببها الكثير من المشقة والاتهام بالزنى حتى برأها الله بكلام المسيح فى المهد وما ذكره القرآن عن برائتها ونزاهتها بقرآن يُتلى إلى يوم القيامه .

متى 12 : 46 – 50

(وفيما هو يكلم الجموع اذا امه واخوته قد وقفوا خارجا طالبين ان يكلموه. فقال له واحد هوذا امك واخوتك واقفون خارجا طالبين ان يكلموك. فاجاب وقال للقائل له.من هي امي ومن هم اخوتي. ثم مدّ يده نحو تلاميذه وقال ها امي واخوتي. لان من يصنع مشيئة ابي الذي في السموات هو اخي واختي وامي)

اتعجب فى هذا النص من فعل المسيح الذى كان ينبغى عليه ان يقوم الى امه بكل الاحترام والتبجيل فهى أمه وليست كأى أم وذلك لعظيم قدها وحتى يكون قدوة لتلاميذه واتباعه , نجد أن المسيح يجلس ولا يهتم بأن امه واخوته يريدونه ويشير الى تلاميذه قائلا أن من يعمل إرادة ابى الذى فى السماوات هو امى واخوتى !!

وهل السيدة مريم لا تفعل ارادة الاب الذى فى السماوات ؟ وهل كان على الارض فى ذلك الوقت من هو اكثر طاعة وامتثالا لأمر الله الاب الذى فى السماوات من السيدة مريم ؟؟!!

وإذا تتبعنا الاناجيل لن نجد المسيح فى مرة واحده يخاطب السيده مريم ويناديه ب (أمى أو والدتى) , على الرغم من أن النصارى يؤمنون بأن السيدة مريم هى أم الاله , إلا أن الاله لم يكلف نفسه مرة واحده ليخاطبها بأمى أو والدتى .

يوحنا 2 : 3 – 4

(ولما فرغت الخمر قالت ام يسوع له ليس لهم خمر. قال لها يسوع ما لي ولك يا امرأة.لم تأت ساعتي بعد.)

وقد حاول أحد النصارى تبرير ذلك قائلا أن كلمة يا امرأة تعنى سيدة وهذا من باب التبجيل والاحترام فى اللغه السائده فى ذلك الوقت , وأتعجب من هذا التبرير , حيث أن لو هذه الكلمه تعنى سيدة لماذا لم تترجم فى العربيه هكذا , بل وفى الترجمات الانجليزيه وجميعنا يعلم أن هناك فرق بين كلمتى (lady & woman) نجد أن الكلمة التى استخدمها المسيح فى حواره ونداءه للسيده مريم هى نفسها التى استخدمها مع المرأة الزانيه وهى التى وصف بها المرأة الخاطئه

يوحنا 2 : 3 – 4

(ولما فرغت الخمر قالت ام يسوع له ليس لهم خمر. قال لها يسوع ما لي ولك يا امرأة.لم تأت ساعتي بعد.)

And when the wine failed, the mother of Jesus saith unto him, They have no wine.) And Jesus saith unto her, Woman, what have I to do with thee? mine hour is not yet come.)

يوحنا 8 : 10

(فلما انتصب يسوع ولم ينظر احدا سوى المرأة قال لها يا امرأة اين هم اولئك المشتكون عليك.أما دانك احد.)

(Jesus straightened up and asked her, Woman, where are they? Has no-one condemned you?)

لوقا 7 : 37 – 39

(واذا امرأة في المدينة كانت خاطئة اذ علمت انه متكئ في بيت الفريسي جاءت بقارورة طيب. ووقفت عند قدميه من ورائه باكية وابتدأت تبل قدميه بالدموع وكانت تمسحهما بشعر راسها وتقبل قدميه وتدهنهما بالطيب. فلما رأى الفريسي الذي دعاه ذلك تكلم في نفسه قائلا لو كان هذا نبيا لعلم من هذه المرأة التي تلمسه وما هي.انها خاطئة.)

(When a woman who had lived a sinful life in that town learned that Jesus was eating at the Pharisee’s house, she brought an alabaster jar of perfume),

بعد أن عرضنا هذه التعاليم من الانجيل فى التعامل مع المخالف فى العقيدة أو مع أساء اليك من أخوة أو أقارب , نرى ما هى تعاليم الاسلام فى هذا الجانب فى التعامل مع من خالفك فى العقيدة (ما لم يكن محاربا أو معاديا على الاسلام والمسلمين) وكيف تتعامل مع اهلك واخوانك إن أساؤا اليك ؟

ولن ننسى ابتداءاً أن نبرئ المسيح من سوء معاملته لأمه ومناداتها ب يا امرأة التى اتهمه الانجيل بها , فقد قال الله فى قرآنه وهو أصدق الحديث عن لسان المسيح فى سورة من القرآن هى سورة مريم :

وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً” مريم 32

فهو نبى كريم لا يليق به أن يتلفظ بغير أدب مع أمه وهى الطاهرة الصدّيقه .

فقد أوصى الاسلام وأمر الله سبحانه وتعالى فى القرآن أن يتعامل المسلم مع والديه بكل أدب واحترام وأن يبرهم ويحسن إليهم وإن كانوا كافرين على غير دين الاسلام وحتى إن حاولوا أن يدعوه الى الكفر بالاسلام وجاهدوه على ان يشرك بالله فليس ذلك مبرر لأن يتركهم أو يسيئ معاملتهم , بل على الرغم من هذا يأمر رب العالمين كل مسلم أن يبر والديه وأن يصاحبهما فى الدنيا بالمعروف برغم كفرهم بالله .

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ*وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” لقمان 14 – 15

وقد جاء فى كثير من الاحاديث أن رجالا أتوا الى رسول الله ليستأذنوه فى الجهاد فى سبيل الله وهو من اعظم الاعمال للدين ,وأرادوا الخروج مع رسول الله صل الله عليه وسلم ولكن ما كان من رسول الله إلا أن وجههم أن الجهاد فى سبيل الله والعمل للدين ليس مقدم على بر الوالدين ورعايتهم خاصة إن لم يكن عندهم من يكفلهم ويرعاهم وأن لا تتركهم وتذهب للعمل لدين الله والجهاد فى سبيله إلا برضاهم , وذلك رحمة من رسول الله بالوادلين وحفظا لحقهم فى ولدهم واحتياجهم لمن يرعاهم ويكفلهم فى الكبر , فهذا رسول الاسلام الرحمة المهداة وصدق ربنا حينما قال عنه :

“وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” الانبياء 107

ففى الحديث

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو قال :  جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أجاهد قال ألك أبوان قال نعم قال ففيهما فجاهد قال أبو داود أبو العباس هذا الشاعر اسمه السائب بن فروخ

حدثنا سعيد بن منصور ثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحرث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري :  أن رجلا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال هل لك أحد باليمن قال أبواي قال أذنا لك قال لا قال ارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما

وعن ابن عمرو قال ” جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستأذنه في الجهاد ، فقال : أحي والداك ؟ قال : نعم . قال ففيهما فجاهد ” . رواه البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي .

وكذلك تعاليم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لمن جاءه يشكوا اقاربه الذين يبرهم ويصلهم ويحسن اليهم ولا يجد منهم الا القطيعة والاساءة , فلم يقل له عاملهم كالوثنى والعشار ولم يقل له قاطعهم أو اتركهم , بل قال له ما يثبته على ماهو عليه من البر والصله والاحسان , أن إساءة هؤلاء الاهل عليهم كأنما يسفون المل (التراب) وأن عمل هذا الرجل يجعل له من الله النصير والظهير مادام على ذلك العمل من البر والاحسان لأهله برغم اسائتهم .

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عليهم ويجهلون علي فقال إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك

 رواه مسلم

وفى التعمل مع المشركين من غير ذوى الرحم (من غير المحاربين) يأمر الاسلام أيضا أن نبرهم ونقسط اليهم , ولم يأمرنا بالإساءة اليهم :

” لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” الممتحنة 8

وقد جاءت أسماء بيت ابى بكر تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تصل امها حين قدمت اليها وهى مشركه ؟ قال : نعم .

وقد أمر الاسلام بأن تجير المشرك اذا استجار بك وأن تجعله معك فى أمان حتى يبلغ موضع أمنه .

” وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ” التوبة 6

وقد أمر الله رسوله أن يحتمل أذى المشركين وأن هجرهم أن يهجرهم هجرا جميلا :

” وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً” المزمل 10

هجرًا جميلا وهو الذي لا عتاب معه ولا جزع فيه.

هذا هو الاسلام الذى جاء رسوله كما قال : “إنما بُعثت لأتمم مكارم الاخلاق” ويهدى الناس الى احسن الصفات فكان نعم الاسوة وأفضل قدوة .

” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً” الاحزاب 21

ومهما حاول أعداء الاسلام من نشر الاكاديب والافتراءات لصد الناس عنه ونشر الباطل الذى يعتقدونه فلن يكون من شأنهم الا كما قال الله تعالى :

” يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ” الصف 8 – 9

متى 7 : 3 – 5

(ولماذا تنظر القذى الذي في عين اخيك.واما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. ام كيف تقول لأخيك دعني اخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك. يا مرائي اخرج اولا الخشبة من عينك.وحينئذ تبصر جيدا ان تخرج القذى من عين اخيك.)

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

إرسال تعليق

 
Top