0
هذه الشبهة يتناولها الكثير من النصارى اليوم فى غرف البالتوك وغرف الشات ومقارنة الاديان , حيث يخرج علينا النصارى ويقولون كيف تصفون الهكم ايها المسلمون بانه ماكر والمكر كما هو معروف صفة مذمومة لا تليق بجلال الله وكبريائه اذ تجعله مثله مثل الاشرار الذين يكيدون المكائد ويحيكون المؤامرات ويوقعون الناس فى المصائب بسوء التخطيط والتدبير .


وكعادة كل النصارى الذين لا يستطيعون ان يثبتوا على الدين الاسلامى العظيم شبهة واحدة فأنهم كل ما يفعلونه هو ان يبحثوا فى كتب التفسير عن مثل هذه الاشياء التى تكلم عنها المفسرين قديما وتناولوها بالشرح والتفهيم وعالجوا ما قد يشكل على الناس من فهمها , فيترك النصرانى الضال الجواب ويتمسك بالشبهة ويلقيها على عوام المسلمين الذين قد لا يكون لهم معرفة بالجواب الشافى وفى النهاية يتفاخرون امام هذا المسلم الغلبان ويقولون (أرايت ايها المسلم نحن نعرف دينك ااكثر منك) ظنا منم ان فى صنيعهم هذا قد يزلزلون عقيدة المؤمن او يهزون اركان ايمانه .
وشبهة اليوم (وهى ليست بشبهة )قديمة كما قلت وموجوده فى كتب التفسير ودعونا نتناولها بتأصيل جيد يدحض مزاعم اهل الباطل ويفند أضاليل اهل الكفر.

 اولا:المكر لغة
قال ابن منظور فى لسان العرب قال ابن سيده :المكر لغة هو الخديعة والاحتيال وأصل المكر الخداع "[مكر] م ك ر: المَكْرُ الاحتيال والخديعة وقد مَكَرَ به من باب نصر فهو مَاكِرٌ و مَكَّارٌ"(مختار الصحاح - لأبي بكر الرازي - باب الميم) " المَكْرُ: الخَديعَةُ، وهو ماكرٌ ومَكَّارٌ ومَكُورٌ، والمَغْرَةُ. والمَمْكُورُ: المَصْبوغُ به)القاموس المحيط - للإمام الفيروزآبادي باب الراء - فَصْلُ الميمْ ") قال الزجاج:يقال مكر اليل ,وامكر اذا اظلم ومعنى كلمة مكره هوكلمه مكر تعنى الالتفاف والصفة مشتقة من "شجر ملتف" أسمه (( مكر)). قال الشيخ الشعراوى فى تفسيره:المكر مأخوذ من قولهم شجرة ممكورة , وهذا فى الشجر رفيع الساق المتسلق حين تلتف سيقانه وأغصانه,بعضها على بعض فلا تستطيع ان تميزها, فكل منها ممكور فى الاخر مستتر فيه,وكذلك المكر ان تصنع شيئا تداريه عن الخصم (راجع تفسير الايه 50 لسورة النحل) وقال ايضا:إن كلمة مكر مأخوذه من الشجر,فساعة أن ترى الشجرة التى لا تلتف أغصانها على بعضها ,فإن الانسان يستطيع ان يحكم ان ورقة ما هى من فرع ما,ولكن هناك نوع من الاشجار تكون فروعه ملفوفه على بعضها بحيث لا يستطيع الانسان ان يعرف أى ورقة من أى فرع هى,ومن هذا المعنى أخذنا كلمة (مكر),فالرجل الذى يلف ويدور هو الذى يمكر(راجع تفسير الاية 54 لسورة العمران).
قال الفيروزأبادي: (المكر: صرف الغير عما يقصده بنوع من الحيلة… والمكر ضربان: محمود؛ وهو ما يتحرى به أمر جميل، وعلى ذلك قوله تعالى: "والله خير الماكرين"
ومذموم؛ وهو ما يتحرى به فعل ذميم، نحو قوله تعالى: "ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله"


قال الفخر الرازى:اصل المكر فى اللغة السعى بالفساد فى خفية ومداجاة,وقيل اصله اجتماع الامر واحكامه ,ومنه امرأة ممكورة أى مجتمعة الخلق,وإحكام الرأى يقال له الاجماع والجمع (قال الله:فأجمعوا امركم وشركاؤكم ......يونس 71)فلما كان المكر رأيا محكما قويا مصونا عن جهات النقص والفتور, لا جرم سمى مكرا(راجع تفسيرالاية 54 سورة العمران للفخر الرازى).



قال صحاب الظلال(المكر التدبير ليسخر من مكرهم وكيدهم إذا كان الذى يواجه هو تدبير الله ,فأين هم من الله,وأين مكرهم من تدبير الله؟.(راجع ظلال القرءان تفسيرالاية 54 العمران).

قال صاحب تفسير المنار:المكر هو التدبير الخفى لايصال مكروه الى الممكور به من حيث لا يحتسب ،ووقاية الممكور له كذلك.(الشيخ رشيد رضا تفسير اية 30 الانفال).

قال ابن كثير :المكر هو بأس الله ونقمته وقدرته عليهم وأخذه اياهم فى حال سهوهم وغفلتهم(تفسر ابن كثير اية 99 الاعراف)




ثانيا:ايات المكر فى القرءان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
:{وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} الأنفال : 30
:{ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون } النمل 50
وقال تعالى { ومكرواً ومكر الله والله خير الماكرين } آل عمران : 54
:(أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) الاعراف 50
:(ومكروا مكرا كبارا) نوح 22
:( وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد 42



ثالثا :عرض الشبهة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كيف تصفون الهكم ايها المسلمون بانه ماكر والمكر كما هو معروف صفة مذمومة لا تليق بجلال الله وكبريائه اذ تجعله مثله مثل الاشرار الذين يكيدون المكائد ويحيكون المؤامرات ويوقعون الناس فى المصائب بسوء التخطيط والتدبير



رابعا:الرد على الشبهه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما قلت انفا ان المفسرين المسلمين هم من قاموا بعرضها وهم من قاموا ايضا بالرد عليها وتفنيد جوانبها. فالمكر كما قلنا هو التدبير فى الخفاء دون ان يراك احد من الناس او يستطلع امرك ,وهذا المكر ليس شرا فى حد ذاته بل يتم تصنيف المكر بأنه مكر فاسد او مكر صالح بتحديد الغاية من ورائه فكلمة المكر فى نفسها ليست مما يذم أو يستقبح ولكن دأب الناس على استخدام المكر فى الصنائع الشريرة والاعمال التى تكيد بالناس وتوقعهم فى البلايا والمشكلات ,هى التى جعلت الناس يعتقدون كلمة المكر على عمومها وإطلاقها كلمة خبيثة لا يأتى من وراءها خير. وقد اكد الشيخ الشعراوى على هذا المعنى فقال ( نعلم أن المكر لا يمدح ولا يذم لذاته,إنما بالغاية من وراءه, كما فى قوله تعالى عن الظن :يأيها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن.........الحجرات 12 ,فالظن منه الخير ومنه السيء) ,قلت وكما هو معلوم انك حينما تقول هذا الشخص يظن فى انسان ما ظنا فإنك تؤله مباشرة بالظن السيء لأن الناس اعتادوا ان يكون الظن فى الشر ولكن قد يكون الظن ايضا فى الخير فمثلا انا اظن فى فلان انه صادق وامين وهذا من الظن الحسن بالرغم ان كلمة الظن وحدها تفيد الظن السيء والحق ان الله سبحانه وتعالى قد فصل هذا الامر وبينه فى الايه الكريمة التى تقول:{وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} الأنفال : 30 فالناظر الى الايه يجدها تتحدث عن نوعين من المكر المكر الاول وهو المكر المشهور بين الناس وهو المكر الشرير الذى حاول فيه كفار قريش ان يدبرون لقتل النبى المكر الثانى وهو مكر الله لهؤلاء الكفار وذلك بإحباط تدبيرهم وإفشال مخططاتهم وهو لا شك مكر خيري اذ نجى به الله نبيه من الوقوع فى يد الكفار او قتله حينما اجتمع الكفار فى دار الندوة وعزموا على ان تقوم كل قبيلة من قبائل العرب بتقديم اقوى شبابها كى يجتمعوا على قتل النبى فيتفرق دم النبى بين القبائل وترضى قريش راغمة بالديه . ااذن فالمكر فى ذاته لا يكون خيرا او شرا إلا بمعرفة الغايه من ورائه ,وقد اكد القرءان الكريم هذه الحقيقة فى الاية الكريمة التى تقول({ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} فاطر: 43
فهذا القرءان يشهد ان هناك نوعين من المكر ,احدهما فى الخير مثل مكر الله تعالى بالكافرين لان الله وصف مكره اى تدبيره بانه خير الماكرين ,ومكر سيء وهو لا شك المكر الشرير الذى يقصد منه الايذاء والضرر. قال الإمام محمد رشيد رضا:الغالب فى عادات البشر أن يكون المكر فيما يسوء و يذم من الكذب والحيل ,ولذلك تأول المفسرون ما اسند الى الله تعالى منه فقالوا فقالوا فى مثل هاتين الايتين الانفال 30,والعمران54 انه اسند الى الله تعالى من باب المشاكله بتسمية تخييب سعيهم فى مكرهم او مجازاتهم عليه بأسمه ,والحق ان المكر منه الخير والشر والحسن والسيء كما قال تعالى (استكبارا فى الارض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله .....فاطر 43) ومن الدعاء المرفوع الى النبى(وأمكر لى ولا تمكر على) اخرجه ابو داود فى الوتر باب 25 ,والترمذى فى الدعاء باب 102 وابن ماجه فى الدعاء باب2 ,واحمد فى مسنده (راجع تفسير المنار ايه 54 العمران) . ولكن كيف يكون مكر الله تعالى فى الخير؟
ولقد اجاب المفسرين ايضا عن هذا السؤال فقال الرازى: ان مكر الله بالكافرين فيه وجوه احدها ان يكون المراد أقوى الماكرين فوضع (خير) موضع أقوى وأشد لينبه بذلك على ان كل مكر فهو يبطل فى مقابلة فعل الله تعالى ,وثانيها ان يكون المراد خير الماكرين لو قدر فى مكرهم ما يكون خيرا أو حسنا(راجع تفسير الرازى ايه 30 الانفال).وقد اكد الرازى هذا المعنى ايضا فقال: ان المراد ياتيهم عذابه من حيث لا يشعرون ....وسمى هذا العذاب مكرا لأن الواحد منا اذا اراد المكر بصاحبه فإنه يوقعه فى البلاء من حيث لا يشعر به ,فسمى العذاب مكرا لنزوله بهم من حيث لا يشعرون(تفسر الرازى ايه 99 الاعراف) فكأن مكر الله لا يستخدم إلا فى رد البلاء ودفع الضرر عن المؤمنين الذين يمكر بهم فئة معينة من الاشرار,وهو لا شك مكر خيري بل هو مكر مطلوب من الناس جميعا ان تنتهجه ما دامت غايته درء المفاسد واستجلاب المصالح ومنع الشر.



خامسا:لماذا مكر الله فى الخفاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سألنى المحاور النصرانى وقال( اذا كان المكر هو التدبير فى خفيه لانهم يحيكون شرا فلماذا يكون مكر الله فى الخفاء مع انه يحيك خيرا؟) وسألنى ايضا وقال لى(انت تدعى ان الانسان يجب ان يكون ماكرا فى الخير من أجل الاحتياط وتدبير شئونه ,وكأن المكر صفة ممدوحه ,فما هو مضاد المكر الذى ان اتصف بيه الانسان اصبح شيءا معيبا او مشينا؟) ولقد ظن هذا النصرانى انه اوقعنى فى حبائل الهلاك والاستسلام بهذين السؤالين ولكن كانت اجابتى كالتالى: إجابة السؤال الاول:قلت له من الجيد انك ذكرت ان المكر هو التدبير فى خفية وأنت تستنكر ان يكون تدبير الله الخيرى للناس يكون فى خفيه مثل تدبير الاشرارولكنك غفلت شيئا مهما هو ان الاشرار يتعمدون إخفاء مكرهم وتدبيرهم السىء حتى لا يفتضح أمرهم ,وتنكشف نواياهم مما قد يتسبب فى إبطال مخططاتهم وفشلها,أما الله فمن الطبيعى ان يكون تدبيره لعباده المؤمنين فى الخفاء لان تدبيره يكون من فوق سبع سماوات ولا يتسنى لاحد ان يرى الله او تدبير الله لاننا محجوبون عنه فى الدنيا فكيف تستطيع ان ترى الله اصلا فى الدنيا فضلا عن ان ترى تدبيره وانتم تقولون فى الانجيل(الاب الذى نفسه يشهد لى لم تسمعوا صوته قط ولا رؤيته....يوحنا 37:5) فلا احد يستطيع ان يرى الله ولا تدبيره ولكنه بقوته ومشيئته يحقق تدبيره على الارض فى انقاذ المؤمنين وخلاصهم من شرور الماكرين. إجابة السؤال الثانى:وهو ان كان المكر الخير صفة حميدة فما هو المضاد الذى ان لم يكن الانسان فيه ماكرا اصبح يتصف بشيء معيب او مسين,وكانت اجابتى عليه فوريه وقلت الله ان مضاد المكر الخيري هو السذاجه,فلو انك عجزت ان تدبر امورك وتدير شئونك وتهتم بأحاولك ,وترد الشر عن نفسك او ترى الشر يحاك ضدك وتقف بلا مبالاة او تصرف ,فهذا لا شك هو قمة السذاجة والتغفل ,وقد نهانا الله ان نكون من هؤلاء الناس فقال(والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوىً لهم( اية 12 سورة محمد,كما روى الترمذى عن النبى انه قال:قال رسول الله صلى الله عليه و سلم"لا يكن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم، فإن أحسن الناس أن تحسنوا ، فإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم. فهذا النبى يأمرنا ان نحاول قدر جهدنا فى تجنب الاساءة وإلا اصبح الامر من السذاجة وعدم الفطنه, كما ورد فى الاثر المؤمن كيس فطن.وعن ابن المسيب عنأبي هريرة عن النبي–صلى الله عليه وسلم–قال : " لا يُلْدَغُ المؤمن من جحرٍ واحدٍمرتين والمقصود-كما يقول ابن حجر في شرحه، ونقله أغلب شراح الحديث- : ( ليكن المؤمنحازماً حذراً، لا يؤتى من ناحية الغفلة فَيُخْدَعُ مرة بعد أخر(. سادسا:إذا كان الله يمكر بالخير فهل الله ماكر؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
يخطيء من يظن ان وصف الله تعالى لمكره وتدبيره بأنه خير الماكرين ان هذا يعد دليل على ان الله ماكر ,فكأن من يمكر فهو ماكر وهذا خلط فاسد وسوء فهم لقواعد اللغة واصولها ,فهناك فرقا كبيرا بين الفعل وبين إكتساب صفة الفعل ولا يشترط لقيامك بالفعل ان تكتسب صفته فمثلا حينما يلعب الانسان مباراة ما فهل اصبح لاعب؟,وهل حينما يغنى انسان ما اغنية ما اصبح مغنى؟, وهل حينما يكتب التلميذ واجباته الصفية اصبح كاتب؟,وهل حينما يعلم الانسان معلومة ما اصبح عالم؟ وقد شرح الشيخ الشعراوى هذا المعنى كاملا فقال: انك ساعة تجد صفة تستبعد ان يوصف بها الله فأعلم انها ...ليست من اسماء الله الحسنى.إن المؤمنين بإمكانهم ان يقولوا للكافرين :إنكم ان اردتم ان تبيتوا لنا ,فإن الله قادر أن يقلب المكر عليكم .اما اسماء الله وصفاته فهى توقييفية ,نزل بها جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم .لكن اذا وجد فعل للهلا يصح ان نشتق نحن منه وصفا ونجعله اسما لله. (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) فليس من اسماء الله مخادع أو ماكر, إياك ان تقول هذا لان اسماء الله وصفاته توقيفية ,وجاء القول هنا بمكر الله كمقابل لفعل من البشر, ليدلهم انهم لا يستطيعون ان يخدعوا الله ,ولا يستطيعون ان يمكروا بالله(راجع تفسير الشعراواى اية 54 العمران)



سابعا:مكر الله مشاكله مجازيه ام حقيقه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
إعتقد البعض ان الله حينما يصف تدبيره وتصريفه وانقاذه لعباده المؤمنين بكلمة مكر بأن هذا يعد من المشاكله اللفظية او المجاز اللغوى الذى لا تخلو منه بعض ايات القرءان الكريم كقوله تعالى: : ﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ (الشورى: 40)، فسمى عقوبة السيئة وقصاصها سيئة؛ مع أنها ليست سيئة على الحقيقة، بل هي عدل وحق، فالمعنى: وجزاء سيئة عقوبةٌ، واستخدمت كلمة سيئة للمشاكلة اللفظية، وليس المراد منها معنى السوء حقيقة. ولكن حقيقة فان الله حينما يصف تدبيره بأنه مكرا فلا داعى ان نصرف ذلك على سبيل المشاكله المجازيه لان هذا الوصف ليس فيه ما يقلل من مقام الالوهية فى شيء او ينتقص منها فقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية فى هذا الامر:)وكذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن، كلفظ ”المكر والاستهزاء والسخرية“ المضاف إلى الله، وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز، وليس كذلك؛ بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلماً له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله كانت عدلاً ..........راجع الفتاوى الجزء 7 باب الايمان),وقال ابن القيم:بل تسمية ذلك حقيقة على بابه؛ فإن المكر: إيصال الشيء إلى الغير بطريق خفي، وكذلك الكيد والمخادعة، ولكنه نوعان: قبيح وهو إيصال ذلك عمن لا يستحقه، وحسن وهو إيصاله إلى مستحقه عقوبة له، فالأول مذموم والثاني ممدوح، والرب إنما يفعل من ذلك ما يحمد عليه عدلاً منه وحكمة.........اعلام الموقعين جزء 3/217)وفى مختصر الصواعق المرسله لابن القيم:لما كان غالب استعمال هذه الألفاظ في المعاني المذمومة ظن المعطلون أن ذلك هو حقيقتها، فإذا أطلقت لغير الذم كانت مجازاً. والحق خلاف هذا الظن، وأنها منقسمة إلى محمود ومذموم، فما كان منها متضمناً للكذب والظلم فهو مذموم، وما كان منها بحق وعدل ومجازاة على القبيح فهو حسن ممدوح، فإن المخادع إذا خادع بباطل وظلم، حسن من المجازي له أن يخدعه بحق وعدل، وكذلك إذا مكر واستهزأ ظالماً متعدياً، كان المكر به والاستهزاء عدلاً حسناً…) ثم قال: (فعلم أنه لا يجوز ذم هذه الأفعال على الإطلاق،كما لا تمدح على الإطلاق، والمكر والكيد والخداع لا يذم من جهة العلم ولا من جهة القدرة، فإن العلم والقدرة من صفات الكمال؛ وإنما يذم ذلك من جهة سوء القصد وفساد الإرادة، وهو أن الماكر المخادع يجور ويظلم بفعل ما ليس له فعله أو ترك ما يجب عليه فعله)، ثم قال: (والمقصود أن الله سبحانه لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع إلاعلى وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق، وقد علم أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق، فكيف من الخالق سبحانه)



ثامنا:من فمك ادينك ايها النصرانى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
اخيرا جدير بنا فى هذا الفصل الاخير ان نعرض على النصارى شبهة من جنس شبهتهم ونثبت لهم ان المكر فى الكتاب المقدس هو من صنيع الانبياء الذين هم من المفترض انهم اكثر الناس قربا الى الله واخلصهم ايمانا وكيف ان نبى الله يعقوب قد مكر على اخيه عيسيو بل واستعمى ابيه اسحق وكذب عليه: 19فقال يعقوب لابيه انا عيسو بكرك . قد فعلت كما كلمتني . قم اجلس وكل من صيدي لكي تباركني نفسك .20 فقال اسحق لابنه ما هذا الذي اسرعت لتجد يا ابني . فقال ان الرب الهك قد يسّر لي .21 فقال اسحق ليعقوب تقدم لاجسّك يا ابني . أأنت هو ابني عيسو ام لا .22 فتقدم يعقوب الى اسحق ابيه . فجسّه وقال الصوت صوت يعقوب ولكن اليدين يدا عيسو .23 ولم يعرفه لان يديه كانتا مشعرتين كيدي عيسو اخيه . فباركه .24 وقال هل انت هو ابني عيسو . فقال انا هو .25 فقال قدم لي لآكل من صيد ابني حتى تباركك نفسي . فقدّم له فاكل . واحضر له خمرا فشرب .26 فقال له اسحق ابوه تقدم وقبّلني يا ابني .27 فتقدم وقبّله . فشم رائحة ثيابه وباركه . وقال انظر . رائحة ابني كرائحة حقل قد باركه الرب .28 فليعطك الله من ندى السماء . ومن دسم الارض . وكثرة حنطة وخمر .29 ليستعبد لك شعوب . وتسجد لك قبائل . كن سيدا لاخوتك . وليسجد لك بنو امك . ليكن لاعنوك ملعونين . ومباركوك مباركين .30 وحدث عندما فرغ اسحق من بركة يعقوب ويعقوب قد خرج من لدن اسحق ابيه ان عيسو اخاه أتى من صيده .31 فصنع هو ايضا اطعمة ودخل بها الى ابيه وقال لابيه ليقم ابي وياكل من صيد ابنه حتى تباركني نفسك .32 فقال له اسحق ابوه من انت . فقال انا ابنك بكرك عيسو .33 فارتعد اسحق ارتعادا عظيما جدا . وقال فمن هو الذي اصطاد صيدا وأتى به اليّ فاكلت من الكل قبل ان تجيء وباركته . نعم ويكون مباركا .34 فعندما سمع عيسو كلام ابيه صرخ صرخة عظيمة ومرة جدا . وقال لابيه باركني انا ايضا يا ابي .35 فقال قد جاء اخوك بمكر واخذ بركتك(التكوين اصحاح 27 ) ولنحظ الفقرة الاخيرة مرة ثانية وهى التى تقول(فقال قد جاء اخوك بمكر واخذ بركتك) هنا اثبتنا ان المكر استغله النبى يعقوب للايقاع باخيه عيسو وكان الممكور به والمغدور هو نبيا ايضا وهو اسحق فأين روح الله القدس التى لا ترضى بالظلم من تنبيهها لاسحق قبل ان يمكر به يعقوب ويغدر به؟ ام ان النبوة عند النصارى يجوز اقتنائها بالمكر والحايل بل والكذب ايضا كما كذب يعقوب على ابيه؟



أما اذا اردنا ان نثبت من الكتاب المقدس ان هناك الفاظا اذا اطقت على عمومها واطلاقها تفيد الشر والتنكيل ولكن حينما نتحدث عن الغاية من ورائها فانها تفيد التبجيل والتعظيم والفداء, فهى كثيرة ولا حصر لها ويكفينا ان نستشهد بكلمتين فقط فى الكتاب المقدس فى هذا المقام اما الكلمة الاولى فهى كلمة المعلق على الصليب التى كانت فى القديم ترمز للعنه كما جاء فى سفر التثنية:فلا تبت جثته على الخشبه بل تدفنه فى ذلك اليوم لان المعلق ملعون من الله........تثنية 23:21 )وقد اكد بولس هذا الكلام فى رسالته لاهل غلاطيه فقال عن يسوع بعد ان صلب:اذ صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبه .......غلاطيه 13:3) وبقدرة قادر اصبحت كلمة المصلوب المعلق تعنى عند النصارى التضحية والفداء والخلاص ......وهو نفس المنطق الذى يدينونا به اذ ان المكر كما قلنا تتحدد خيريته او شروره بناء على الغاية المقصوده من ورائه مثلما ان كلمة المعلق المصلوب تمثل اللعنه الا انها عند يسوع تعنى الفداء لان غاية الصلب كانت التضحية والخلاص. واذا أردنا ان نتهكم عليكم بكلمة ( المعلق ) فليس أسهل علينا من ان نقول وهل الهكم ايها النصارى مثل الشماعة التى نعلقها على الجدران من اجل ان تمسك الملابس من السقوط؟



أما الكلمة الثانية فهى كلمة مسحوق وهى على عمومها واطلاقها تعنى الهلاك التام بحيث لا يتبقى من عظامك ذرة رماد ,لو قلت لشخص سوف اسحقك من على ظهر الدنيا فكانك تقصد انك سوف ستقضى عليه تماما بكل الم وتعذيب,ولكن هذه الكلمة كلمة مسحوق تحولت بقدرة قادر عند النصارى ايضا الى رمز للفداء والتضحية كما يقول سفر اشعياء فى نبؤته المزعومه عن يسوع: وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل آثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا (اشعياء5:53). فلماذا الكيل بمكيالين ايها النصارى وكتابكم قد قال لا تدينو كى لا تدانوا؟. وإذا اردنا ان نتهكم عليكم بكلمة مسحوق ايها النصارى , فليس هناك اقل من ان نقول عن الهكم المسحوق ..من اى انواع المساحيق هو ؟
هل مسحوق الغسيل برسيل ام مسحوق تجميل الوجه إيفا لتبييض البشرة؟
هل اذا تكلمنا معكم بهذا الاسلوب سوف تكفون عن الاستهزاء بوصف الله بأنه كالثعلب المكار؟ أم أنه يجدر أن نعرف حقيقة المعنى المصروف اليه اللفظ؟

ثم اذا كنتم تريدون حقا ان تعرفوا ان من صفات الهكم المكر والخديعة والإيقاع فى حبائل الافخاخ ونصب المصائد للإيقاع بالأعداء كالفرائس , فأليكم هذه النصوص القاطعة الملجمة لكل لسان , المفحمة لكل حاقد:
_24قَدْ نَصَبْتُ لَكِ شَرَكاً فَعَلِقْتِ يَا بَابِلُ وَأَنْتِ لَمْ تَعْرِفِي! قَدْ وُجِدْتِ وَأُمْسِكْتِ لأَنَّكِ قَدْ خَاصَمْتِ الرَّبَّ. أرميا 50



_ 13 وَأَبْسُطُ شَبَكَتِي عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ فِي شَرَكِي وَآتِي بِهِ إِلَى بَابِلَ إِلَى أَرْضِ الْكِلْدَانِيِّينَ, وَلَكِنْ لاَ يَرَاهَا وَهُنَاكَ يَمُوتُ.حزقيال 12

_ 43خَوْفٌ وَ حُفْرَةٌ وَ فَخٌّ عَلَيْكَ يَا سَاكِنَ مُوآبَ يَقُولُ الرَّبُّ. 44الَّذِي يَهْرُبُ مِنْ وَجْهِ الْخَوْفِ يَسْقُطُ فِي الْحُفْرَةِ وَ الَّذِي يَصْعَدُ مِنَ الْحُفْرَةِ يَعْلَقُ فِي الْفَخِّ لأَنِّي أَجْلِبُ عَلَى مُوآبَ سَنَةَ عِقَابِهِمْ يَقُولُ الرَّبُّ. أرميا 48

_ 10الرَّبُّ أَبْطَلَ مُؤَامَرَةَ الأُمَمِ. لاَشَى أَفْكَارَ الشُّعُوبِ. 11أَمَّا مُؤَامَرَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الأَبَدِ تَثْبُتُ. مزمور 33/10-

اخوكم فى الله مجد الاسلام عبداوى

إرسال تعليق

 
Top