الحمد لله له المَلِك، ﴿ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40]، ﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم: 31 - 32].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * إِلَيْهِ
مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ
ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ
أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾ [يونس: 3 - 4].
وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، المخاطب بقول الحق: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ *
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ
زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [الزمر: 2 - 3].
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه: ﴿ الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ
مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ
الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ
إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا
بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ
مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].
أما بعد:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا
تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 21- 22].
﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 17].
وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ﴿ وَجَاهِدُوا
فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا
عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ
وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ
الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الحج: 78].
أيُّها المسلمون:
إن أساس الدِّين هو إخلاص القصد في
الأقوال والأعمال، والدعوات والنفقات والأحوال لله رب العالمين؛ بأن يبتغي
المرء بما يفعل أو يترك من هذه الأُمور وجهَ الله، ولا يلتفت قلبُه فيها
إلى أحدٍ سواه كائنًا من كان، وفي أيِّ زمان أو مكان، فحقيقة التوحيد إفراد
الله - تعالى - بالعبادة، وترْك الشِّرك به، والبراءة من الشِّرك وأهله،
وهذا هو الدِّين الذي بعث الله به جميع المرسلين.
قال - تعالى -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: ٢٥]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: ٣٦]، وأخبر - سبحانه - أن أولئك المرسلين خاطبوا أممَهم مبلِّغين وناصحين قائلين: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: ٦٥].
فكلُّ الرسل إلى جميع الأُمم من العرب
والعجم، بُعِثوا بدعوة الناس إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله، ومعناها: لا
معبود بحق في الوجود إلا الله، وتحقيقها ألاَّ يعبد إلا الله، وأن يكفر بكل
معبودٍ سواه، فلا إله إلا الله هي أساس الدين، وتحقيقها أوَّل واجب على
المكلفين؛ فإنها كلمة الإِخلاص، وتحققها للمرء من النار خلاص، وهي الركن
الأول للإِسلام، وعليها تبنى عبادة الأنام، فمن قالها عارفًا بمعناها،
عاملاً بمقتضاها، فهو المقبول عند الله، ومن قالها وجهل معناها أو لم يعمل
بمقتضاها، فإنه الخاسر الذي خسر دنياه وأخراه.
أيها المسلمون:
إن هذه الكلمة هي أصل الدين، والفُرقان
بين المؤمنين الموحِّدين والكافرين المشركين، وهي كلمة التقوى، والعروة
الوُثقى، والشجرة الطيِّبة التي أصلها ثابتٌ في القلوب وفرعُها في السماء،
تؤتي أُكُلها من الكلم الطيب والعمل الصالح كلَّ حين بإذن ربها، فهنيئًا
لِمَن ثبَّتها الله في قلبه، وذلَّل بها لسانه، واستعمل بها جوارحه
وأركانه، فصلَحتْ بها سريرتُه، وجملتْ بها سِيرته، فسُدِّدت بها أقواله،
وحسُنت بها أحواله؛ إذ زيَّنه الله بزينة التقوى، وثبَّته على الاستمساك
بالعروة الوثقى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا
يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: ٢٧].
أيها المسلمون:
إنَّ تحقيق لا إله إلا الله، هو إفراده -
سبحانه - بجميع العبادات، وتخصيصه - تعالى - بالقصد والإِرادات، ونفيها
عمَّا سواه من المعبودات، التي نفَتْها لا إله إلا الله عن سائر المخلوقات،
وذلك هو الكفر بالطاغوت والإِيمان بالله، الذي لا يُبقي في القلب شيئًا
لغير الله، ولا إرادة لما حرَّم الله، ولا كراهة لما أمر به الله، هذا هو
واللهِ حقيقة لا إله إلا الله، وأمَّا من قالها بلسانه، ونقضها بفعاله، فلا
ينفعه قول لا إله إلا الله، إنَّ مَن صرَف لغير الله شيئًا من العبادات،
أو أَشرَك به أحدًا من المخلوقات، فإنَّه كافر بالله ولو نطق ألف مرة بلا
إله الله.
قيل للحسن البصري - رحمه الله -: إن
أُناسًا يقولون: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: من قالها وأدَّى
حقَّها وفرضها، أدخلتْه الجنة لا إله إلا الله.
وقال وهب بن منبه لِمَن قال له: أليس
مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، لكن ما من مفتاحٍ إلا وله أسنان،
فإن جئتَ بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك؛ لأنك في الحقيقة لم
تقل: لا إله إلا الله، يعني بأسنانها: العلم بمعناها، والعمل بمقتضاها،
وترك ما يضادُّها ويخل بها وينافيها.
فيا أيها المسلمون:
لا تظنُّوا أمور الشرك منكم بعيدة؛ فإنَّ كثيرًا من الناس وقعوا فيه في مهاوٍ شديدة تقدح في لا إله إلا الله.
أين مَن وحَّد الله بالحب والخوف والرجاء والعبادة؟
أين مَن خصَّه - سبحانه - بالذلِّ والخضوع والتعظيم وإخلاص القصد والإِرادة؟
أين مَن أفرده - تعالى - بالتوكُّل، وفوَّض إليه في الحقيقة أمره، وجعل عليه اعتماده؟
فإنَّ كلَّ هذه من معاني لا إله إلا الله.
فسارِعُوا - عِبادَ الله - إلى مغفرة من
ربكم وجنةٍ عرضُها كعرض السماء والأرض أُعدَّت للمتقين، الذين آمنوا بالله
ورسوله، فقاموا بواجبات لا إله إلا الله، فتمسَّكوا - عبادَ الله - بعرى لا
إله إلا الله، فإن من نفى ما نفتْه، وأثبت ما أثبتتْه، ووالى عليها وعادى،
رفعتْه إلى أعلى عليين، منازل أهل لا إله إلا الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي *
فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا
ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر: ١١ - ١٥].
بارَك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الهدى والبيان، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
إرسال تعليق