فقد
بعث الله أنبياءه ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ومن الخرافة إلى
البينة، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد . وجاءت الرسالات السماوية
لتقضي على الشرك، والشعوذة، والسحر، والكهانة، وجميع ما يتسلط الناس به على
الناس، ويستعبدونهم به من دون الله . وحين دبَّ الانحراف في أتباع
الأديان، أحدثوا طقوساً، وهيئات، ومراسم، معقدة، شبيهة بالممارسات الوثنية،
ليست من أمر الله، ولا من هدي أنبيائه، ليستطيلوا بها على البشر، ويفرضوا
عليهم ألواناً من التأثيرات الغامضة .
وقد
وقع في تاريخ الكنيسة قدر كبير من هذه البدع المحدثة، والأسرار المزعومة،
يجزم الباحثون أنها ليست مما جاء به المسيح عيسى ابن مريم، عليه السلام .
فمن ذلك :
سر المعمودية، أو العمَّاد، أو التعميد، أو الاصطباغ (PÂPTÏSM) :
وهو
طقس متفق على أصله بين جميع الطوائف النصرانية، وقد تختلف كيفيته في بعض
التفاصيل . وذلك أنه يتعين على من أراد أن يعتنق النصرانية، أن يدخل غرفةً
خاصةً في الكنيسة، ويضطجع متوجهاً إلى الغرب، قائلاً : أيها الشيطان! إني
أتبرأ منك، ومن جميع عملك، ثم ينقلب جهة الشرق، ويعلن الإيمان بعقائد
الكنيسة ، ثم ينقل إلى غرفة أخرى، فيتعرى، ويقوم القسيس بدهن جميع بدنه
بالزيت المقدس، المسمى بـ (الميرون) (MYRÔN)
، ثم ينغمس في حوض الاصطباغ في الماء، أو يوضع عليه الماء، ثم يسأله
القسيس المعمِّد : هل تؤمن بالأب، والابن، وروح القدس ؟ فإذا أجاب
بالإثبات، يخرج من الحوض، ويدهن بالزيت المقدس، مرةً ثانية، ثم يقدم له
لباس أبيض، وبذلك يصبح (معّمَّداً) و (مُبَرَّراً) و صالحاً للمشاركة في
بقية الطقوس الكنسية، وعضواً في الجماعة المؤمنة بالمسيح !!
وقد عرفها أحد اللاهوتيين بقوله : ( فريضة مقدسة، يشار إليها بالغسل بالماء، باسم الأب والابن وروح القدس، إلى تطهير النفس من أدران الخطيئة، بدم يسوع المسيح ) الأصول والفروع . يسوع المسيح : ص 210 ، وعبر عن غايتها أحد المعاصرين، فقال : (
والغاية من المعمودية هو تطهير طالب الدخول في المسيحية، أو الطفل المولود
لأبوين مسيحيين، من خطيئة الإنسان الأصلية، التي هي خطيئة آدم، بحيث يصبح
المعمَّد جاهزاً لقبول النعمة الإلهية، والخلاص من خلال المسيح ) المسيحية في العالم العربي: 48
فيا أهل الكتاب ! هلاَّ تأملتم في هذا الطقس الكنسي ؛ في صورته، وتفسيره، نظرة إنصاف، وتعقل ! ستكتشفون الحقائق التالية :
أولاً :
أن المسيح عليه السلام، لم يعمِّد أحداً ، مطلقاً . انظر إنجيل يوحن: 4/2،
فكيف صار ذلك شرطاً لاعتناق دينه ؟! والدخول في دين الله لا يتوقف على هذه
المراسم الشكلية، بل يكفي أن يعتقد بقلبه، ويعلن بلسانه، ويلتزم بأفعاله،
دون طلب فسح من مخلوق، أو أداء في بقعة معينة .
ثانياً :
الانغماس في الماء، والطلاء بالزيت لا يقدِّس الكفار، والخطاة، والمذنبين !
بل الإيمان والتوبة القلبية الخالصة، المعبر عنها باللسان، والسلوك
الحميد، والالتزام بالتعاليم الدينية، هي التي تطهر الإنسان، وترزقه البر
والخلاص .
ثالثاً :
الإنسان يولد بريئاً، غير مذنب، ولا وارثٍ لخطيئة . قال تعالى : ( لقد
خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) ، وقال : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها
لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ) ، وقال : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى )
، وقال : ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) . فأي إساءة للإنسان أن يوصم
بالخطيئة بمجرد ولادته، ولما يقترف سوءً بعد ! وأي إساءةٍ وعقوق لأبينا آدم
أن ينبز بذنب تاب منه، وتاب الله عليه !
إن
أي عاقل، معشر أهل الكتاب، ليدرك أن أساس هذا السر الكنسي المزعوم باطل،
وصفته الكهنوتية تشبه إلى حد كبير أداء كهنة الملل الوثنية . وكل ذلك يدعو
إلى إعادة النظر، والبحث الدقيق، والتأمل العميق في دين الله الحق، وتجريده
من البدع المحدثة، وهو تماماً ما جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم ،
مصدقاً للأنبياء قبله، وأََولاهم به عيسى ابن مريم، رسول الله وكلمته التي
ألقاها إلى مريم العذراء البتول .
المصدر العقيدة والحياة
المصدر العقيدة والحياة
إرسال تعليق