0
السلام على من اتبع الهدى . أما بعد :

     إن دين الله واحد، هو عبادة الله وحده، دون ما سواه. وإن دعوة الأنبياء جميعاً واحدة، وهي عبادة الله وحده، دون ما سواه، لأن مرسلهم واحد. ونحن معشر المسلمين لا نفرق بين أنبياء الله، بل نؤمن بهم جميعاً، ونكرمهم جميعاً. فأنبياء الله؛ نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، وغيرهم، صلوات الله عليهم وسلامه، عقيدتهم واحدة، وإن اختلفت شرائعهم التطبيقية، فهم كأبناء الضرات؛ أبوهم واحد، وأمهاتهم متعددات، فإيمانهم واحد، وأحكام شرائعهم مختلفة تبعاً لاختلاف عصورهم .

    وقد أدرك المؤمنون من أسلافكم هذه الوحدة الجامعة بين ما جاء به محمد، والأنبياء قبلة، واكتشفوا ذلك بسهولة بالغة، وآمنوا أن الرسالات السماوية عبارة عن حلقات متصلة، يمسك بعضها ببعض، لتكون بمجموعها سلسلة متينة تعتصم بها البشرية من التيه، والضلال، وصور القرآن هذا الوعي العميق، والإدراك الجيد، من قِبل أسلافكم أدق تصوير، فقال تعالى : ( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمْ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ . الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ . وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ . أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) [القصص: 51- 55]

   لقد استحق هؤلاء الأماجد هذا الثواب الرباني؛ بمضاعفة الأجر مرتين، لأنهم آمنوا مرتين؛ بالنبي الأول، والنبي الآخر. وبعض الناس يحول بينه وبين قبول الحق عقبات مصطنعة من الجهل ، أو قسوة القلب، أو الكبر . ومن سلم من هذه الآفات الثلاث صار مهيئاً لقبول البشرى، وحلول النعمة، كما وصف الله بعض السابقين منكم إلى قبول الإسلام وصفاً رائعاً، فقال : ( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ . وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ .فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ.وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) [المائدة:82-86]

  1. فقد تخلصوا من عقدة (الجهل) لأنهم (قسيسين) وهم العلماء .
  1. وتخلصوا من (قسوة القلب) لأنهم رهبان، وهم العُبَّاد .
  1. وتخلصوا من (الكبر) لأنهم (لا يستكبرون) .

وبإزاء هذه الصفات الكريمة يعاني كثير من الناس اليوم في الدول الغربية من :

  1. الجهل المطبق بحقيقة الإسلام، والخضوع لتأثير الآلة الإعلامية غير المنصفة .
  1. الإغراق في المادية التي تحجب القلب عن ممارسة وظيفته الطبيعية الإيمانية .
  1. الازدراء للآخرين، وعدم التواضع، والإصغاء إلى ما ليس بمألوف .

إننا ندعو كل إنسان يعيش على سطح الأرض، وندعوكم معشر أهل الكتاب خاصة، أن تتفكروا، وتتأملوا، بتجرد، وإخلاص، فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وستجدون فيه ما تتمنون من الحق والصواب،والقناعة العقلية، والراحة النفسية، ولابد من خوض هذه التجربة، لأنها مصيرية، تتوقف عليها السعادة الدنيوية والأخروية .
المصدر العقيدة والحياة

إرسال تعليق

 
Top