السلام على من اتبع الهدى . أما بعد :
فإن
من أخطر المزالق التي وقع فيها البشر ( الغلو ) ! والغلو يعني بأبسط
تعريفاته : تجاوز الحد . وهذا التجاوز تدفع إليه عاطفة جامحة، أو فهم خاطئ ،
فيؤدي إلى نتائج سيئة . وتشتد الخطورة حين يتعلق بالدين والاعتقاد .
إن
الغلو في تعظيم الذوات، ورفعها فوق منزلتها الطبيعية، ومنحها صفاتٍ لا
تليق بها، باب واسع للوقوع في الكفر، ومنازعة الإله الحق ربوبيته، أو
ألوهيته .
ومن
وقائع الغلو المبكرة في تاريخ البشرية، ما وقع لقوم نوح، عليه السلام، حين
أرادوا تخليد ذكرى رجال صالحين من أسلافهم، فنحتوا لهم تماثيل، ونصبوها في
الأماكن التي كانوا يقيمون فيها، رجاء أن يكون ذلك حافزاً على الاقتداء
بهم، وتجديد قيمهم . لكن الأمر وقع على الضد ! فقد زين لهم الشيطان أن
يعبدوهم من دون الله، وأن يعتقدوا فيهم قوى خارقة، واستقلالاً بالنفع
والضر، فيطلبون منهم ذلك، ويتضرعون إليهم ! وهذا هو الغلو .
وتكرر
المشهد في قوم إبراهيم، عليه السلام، حين عظموا النجوم، والأجرام
السماوية، وابتنوا لها الهياكل، وزعموا أنها تؤثر في مجريات الحوادث
الأرضية، فعبدوها من دون الله! وهذا ضرب من الغلو .
والعجب
أن يقع الغلو في أمة ذات رسالة سماوية، وهم بنو إسرائيل، الذين يقرؤون في
الوصايا العشر ، في سفر التثنية : ( أنا الله ربكم واحد . لا يكن لكم معبود
من دوني ) ثم يستزلهم الشيطان فيعبدون سواه . جاء في سفر القضاة : (
ففعل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب، وعبدوا البعل، وتركوا الرب، إله
آبائهم، الذي أخرجهم من أرض مصر، وتبعوا آلهة أخرى من آلهة الشعوب التي
حولهم، وسجدوا لها، وتركوا الرب ، وعبدوا البعل والعشتاروت ) سفر القضاة
2/11-14
وأعجب
من ذلك أن يقع الغلو في أمة عيسى، عليه السلام، الذي جاء ليرد خراف بني
إسرائيل الضالة إلى جادة التوحيد، ويقول لهم،كما أخبر القرآن : (
يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ، إنه من يشرك بالله فقد حرم الله
عليه الجنة، ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار ) المائدة : 72 .
أليس
من الغلو الفاضح الذي يأباه المسيح، عليه السلام، أن يوصف بالألوهية ؟!
فنجد في مستهل إنجيل يوحنا ما يلي : ( في البدء كان الكلمة. والكلمة كانت
لدى الله. والكلمة هو الله ) يوحنا 1/1 ويخاطبه توما قائلاً : ( ربي وإلهي !
فقال له يسوع : ألأنك رأيتني آمنت؟ ) يوحنا 20/28 ! سبحان الله !
أليس
من الغلو أن يوصف المسيح، عليه السلام، بأنه ابن الله! جاء في إنجيل متى: (
فقال لهم : من أنا في قولكم أنتم؟ فأجاب سمعان بطرس: أنت المسيح ابن الله
الحي. فأجابه المسيح : طوبى لك يا ابن سمعان بن يونا، فليس اللحم والدم
كشفا لك هذا، بل أبي الذي في السماوات ) متى 16/15-17، وفي موضع آخر : ( وإذا صوت من السماوات يقول: هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت ) متى 3/17
أليس من الغلو الذي تأباه العقول السليمة، والفطر المستقيمة، أن يعد المسيح جزءاً من الإله ! كما في عقيدة (الثالوث الأقدس) .
إن
هذا الغلو حمل كاتب إنجيل يوحنا يخلع على المسيح صفات الربوبية؛ كالإحياء،
ويتجاوز ذلك ليسلب الرب الدينونة، ويمنحها حصراً، للمسيح، فيقول : ( فكما
أن الآب يقيم الموتى ويحييهم، فكذلك الابن يحيي من يشاء ؛ لأن الآب لا يدين
أحداً، بل جعل القضاء كله للابن ) يوحنا 5/21/22
لقد
آن لكل عاقل أن ينأى بنفسه عن الغلو بجميع صوره، وأن يبصر الأشياء بصورتها
الطبيعية، ويفرق بشكل حاسم بين مقام الألوهية، ومقام العبودية، فإن الشرك
ظلم عظيم، وإساءة للمخلوق، وكفر بالخالق.
المصدر العقيدة والحياة
إرسال تعليق
Click to see the code!
To insert emoticon you must added at least one space before the code.