الملحدون الجدد.. عصبيةٌ وحدة وخطاب يفارق أقل درجات الموضوعية.
ما من شك أن مثل هذا التوصيف يكشف عن
عصبية شديدة ضد الدين كما يفارق أقل درجات العدل والموضوعية حتى وفق
المقاييس المادية الإلحادية…
عبد الله العجيري
من الملاحظات المهمة التي يمكن تسجيلها
حول ظاهرة الإلحاد الجديد، ولعلها تمثل الصفة المركزية المميزة لهذه
الظاهرة، تلك اللغة شديدة العدائية للدين، ولمبدأ التدين، ولقضية الإيمان
بالله، حتى تم توصيف الظاهرة الإلحادية الجديدة في بعض الدوائر الفكرية
الغربية ب (ميليشيات الإلحاد) وذلك بسبب النمط العدائي الشديد الذي يتميز
به هذا الخطاب الإلحادي.
فالملاحدة الجدد ينطلقون في تعاملهم مع
الدين من رؤية ترى فيه منبعا للشرور والكوارث والقوارع البشرية، وأنه من
الواجب السعي بجدية في محاربته وفق الأدوات المتاحة والممكنة. ومن هنا
سُميت سلسلة الأفلام الوثائقية الإلحادية الشهيرة لريتشارد دوكنز
ب (جذور الشرور كلها)، ويقصد بهذه الجذور (الدين والإيمان). ومثله
كريستوفر هيتشنز والذي جعل لكتابه الشهير ( God is not Great) عنوانا فرعيا
يقول فيه: (كيف يسمم الدين كل شيء)، وبخلاف دوكنز الذي أبدى تحفظه على
عنوان سلسلته، فإن هيتشنز يبدي جديته في اختيار هذا العنوان الفرعي، ويرى
فيه تعبيرا حقيقيا عن نظرته للدين، وأن الأمر ليس من قبيل العبارات
التسويقية التي يُراد منها مجرد لفت الانتباه للكتاب واستفزاز القارئ، بل
الأمر كذلك فعلا.
الدين يسمم كل شيء!
بل يقول في مقدمة الكتاب والذي يكشف عن
عمق مشكلة هيتشنز مع الدين بل ومع المتدينين: ( وأنا أكتب هذه الكلمات،
وأثناء قراءتك لها، فإن أصحاب الإيمان بطرائقهم المختلفة يخططون لتدميرك
وتدميري، وتدمير كل المنجزات المستحقة للبشرية والتي مررت عليها. الدين
يسمم كل شيء). ويقول أيضا: (هنالك بالتأكيد طرق متعددة تكشف أن الدين ليس
فاقدا للحس الأخلاقي فحسب، بل يدفع دفعا إيجابيا للفساد الأخلاقي).
و ما من شك أن مثل هذا التوصيف يكشف عن
عصبية شديدة ضد الدين، كما يفارق أقل درجات العدل والموضوعية حتى وفق
المقاييس المادية الإلحادية، إذ أن مسببات الشرور التي تعصف بالبشرية كثيرة
لا يمكن حصرها في معامل أو حتى معاملات محدودة.
و في المقابل لماذا هذا التنكر الفظيع للخير الذي اجتلبته الأديان لحياة الناس؟
_________________________________________________
المصدر: عبد الله بن صالح العجيري، ميليشيا الإلحاد، مركز تكوين للدراسات والأبحاث، الطبعة الأولى، 2014، ص:42.
إرسال تعليق