0
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه…أما بعد:
الإيمان بوجود الله تعالى هو المحور الذي تدور حوله أمور العقيدة كلها، والأدلة على وجود الله تعالى كثيرة، لا حصر لها، فإن في كل ذرة من ذرات الكون خلقاً متقناً، ونظاماً بالغ الدقة، لا يملك كل ذي عقل أمام ذلك إلا أن يخر ساجداً لمن خلق وأبدع.

وهذ مقال ميسر ومختصر، حول البراهين الدالة على إثبات وجود الله من القرآن والسنة النبوية الشريفة والعقل والفطرة السلمية والحس وما إلى غيرها من الأدلة.

أولًا: ما المقصود بالإيمان بوجود الله
“هو التصديق الجازم من صميم القلب بوجود ذاته ـ تعالى ـ،الذي لم يسبق إليه، ولم يعقب به، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، والظاهر فليس فوقه شيء، حي قيوم: {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد}.
والحق في اللغة: ضد الباطل.
فوجود الله سبحانه وتعالى ـ حق ثابت، مركوز في الفطر السليمة، واضح في العقول السويّة، وقد دلّت الأدلة وتظاهرت على إثبات وجوده، سواء منها النقليّة أو العقلية أو غيرها، كما سنذكر ـ بإذن الله تعالى.

ثانيًا: الأدلة على وجود الله
الأدلة على وجود الله كثيرة جداً، ومتنوعة، ويكفي منها شهادته ـ عز وجل ـ لنفسه، حيث قال: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم{، وصدق القائل:

وفي كل شيء له آيـــة  *  تدل على أنه الواحــد
فوا عجباً كيف يعصى الإله  *  أم كيف يجحده الجاحـد
ولله في كل تحريــــكة  *  وتسكينة أبداً شاهـــد

ولمّا كانت تلك الأدلة أعظم من أن تحصى، حاولت أن آتي من كل نوع منها بأوضح الأدلة، فإلى مبتغانا:

  • دلالة الشرع:
وهي كثيرة، منها:
  • قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم{.
  • قوله تعالى: {قل هو الله أحد*الله الصمد*لم يلد ولم يولد*ولم يكن له كفواً أحد{.
  • إخبار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ربّه ـ سبحانه ـ أنه في السماء، وهذا يقتضي أنه موجود، فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباح مساء”.
  • حديث الجارية في مسلم، وفيه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سألها:أين الله؟ فقالت:في السماء.
فقال النبي-عليه الصلاة والسلام-ـ :(اعتقها فإنها مؤمنة….الحديث).
وفي العموم فما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب يدل دلالة قاطعة على وجود الله.

  1. دلالة الفطرة:
تعريف الفطرة لغة: فَطَرَ الله الـخـلق يَفْطُرُهم: خـلقهم وبدأَهم، و الفطْرةُ: الابتداء والاخترا ع.
اصطلاحاً: هي الإسلام، على القول الراجح، وممن رجّحه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ـ رحمهما الله ـ
ويؤيد ذلك حديث:”ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه”.
وحديث عياض بن حمار ـ رضي الله عنه ـ في الحديث القدسي:”وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم”.
فكل مخلوق قد فُطِرَ على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه.

  1. دلالة العقل:
دلّ العقل على وجود الله، إذ إن المخلوقات جميعها لا بد لها من موجد وخالق فلا يمكن أن توجد نفسها بنفسها ولا يمكن أن توجد صدفه.
وعندما نتأمل في حركة الكواكب والأقمار والأفلاك، فإن العقل يجزم بأن هذا كله ليس من صنع العدم وإنما هو من صنع الخالق، قال الله تعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون*أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون{، فتعيّن أن يكون خالقهم هو الله.
بالإضافة إلى ما نجده من افتقار المخلوقات لله، مما يدل على أنه لابد من وجود خالق غني عمّا سواه.
ولهذا نجد في القرآن كثيراً؛ الحث على التعقّل والتبصّر، ولا أدل على ذلك من كثرة الآيات التي تختم بمثل قوله تعالى: {أفلا تعقلون{، {لعلكم تعقلون{.
ويحكى عن أبى حنيفة رحمه الله أن قوماً من أهل الكلام أرادوا البحث معه في تقرير توحيد الربوبية، فقال لهم: اخبرونى قبل ان نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلىء من الطعام والمتاع وغيره بنفسها وتعود بنفسها فترسي بنفسها وتفرغ وترجع كل ذلك من غير أن يدبرها أحد؟.
فقالوا: هذا محال لا يمكن أبداً.
فقال لهم: إذا كان هذا محالاً في سفينة، فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله.

  1. دلالة الحس:
الأدلة الحسية على وجود الله كثيرة جداً، منها:
  • إجابة الدعاء:
والأمثلة على هذا كثيرة، منها دعاء يونس وهو ببطن الحوت واستجابة الله له، قال تعالى: {وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين*فاستجبنا له..{.
  • دلالة خلق الأنفس:
فلو تأمل الإنسان وأمعن النظر في نفسه وما فيها من عجائب صنع الله لأدرك أن وراء ذلك رباً خالقاً حكيماً في خلقه.
يقول الشيخ ابن السعدي، عند قوله تعالى: {ونفس وما سواها}.
قال:”….والمقصود أن نفس الإنسان من أعظم الأدلة على وجود الله وحده، ومن ثم تفرّده بالعبادة”.
  • دلالة الآفاق:
وهي من أعظم الأدلة على وجوده ـ سبحانه ـ، قال تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق}.
إلى غير ذلك من الأدلة الحسية؛ كدلالة هداية المخلوقات، وعبودية الكائنات.

  1. دلالة أسمائه وصفاته:
وهي من أدلة الراسخين من أهل العلم، فالله له الصفات العلى والأسماء الحسنى، ومن كان ذا صفة واسم فلابد أن يكون موجوداً.

ثالثًا: ثمرات الإيمان بوجود الله:
وأحب أن أختم هذه الأوراق بعدِّ بعض فوائد الإيمان بوجود الله، وهي كما يلي:
  1. الأمن والاهتداء التّامين، قال تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}.
  2. الإيمان بالله طاعة له سبحانه، كما قال تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم….الآية{.
  3. دخول الجنة والنجاة من النار: فمن آمن بالله وأثبت وجوده، كان من الذين:{ كانت لهم جنات الفردوس نزلاً}.

رابعًا: توهم التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية وما يسلكونه من الطرق عندئذ: المسألة الأولى: سبب توهم التعارض:
هذا السبب يرجع على ما توهموه من إفادة ظاهر الأدلة النقلية للتجسيم والتحيز – وقد نوقشوا فيه
المسألة الثانية: الحكم عند حدوث التعارض المتوهم:
وللرازي قانون كلي في هذا الموضوع، يحسن ذكره بحسب مقدماته، ثمَّ مناقشته على التفصيل إن شاء الله – فقد قال في كتابه (أساس التقديس): “الفصل الثاني والثلاثون: في أن البراهين العقلية إذا صارت معارضة بالظاهر النقلية فكيف يكون الحال فيها؟: اعلم أن الدلائل القطعية العقلية إذا قامت على ثبوت شيء، ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك، فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة”، ثمَّ ذكره ….
لكن قبل أن يذكر الاحتمالات الأربعة، يناقش فيما جاء به من مسائل في هذه المقدمة. فلاشك أن هذه المقدمة مبنية على أنه يمكن وقوع التعارض بين الأدلة العقلية والنقلية فجوابه: إنا لا نسلم وقوع تعارض بين البراهين العقلية الصريحة، والبراهين النقلية الصحيحة – إذ أنه تنزيل من عزيز حكيم، وقد أتم كلماته صدقاً وعدلاً، فيبقى بعد هذا احتمال التعارض راجعاً إلى توهم غير الصريح من المعقول صريحاً، أو من عدم فهم النص إن كان صحيحًا.
وقد ذكر الشاطبي خمسة أوجه تدل على أن الأدلة الشرعية لا تنافي قضايا العقول، وسأوردها بشيء من التصرف:-
الأول: إن الأدلة السمعية لو نافت قضايا العقول لم تكن أدلة للعباد، لا على الأحكام الإلهية، ولا على الأحكام التكليفية، وقد علم باتفاق العقلاء أن الأدلة الشرعية إنما نصبت لتتلقاها عقول المكلفين، فيعملوا بمقتضاها، فلو نافتها لما تلقتها فضلاً عن أن تعمل بمقتضاها. الثاني: إنه لو فرض أن الأدلة الشرعية منافية لقضايا العقول ومعارضة لها لكان الكفار أول من ردَّها به – وقد علم بالاتفاق أنهم ما وجدوا ما يقدحون به مع شدَّة حرصهم على الطعن في هذا الدين، وإنما لجأوا إلى سب الرسول صلى الله عليه وسلم، واتهامه بأنه ساحر أو مجنون ونحو ذلك – فلما لم يوجد منهم ما يقدح في دلالة الأدلة الشرعية، دلَّ على أنهم عقولها، وعرفوا جريانها على مقتضى العقول. الثالث: إنه لو فرض وقوع التنافي والتعارض بين الأدلة الشرعية وقضايا العقول للزم سقوط التكليف عن جميع الناس – وبيان ذلك: أن الاستقراء دل على أن التكليف يعتبر فيه تمكن العقل من التصديق بالأدلة الصحيحة، ويوضحه أن الشرع لم يلزم تكليف المعتوه والصبي والنائم – لعدم وجود مقتضى التصديق – وهو العقل – ويساويه كذلك لو كانت الأدلة غير صحيحة، فلزوم تكليف العاقل بها كلزوم تكليف غير العاقل بما لا يصدقه أشد من تكليف من لا يتمكن من الحكم بالصدق أو عدمه. الرابع: إن الأدلة الشرعية لو نافت قضايا العقول لكان الأمر بالتصديق بها تكليفاً بما لا يطاق، إذ العقل لا يصدق ما لم يكن صدقاً وما لا يتصوره، فلما كان ذلك باطلاً لزم ألا تخالف الأدلة الشرعية قضايا العقول. الخامس: إن الاستقراء دل على أن الأدلة الشرعية جارية على مقتضى العقول بحيث تصدقها العقول الراجحة وتنقاد لها.
وعبارة الشيخ الرازي المتقدمة تفصح عن حقيقة مذهبه القاضي بتحكيم العقل على الشرع وهذا يناقض ما أطبق عليه المتكلمون الأشاعرة من عدم تحسين العقل وتقبيحه.

.

————–

إعداد/ فريق التحرير بلجنة الدعوة الإلكترونية.

إرسال تعليق

 
Top