0
كبرت في مجتمع متناقض تماماً.. مجتمع يقول عن نفسه إنه مسلم ولكن أفعاله تنص على العكس..

كبرت في وسط يدعو إلى الإسلام شفوياً ويفعل ما يحرمه الإسلام تطبيقياً.. كبرت في مجتمع فيه الخمور وكل أنواع المخدرات والعجيب أن هؤلاء كانوا يتحدثون عن الإسلام في اللحظات التي يكونون فيها مخدرين..

مجتمع مسلم اسما فقط!


اسمي عصام، عمري 28 سنة.. وكنت أقول في لحظات إلحادي إن عمري 30 سنة.. المهم كانت مني كذبة والآن أعلم أنه لا يجوز لي الكذب..

كبرت في مجتمع متناقض تماماً.. مجتمع يقول عن نفسه إنه مسلم ولكن أفعاله تنص على العكس.. كبرت في جو دراسي كانت فيه مادة التربية الإسلامية محقرة تماماً حيث كنا ندرسها لمدة ساعتين فقط في الأسبوع وكان الأساتذة نفسهم لا علاقة لهم بهذه المادة.. حيث كنا نتلقن الدروس بغير استيعاب عميق وبدون استنباط جوهري للنصوص.. فقط ندرس بهدف النجاح والبحث عن عمل..

هكذا كنا نتبرمج من جميع الأساتذة، عشت في بلاد إعلامها التلفزيوني ضد الإسلام تماماً والعجيب هو أن الإذاعة تبدأ بالقرآن وتنتهي بالقرآن، وما بين القرآن والقرآن برامج ضد القرآن.. عشت في بلاد.. الرشوة فيها جائزة والغدر والنصب والاحتيال والكذب والخيانة وتتبع العورات موضة وبداهة من البديهيات.. كبرت في عائلة كان أبي وأمي يربونني بالعصا والعنف كباقي الأسر في دولتي.. أو بالأحرى الأغلبية..

كبرت في وسط يدعو إلى الإسلام شفوياً ويفعل ما يحرمه الإسلام تطبيقياً.. كبرت في مجتمع فيه الخمور وكل أنواع المخدرات والعجيب أن هؤلاء كانوا يتحدثون عن الإسلام في اللحظات التي يكونون فيها مخدرين..

 بكل اختصار كبرت في مجتمع يتناقض مع نفسه.. دولة مرجعيتها إسلامية ولكنها تحكم علمانياً رافضة تعاليم الإسلام.. اكتشفت أن العالم العربي يسير بنفس الوتيرة.. صراحةً قلَّت قيمة هذا الدين في عيني كثيراً..

كانت النكت المضحكة أغلبها عن الاستهزاءات غير المقصودة بالدين، عندما أردت أن أتفقه في الدين لم أجد من يوجهني فبدأت أبحث بنفسي في اليوتيوب فوجدت صراعاً خانقاً بين الشيوخ.. هذا يسب هذا وهذا يكفّر هذا..

 أما بالنسبة للفتاوى فحدث ولا حرج، بكل اختصار تزعزعت عقيدتي الموروثة عندما دخلت إلى الفيسبوك لأجد صفحة تحت عنوان “الله” وكنت أعتقدها تفقه الناس في الدين ولكنني وجدت الصواعق فمرضت نفسياً..

أصبحت ملحدا حائرا..

 وأصبحت حياتي ظلمة على ظلمة.. تعاسة على تعاسة.. ضللت الطريق بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. عشت لحظات الحيرة القاتلة وتمنيت لو أن الموت يأتيني في أية لحظة تأخذني من هذه الحياة السوداء المتناقضة وعندما تغلغلت في صفحات الملحدين كانت لي غيرة على الدين لا أعلم سرها..

فدخلت في نقاشات بيزنطية انتهت بانهزامي، فماتت آخر ذرة إيمان في قلبي فأصبحت ملحداً حائراً، هذه هي قصتي بكل اختصار.. ولا أخفيكم أنني حاولت الانتحار أكثر من مرة ولكنني كنت دائماً لا أفعل ذلك نظراً إلى صوت داخلي عميق يحول بيني وبين ذلك..

 الحمد لله أنني عرفت أن الإسلام الذي كنت ملحداً به هو إسلام تروّج له الأيادي اللوبية الخفية، التي تبرمج في الشعوب العربية نظارات سوداء بطرق غير مباشرة وأخرى مباشرة وتطلب منا أن نحكم على ديننا من خلالها ولهذا يبدو الإسلام مظلماً والسر يبقى في زجاج النظارات المبرمجة.

بعد كل الذي حدث معي بدأت أفكر في الانتحار أكثر من مرة ولكن صوتاً داخلياً كان يمنعني بقوة – وهذه وحدها تدلكم على حالتي النفسية المزرية- كنت أحس بتناقض داخلي رهيب، عندما كنت أتأمل في نفسي جزءاً جزءاً وأقيسها بمعايير العبثية التي يبشّر بها الملحدون أجد نفسي أكاد أجن..

وهكذا بدأت مسيرتي العلمية وانتقلت من شخص تعيس يريد الانتحار إلى شخص قوي بهذه التحديات التي حفزتني على الغور في أعماق البحث العلمي الموضوعي، فبدأت أدرس العلوم الكونية والبيولوجية والنفسية على وجه العموم والإجمال؛ فاكتشفت أن هناك علماء كبار جداً ربوبيين وبدأت أتقصى الأسباب وراء ذلك فوجدتهم عندما يصلون إلى أية حقيقة لا يمرون عليها جزافاً بل يتمعنون فيها، وأنظر إلى العلماء الملحدين وجدتهم ينسبون كل شيء إلى الصدف السعيدة وكأننا أطفال صغار يجب علينا تصديق أي شيء..

وصراحة بدأت أقتنع بأفكار الربوبيين لأنني أجدها موضوعية وكذلك تنسجم مع ما يدعوني إليه ضميري الداخلي، وهكذا شيئاً فشيئاً بدأت أستوعب أنني كنت في سبات عميق لا أكاد أتلمس أبسط الحقائق الجلية والحمد لله أحسست باندفاع قوي إلى المزيد من البحث حتى تأكدت بنفسي أنه فعلاً توجد قوة خفية تنتشر في كل الوجود وهذا بشهادة هؤلاء العلماء..

هذا من جهة أما من جهة أخرى فبدأت أدرس أسباب الانحطاط العربي ووجدته ليس الإسلام بل تصرفات المسلمين وعدم اتباعهم لمنهجهم الديني بحذافيره بل كانوا يتبعون السلطة فقط ويدعمون أهواءهم بآيات خارج سياقاتها التاريخية.

 والذي أكّد لي أننا محارَبون بحرب فكرية خصوصاً عندما اكتشفت أن بعد موت النبي محمد صلى الله عليه وسلم بسنين ارتقى العرب الذين كانوا منحطين إلى سادة العالم حيث كانت اللغة العربية هي لغة العلم، وكان الأجانب يأتون إلينا ليدرسوا لأنهم كانوا يُقتلون إذا صدر منهم بحث علمي ضد ما جاء في الإنجيل، وعلمت بما لا يدع مجالاً للشك أن العماء الغيبيين الملحدين هم في الحقيقة ملحدون بالكنيسة وعمموا ذلك على كل شيء فيه رائحة الدين.. وكل الذي يعضه قط سيعتقد مباشرةً أن القطط كلها تعض!

وعندما يصلون إلى حقائق علمية مبهرة تدل بصريح مضامينها إلى حتمية وجود خالق عظيم، يُرجعون كل ذلك إلى الصدف السعيدة ظانّين أنهم لو اعترفوا بالخالق الواضح الجلي فهذا يعني أنهم سيعترفون بالأب والابن وروح القدس وترجع الكنيسة مجدداً إلى ذبحهم..

فعلاً إنهم ملحدون بالكنيسة، وهذا هو سر اعتناقهم للإسلام مصرحين أنهم كانوا مثلي.

هذه هي قصتي والحمد لله أنه قذف في قلبي الموضوعية في البحث وقوة تحمل التحديات وها أنا بينكم مسلماً اسماً على مسمى.. وشكراً لكم جميعاً، الحمد لله، والله إنكم لا تعلمون كم أنا سعيد الآن وكأنني ولدت من جديد.. الحمد لله..

_______________________________________
المصدر: بتصرف كبير عن كتاب/ العائدون إلى الفطرة، مركز دلائل، الطبعة الأولى، 2016

إرسال تعليق

 
Top