0

الإسلام منهج حياة بخلاف المناهج الأخرى (3)


انتبهوا إخوة الإسلام، لو علمت النساء أن الواجب على الرجل إذا أمرته أمه أن يطلق زوجته طلقها لما وجدت امرأة تشكو من زوجة ابنها، لكن يأتي الأمر من أن المرأة تظن أنها صاحبة حق مُساو لحق الأم، إن أوثق الحقوق على الرجل حق أمه، وأشد الحقوق على المرأة حق زوجها.

ومعنى هذا أن الأمر الأهم أن تعينه في أمه وفي أبيه، أن تعينه في والديه. والمسألة لا تحتاج منا إلى تفصيل لأن المرأة لا بد أن تشعر أن هؤلاء الآباء بقوا زمناً طويلاً في رعاية وتربية، وأن دخول الجنة لهذا الرجل إنما هو ببره لوالديه، ودخولها الجنة إنما هو بإحسانها إلى زوجها.

فهل ستحسن إليه في مطعم ومشرب وفراش، وتسيء إليه في أن تجعله يدخل إلى النار بعدم إعانته في بر والديه؟!
إذا استقرار الأمر على ذلك وجدت المرأة أن دورها في أن تسعد زوجها في طريق الجنة، وهنا نجد - إخوة الإسلام - مسألة هامة واسعة وهي أن رب العزة سبحانه وتعالى ربط بين سعادة الخلق، وبين الثواب الذي يعطيه، يعني أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة، إذن الزوج يسعد، والله يأجر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حتى اللقمة تضعها في فيِّ زوجتك لك عليها أجر) وكذلك (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)؟ قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك).


هذا كله إخوة الإسلام يجعل الخلق يسعدون، ويأجر رب العزة من أسعد الآخرين بمثوبة من عنده، هذا يدخل الجنة بسبب بره لوالديه، وهذه تدخل الجنة بسبب طاعتها لزوجها، وهذا يدخل الجنة بسبب إحسانه لتربيته ولده، والضعيف يسعد بحنو القوي عليه، وهذه قاعدة عامة ليست داخل الأسرة فقط، لكنها في الأسواق، (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما، مُحقت بركة لبيعهما)، يعني محق الله بركة البيع.

أريد أن أشير - إخوة الإسلام - إلى أن هذا العطاء الإلهي لا يقترن بأن يكن الطرف المستفيد طائع ولا بد، يعني المرأة تُحسن إلى زوجها فتدخل الجنة حتى ولو كان ذلك الزوج سيدخل النار، الرجل يبرُّ بوالديه فيدخل الجنة بذلك البر حتى ولو كان الوالدان من الكفار، الرجل يحسن إلى زوجته حتى ولو كانت من أهل المعاصي، فعطاء رب العالمين عطاء لينتظم ذلك الكون، وعندما نقول عطاء رب العالمين نقول العطاء غير المحدود، لأن رب العزة يعطي عطاءً واسعاً، عطاءً كبيراً، وكل عطاء الدنيا لا يساوي بجوار عطاء الجنة شيئاً، هذا إخواني لتنتظم الأسرة.

إذن هذا لا ينتظم إلا بمنهج الإسلام، وأما المناهج المخالفة فماذا ستقول لهم؟
ستقول لهم: ستدخل الجنة وهو لا يؤمن بالجنة، ولا يؤمن بالنار، لا يؤمن بجنة ولا بنار، فإذا كان لا يؤمن بجنة ونار، فكيف تقول له: تسعد الرجل، لذلك ترى أمم الكفر كل طرف يبحث عن الفائدة العاجلة التي يحصل عليها، فإذا لم يجد فائدة عاجلة فلا يقدم شيئاً حتى إنك ترى اليوم الناس الكفار في بلاد الكفر لا يقرض الولد أباه ولا أمه إلا بالربا.

سيقولون الخطبة فترة اختبار، إذ كيف يتزوجها دون أن يختبرها، ويبدأ الاختبار عندنا، ونحن نقبل ذلك في التعارف، أي يجلس معها ويتكلم وهو لا يزال على الخطبة، لم يعقد، هم تقدموا جداً في هذا المضمار فهو يريد أن يعرفها قبل الزواج، يعرفها صالحة للإنجاب أم غير صالحة للإنجاب، فلا بد أن يُجرب إنجابه!! يُنجبُ منها ولداً، اثنين، ثلاثاً، ثم يجد أن الحياة معها لا تصلح! يجرب الإنجاب حتى يختبرها لأنه بالاختبار يريد أن يعرف هل تصلح زوجه أو لا تصلح، لذلك ابتدأ مرحلة الصداقة، والصداقة هذه يستبيحون فيها كل شيء، ثم يُصادق وينتقل، وليس للصديق من حقوق عليه، ويضيق عليه النظام في تلك الحقوق التي تكون بعد الزوجية؛ فيأنف من الزواج، ومن العجب أن تجد الرجل في بلاد الغرب يُصادق المرأة ثلاثين سنة ثم بعد الثلاثين عام يعرف أنها تصلح للزواج، فيتزوج بها ستة أشهر، ثم يعرف أنه كان مخطئاً في قراره الذي استمر في اختباره ثلاثين عاماً فيطلقها، ويرجع إلى الصداقة. لذلك - إخوة الإسلام - فإن في بلاد الغرب ليس هناك من شاب فيما نعلم يرى أن أباه يعيش مع أمه!!

انتهى نظام الأسرة هناك، وترى البنت في ريعان الشباب تأنف أن تربي الولد، وعندها كلب تخرج به إلى الحدائق العامة، فإذا تغوط الكلب [أعزكم الله] حملت بيدها غائطه في حين أنها تأنف أن تنظف طفلها.

انقلبت المعايير، نريد أن نسير وراء هذه المناهج المخالفة، يمنعون المرأة أن تتزوج حتى تبلغ سناً بعينه، وعندهم أصغر أمهات في الدنيا، يمكن أن تكون أم عندها عشر سنوات، عندها إحدى عشر سنة، عندهما اثنتا عشرة سنة من سفاح، ويسعدون إذا حملت.

وإذا دخلت إلى مستشفى لتلد، وعرفوا أن هذا بعقد زواج، انعقدت المحاكم، وأدخلوا الناس إلى السجون، وإذا عرفوا أنها من صديق، فإن الأمر بسيط ليس فيه شيء، ولذلك فإن الأبناء لا يعرفون آباءهم!!

وهذه حال الحيوان، الحيوان لا يعرف أباه، فنحن إذا أردنا لبقرة أن تحمل، أخذناها إلى ذكر ينزو عليها، ثم لا يسأل أحدهم عن الأثر بعد ذلك، فإذا ولدت فالولد لا يُنسب إلى أبيه، وإنما يقول: هذا العجل من هذه البقرة، وهكذا.

وقد نستورد سلالات أجنبية لنُلقح بها أبقاراً محلية. هم يريدون أن يصلوا أو قد وصلوا إلى هذا الحد، ونحن نجري وراءهم بالمنهاج المخالف حتى لا ننال بر الولد.

رجل سأل امرأة في حديقة: هل لك زوج؟
قالت: لا، لك أولاد؟ قالت لا، لكن عندي كلب، فلما سمع بعض الشيوخ ذلك الكلام قال: اللهم ارزقها بِرَّهُ!!

هذه هي الأسرة التي عندهم ونحن نريد أن نجري ونلهث وراء ذلك، والحال - إخوة الإسلام - في ما نذكره إنما هو من الأمر السطحي اليسير وما في الأعماق أشد من ذلك وأكثر.

نظام الأسرة في داخل الأسرة نظام حياة مُتقن، لكن هذا النظام ليس فقط في داخل الأسرة، لكن ينتقل إلى الأسواق، فالتعامل المشروع في الأموال إما أن يكون تعامل العوض فيه عاجلاً يعني بيع وشراء، أو أن يكون تعامل العوض فيه آجلاً صدقه أو زكاة، أو يكون العوض بعضه عاجل، وبعضه آجل كالقرض.

فالبيع والشراء أخذ الأجرة، وإن يكون تعامل العوض فيه آجلاً صدقة أو زكاة، فالبيع والشراء والاستصلاح، بأخذ الأجر أو أخذ المكسب من وراء ذلك، القرض، أقرض المال وأطلب أصل المال وثمرة المال من الله رب العالمين، في الصدقة أعطي المال للفقير، وأطلب رأس المال وثمرته من عند الله، وفي الحديث الذي رواه البخاري: (من تصدق بعدل ثمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يُربها لصاحبه كما يُربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل)......

كل هؤلاء إذا قصدوا شرع الله أجروا، البيع، البائع إن أحسن في بيعه، وبين عيب سلعته، ولم يكتمها، يؤجر من الله رب العالمين فيأخذ الثواب على استيفاء الكيل والميزان، ولذلك رب العزة يقول: (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون)، حتى يقول: (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم) يعني إذاً يوم القيامة سيحاسب على المكاييل والموازين، سيحاسب على البيع والشراء، فيجد حقوق الآخرين التي ابتزها تأجَّجُ عليه ناراً عظيمة.

إذاً الإسلام منهج تتحاكم به الأسواق، ومنهج الإسلام يحث على الصدقة، ويفرض الزكاة.

والزكاة ليست نظيراً للضرائب، ولا يجوز مقارنتها بها أبداً، فالزكاة دفع لسوق المال يعني ماذا؟ أنا رجل خياط أحوك الثياب، والزبائن الذين عندي معروفون كل واحد يخيط عندي جلبابين في السنة، واحدة في الشتاء، وأخرى في الصيف، الأول أراد أن يدخر لأنه يريد أن يحج هذا العام، ففصل واحدة أو لم يفصل، والثاني أراد أن يدخر لأنه يريد أن يزوج ابنته، والثالث يريد أن يبني بيتاً، والرابع يريد أن يعلم ولده، والخامس........ الخ.

مجموعة من الزبائن الذين عندي أرادوا أن يدخروا، من المتُضرر؟ أنا المتضرر لأنني لن آخذ أجرة من هؤلاء.

فإذا بلغ التضرر عندي أن نزلت إلى حد الفقر، أصبح المال المدخر للحج هذا يفرض عليه الزكاة إن بلغ النصاب، وحال عليه الحول، والمال الذي عند هذا وادخره لزواج ابنته وحال عليه الحول يفرض عليه الزكاة،، والمال الذي لبناء البيت يفرض عليه الزكاة، وأنا من الفقراء آخذ الزكاة، فلا أترك مهنة الخياطة، فيحتاج المسلمون إلى خياط فلا يجدون.

فالزكاة دفع لسوق المال، لكن الضرائب تأتي إلى الإنسان، ولا تقيس مثل هذه لا يهمه، إن الرجل بعد فرض الضرائب عليه أن يلغي النشاط، وكثير من الناس يحتالون، والضرائب شرع البشر الذين يغفلون، والزكاة شرع رب العالمين.

أنا أحاسب نفسي على الزكاة، والمال الذي جمعته ورب العالمين يعرفه، والحق لله فيه كذا فأعطيه للناس وأخرجه، أراقب ربي، لكن الضرائب فرض عليه مضاعف، وأنا أكذب وأتحلل لأتهرب منها وهكذا....

فالزكاة دفع لسوق المال، والزكاة إكمال للحلقة القدرية في المال، يعني تصور ارسم دائرة، واترك طرفي الدائرة لا يلتقيان وضع نقط على هذه الدائرة.

نقطه هذا رجل فلاح يُرزق بزراعته، وهذا تاجر يُرزق بتجارته، وهذا عالم يُرزق بعلمه، وهذا مفكر يرزق بفكره، وهذا كاتب يرزق بكتابته، وهذا عامل يرزق بعمله، كل واحد يُرزق، كل واحد نقطة من هذه النقاط حتى تأتي من يفقد كل هذه، لا هو صانع، ولا تاجر، ولا عنده مال، ولا يملك، ولا، ولا، ولا....

يُرزق بشرع الله بالزكاة، فالذي خلق وقدر هو الذي شرع، ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54] فلا تكمل الدائرة إلا بإيفاء شرع الله رب العالمين.

الزكاة، يأتي على الضد تماماً من الزكاة، الربا.

الربا: أخذ أجرة على المال، أنا من الممكن أن أوجر بيتاً، أو سيارة، أو أرضا، لكن أؤجر النقدين فهذا مما لا يجوز أن يؤجرا، لا يجوز أن تؤخذ الأجرة عليه، وهذا شرع رب العالمين، فتكسد الأسواق، والكساد العالمي يعرف المرابون، والاقتصاديون يقيناً أن سبب الكساد العالمي، والتضخم الموجود في العالم كله يرجع إلى الربا.

ولكنهم يأبون أن يُسلموا للإسلام، لأن الله حجب قلوبهم، وجعلهم للنار وقوداً.

إذاً فالإسلام جاء بنظام في سوق المال، هذا النظام يجعل الرسول عليه الصلاة والسلام يقول فيه: (من غش فليس منا)، (من غشنا فليس منا)، (ليس منا من غشنا).

هذه الأحاديث كلها تجعل الصانع يُراقب ربه في صنعته، فلا يغش في صنعته، والبائع لا يغش في بيعه وتجارته، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (هلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس) مر يوماً في السوق على صرة طعام فوضع يده فيها فأصابت يده بللاً فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟) قال: أصابته السماء قال: (هلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا فليس منا) إذاً الواجب علي أن أبين عيب السلعة لا أن أبالغ في ميزات السلعة، وهذا مالا يعترف به الناس في أسواقنا، فرب العزة سبحانه وتعالى يضع هذا النظام حتى يسعد الناس بأسواقهم، فسوق الإسلام يستوي فيه الخبير عند شرائه بالرجل الذي لا علم له، لأن البائع لا يغشه، لأنه يخاف من الله رب العالمين.

نظام الأسواق في النظم المخالفة كل واحد يريد أن يكسب من الآخر، والشرع جاء بالنهي عن كل بيع فيه غش، أو غرر، أو ربا، أو أكل لأموال الناس بالباطل، لكن النظم المخالفة تستبيح أكل الأموال، وتعدُّها من حسن التدبير، وجمال التقدير والمعرفة كيف يأتي بالمال، والعجيب أنك تجد من الناس من ينطلي عليهم أشياء معروفة يقيناً بأنها ليست صحيحة، يعني يأتي مثلاً ولعل هذا يثور بين أيام وأخرى، يقولون تبعث مثلاً مبلغ كذا للعنوان الفلاني يرسلوا إليك ثلاثة ورقات تعطي كل ورقة لواحد تأخذ منه مبلغ كذا، يبقى أنت دفعت واحدة وأخذت ثلاث، ثم كل واحد من هؤلاء الثلاث يرسل إلى هذه الجهة...، إذاً ستأخذ من أين وبعد ذلك يقولون يصبح لك ترتيب تأخذ الأول أو الثاني أو الثالث، والأول يأخذ كم مليون، والثاني يأخذ كذا... يأكلون أموال الناس بالباطل، ويستبيحون ذلك، وكل واحد يسعى ثم يكذبون على الناس ليوقعوهم في المخالفات الشرعية، فلا هم نالوا عز الدنيا،ولا نالوا ما عند الله في الآخرة، فالإسلام منهج يحكم الأسواق وله نظام دقيق موضوع للسواق، هذا النظام يسعد به البائع، ويسعد به المشتري لأن البائع والمشتري والفلاح والتاجر كل يعرف أن رزقه من عند الله رب العالمين.

فرب العزة الذي جعل الأرض مُنبتة للفلاح يرزق بسببها، قال للفلاح: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ﴾ [الذاريات: 22]، ولم يقل له في الأرض.

وكذلك في التاجر جعل رزقه في السماء، وجعل رزق جميع الخلق في السماء، وأمر الغني إذا بلغ المال عنده النصاب، وحال عليه الحول، جعل في ماله حقاً معلوماً للسائل والمحروم.

أرزاق رب العالمين قسمها في السماء، ولم يتجاوز عبد رزقه، فكل إنسان يبلغ فقط إلى رزقه المقدر له ولا يزيد عنه ولا ينقص عنه.

المناهج الأرضية تُنسي الإنسان عند المال هذا المعنى الإيماني، فيتعلق بما في يد الناس، يظن الطبيب أن رزقه من المرض، والمعلم رزقه من الجهل، والمحامي رزقه من الجريمة، وكل واحد يريد أن يُنمي رزقه، فيحرص الطبيب على تنمية المرض، والمعلم على شيوع الجهل، والمحامي على شيوع الجريمة، هذا حال النُظم الأرضية، ولذلك تجد في بعض دول الغرب من ألغوا عقوبة الإعدام، ليست شفقة أبداً بالناس، لكنها طمعٌ في أنفسهم، لماذا؟

يعملون نظاماً اسمه نظام المُحلَّفين، فيجمعون عدداً كبيراً من الناس، وتجلس معه هيئة المحكمة، وتُصفِّيهم على عدد محدود، فذهب أحد إخواننا لأنهم دعوه إلى أن يكون مُحلَّفاً، وفي المناقشة في الحوار معه قال لهم أنا لا أصلح معكم، فقال له أحد المحامين، لماذا؟ هل أنت ممن يؤمنون أن العين بالعين، والسن بالسن؟ قال نعم، قالوا جزاك الله خيراً، وذهب.

المقصد يا إخواني أنهم يقولون لمن مات انتهى، ونحن كمحامين نريد مالاً، سنأخذ حصة من هذا المجرم الذي وقعت الجريمة بيده، حصة منه للأحياء، فالأحياء سيأخذون مالاً، ونحن سنأخذ مالاً، والذي مات، مات، ما النتيجة من وراء ذلك؟ إن كل واحد يعلم أنه سيقتل ولا يقتل، فتزداد الجريمة.

في المناهج أيضاً المخالفة عادة الأخذ بالثأر، الأسرة أو القبيلة التي تريد أن تقتل رجلاً من قبيلة أخرى تختار أعز الرجال عندها، وتدفع بأخس الرجال من عنده ليقتل أعز الرجال، ويعدونه بالمال، الأسرة الأخرى لا تقتل نفس القاتل إنما تريد أن تأخذ بالثأر فتطلب أعز من عندها، الرأس المدبر المفكر عندهم فيقتلونه، فلا يقتلون القاتل بعينه، يبقى القاتل مطمئن أن الطائفة الأخرى لن تقتله، ولكن ستقتل غيره، فإذا كفل منع القتل بدأ يهدد أهله إن لم تعطوني قتلتكم، هنا نجد أن هذا النظام يُفقدُ الأمن، ويُضيعُ الأمر، ويتشتت فيه الخلق؛ فلا يجدون راحة، ولا سعادة في أعمالهم.

إخواني إن كنت ضربت مثالاً بالأسرة، والسوق، فما وراء ذلك من المنهج الإسلامي، لأن الكلام كلمة الإسلام منهج حياة كلمة واسعة، كبيرة.

وإنما أردت أن أضع اليد على بعض التفاصيل في جزئيات يقاس عليها ما بعدها، لكن أريد أن أقول - إخوة الإسلام - المسلم يعمل بإسلامه سابقاً لزمانه، فائقاً لأقرانه، وقد نجد في جزئيات الشرع ما لا نعرف له حكمة، ثم نقول إذاً هذا أمر تعبدي، ليس من ورائه حكمة، فهذا يخفف الانقياد عند البعض، عند الذين لا يريدون المثوبة من الله رب العالمين، لكن أضرب مثالاً بجزئيات بسيطة من الشرع مثلاً كالأمر بالاستنشاق، جزئية شرعية، هذا أعد فيه أحد الأطباء بحثاً أفاد أن الاستنشاق يقضي على أحد عشر مكروباً خطيراً.

بعد أن يعرف الناس أن الاستنشاق يقضي على المكروبات، والمضمضة تقضي على المكروبات سوف يستنشقون، ويتمضمضون، لكن المسلم يعمل بإسلامه يستنشق ويتمضمض منذ نزل الشرع بذلك، لأنه مرضاة لله يُثاب عليها من الله رب العالمين، فالمسلم يعمل بإسلامه، سابق لزمانه، فائق لأقرانه، كذلك تأتي كثير من بلاد الغرب، وتريد أن تربي الأبناء في محاضن، للأسف أن بعض المسلمين يريدون أن يفعلوا ذلك في الطفل الصغير، وفي الرجل الكبير، ففي الطفل الصغير يعملون دُوراً لتربية الأيتام، ويريدون أن يأخذوا هذا اليتيم بمعزل عن أمه، أو بمعزل عن أهله، ويضعونه في مصنع من أجل أن يتربى، فيخرجوا أرذل الخلق.

هذا ما تجني أوروبا الآن ثمرته، من أن الذين ربوا في غير أسرة ليست عندهم من عاطفة الإنسانية التي أوجدها رب العزة في الولد الذي نُشئ داخل الأسرة حتى ولو فقد والديه، ثم نودع نحن الأب إذا كبر في السن دار المُسنين من أجل أن يذهب الكبير في السن إلى هناك، وذلك العمل يلغي صفة الحنان.

جماعة من المسلمين ذهبوا لزيارة في إنجلترا، ونزلوا في دار للمسنين، فوجدوا رجلاً كبيراً في السن مودعاً هناك. حدث بينهم كلام، فسألوه لماذا لا تُسلم؟
قال ماذا في الإسلام؟ قالوا له لو لم يكن في الإسلام إلا أنك إذا بلغت هذا السن فإن كل من البيت يرجون دعوة طيبة منك، فيحسنون إليك، ويقدمون إليك ما تشتهي من الطعام، ويسارعون في خدمتك وفي تبديل ثيابك، وفي عونك في كل شيء، لو لم يكن في الإسلام إلا هذا لكفى، قال: نعم، وتذكر أن من أبنائه من بعضهم يسأل عنه في عيد، وقد يمر عيد، وآخر، وآخر، ولا يسألون عنه، فإذا مرت هذه الأعياد ومات، فقد يموت ولا يعلمون بموته إلا بعد عام من موته، أو شهور من موته، فلما اقتنع الرجل بذلك أسلم، ومات بعد بضعة أيام من إسلامه.

نظام الإسلام منهج حياة يسعد فيه الخلق جميعاً، لذلك - إخوة الإسلام - فإنه يجب على كل عبد أن يتعرف على أحكام الشرع، السعادة التي ننشدها ليست مخازنها عند الأغنياء، ولا عند السلاطين، ولا عند أحد من المخلوقين، وإنما السعادة مخازنها عند الله رب العالمين الذي قال: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123].

أحب - إخوة الإسلام - أن أرجع مرة أخرى فأقول: إن أصل المنهج الإسلامي ومحوره الاعتقاد وأصل ذلك الاعتقاد أن تعرف أن الله تعالى قال: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54] فهو الخالق لا شريك له في خلقه، وهو الشارع، هو الذي أنزل الشرع لا شريك له في شرعه، فوجبت طاعته، ولو لم نعرف العلة من ورائه لأن الذي خلق هو الذي يعلم ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14] عندئذ إخوة الإسلام نعرف أن شرع رب العزة الحكيم وضع المرأة في موضع إنما هو الموضع الذي يسعد البيت به والأمة، فإن تغير هذا الموضع شقيت، وشقي من وراءها ولذلك فإن أشقى النساء نساء الغرب.

انتبه! زرت هذه البلاد أعنى بعض بلاد الكفر، فوجدت ظاهرة لفتت نظري: الرجال يركبون سيارات صغيرة، والنساء يركبن سيارات كبيرة، فتعجبتُ لهذا الأمر، ثم بعد تفكير وجدت أن الرجل لما جاء إلى المرأة فحملت هرب منها وأنف، وذهب إلى أخرى لكنها هي أين تذهب؟ بقي الحمل عندها حتى وضعت.

فسار عندها عمل تريد أن تكتسب لتأكل، ولتطعم ولدها، وعندها ولد؛ فجعلت في السيارة الكبيرة مهداً ينام فيه الطفل، وفيها أشياء تضعها تأتي بها من السوق، وهي السيارة التي تذهب بها إلى عملها؛ فشقيت بنظم وضعت، حياة المخالفين سراب يتمثل لهم يوم القيامة: ﴿ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ﴾ [النور: 39] والذين يجرون وراء الكافرين يرون حياتهم سراباً فيجرون وراءهم فيتمثلون بأعمالهم، فإن عرّوا نساؤهم عرّيناً، وإن استباحوا الاختلاط استبحنا، وإن تعاملوا بالمحرمات تعاملنا، ظنٌّ منا أنهم سعدوا، وما جمعوا إلا أشد الشقاء.

إخوة الإسلام، عندنا دين كامل وضعه رب العالمين، فإن نحن غفلنا عنه، وأضعناه وقعنا في شر مستطير، ومن أعرض عن ذكر الله فإن له معيشة أي في الدنيا، ﴿ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].

أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يجمعنا وإياكم على الخير، وأن يجعلنا من ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ [الزمر: 18]وصلى الله عليه وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

إرسال تعليق

 
Top