وأما احتجاجهم بقوله تعالى: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا} [البقرة: 151] .
وقوله تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته} [آل عمران: 164] .
فهذا كقوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128] .
وهذا في عمومه نزاع، فإنه إما أن يكون خطابا لجميع الناس، ويكون المراد إنا
بعثنا إليكم رسولا من البشر، إذ كنتم لا تطيقون أن تأخذوا عن ملك من
الملائكة، فمن الله عليكم بأن أرسل إليكم رسولا بشريا.
قال تعالى: {وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا
ينظرون – ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون} [الأنعام:
8 – 9] .
وإما أن يكون الخطاب للعرب، وعلى التقديرين فإن ما تضمن ذكر إنعامه على
المخاطبين بإرساله رسولا من جنسهم، وليس في هذا ما يمنع أن يكون مرسلا إلى
غيرهم، فإنه إن كان خطابا للإنس كلهم، فهو أيضا مرسل إلى الجن، وليس من
جنسهم، فكيف يمتنع إذا كان خطابا للعرب بما امتن به عليهم؟ أن يكون قد امتن
على غيرهم بذلك، فالعجم أقرب إلى العرب من الجن إلى الإنس، وقد أخبر في
الكتاب العزيز أن الجن لما سمعوا القرآن آمنوا به.
قال تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا
أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين – قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتابا
أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم –
ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب
أليم – ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض} [الأحقاف: 29 – 32] .
وقال: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا –
يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا – وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ
صاحبة ولا ولدا – وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا – وأنا ظننا أن لن
تقول الإنس والجن على الله كذبا – وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من
الجن فزادوهم رهقا – وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا – وأنا
لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا – وأنا كنا نقعد منها مقاعد
للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا – وأنا لا ندري أشر أريد بمن في
الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا – وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق
قددا – وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا – وأنا لما
سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا – وأنا منا
المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا – وأما القاسطون فكانوا
لجهنم حطبا – وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا – لنفتنهم
فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا – وأن المساجد لله فلا تدعوا مع
الله أحدا – وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا – قل إنما
أدعو ربي ولا أشرك به أحدا – قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا – قل إني لن
يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا – إلا بلاغا من الله ورسالاته
ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا – حتى إذا رأوا ما
يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا – قل إن أدري أقريب ما توعدون أم
يجعل له ربي أمدا – عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا – إلا من ارتضى من
رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا – ليعلم أن قد أبلغوا رسالات
ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا} [الجن: 1 – 28] .
ونظير هذا قوله: {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} [الزخرف: 44] .
وقومه قريش، ولا يمنع أنه ذكر لسائر العرب بل لسائر الناس، كما قال تعالى:
{وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه
لمجنون – وما هو إلا ذكر للعالمين} [القلم: 51 – 52] .
وقال تعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} [الفرقان: 1] .
وقال تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين – إن هو إلا
ذكر للعالمين – ولتعلمن نبأه بعد حين} [ص: 86 – 88] وقال تعالى: {إنه لقول
رسول كريم – ذي قوة عند ذي العرش مكين – مطاع ثم أمين – وما صاحبكم بمجنون –
ولقد رآه بالأفق المبين – وما هو على الغيب بضنين – وما هو بقول شيطان
رجيم – فأين تذهبون – إن هو إلا ذكر للعالمين – لمن شاء منكم أن يستقيم –
وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} [التكوير: 19 – 29] .
وقال تعالى: {وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا} [النساء: 79] .
وهذا على أصح القولين، وأن المراد بقوله {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف:
44] أنه ذكر لهم يذكرونه فيهتدون به. وقيل: أن المراد أنه شرف لهم وليس
بشيء، فإن القرآن هو شرف لمن آمن به من قومه وغيرهم وليس شرفا لجميع قومه،
بل من كذب به منهم كان أحق بالذم، كما قال تعالى: {تبت يدا أبي لهب}
[المسد: 1] .
وقال تعالى: {وكذب به قومك وهو الحق} [الأنعام: 66] .
بخلاف كونه تذكرة وذكرى ; فإنه تذكرة لهم ولغيرهم، كما قال تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين} [الأنعام: 90] .
فعم العالمين جميعهم، فقال: {وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين} [يوسف: 104] .
إرسال تعليق