0

ياسر أنور

من الأخطاء المزعومة التي  يدعيها هؤلاء المنصرون  في  القرآن   وكما قلنا من قبل  هي ليست بأخطاء  وإنما هي  تعبر بلا شك عن ضحالة أفكارهم وسطحية معلوماتهم وقصورهم  اللغوى – راجع مقال كيف نرد على المنصرين -  وأنا لا أندهش  كثيرا من عقلية الثلاثة تساوي  واحدا ففي  جعبتها الكثير ..!

يقولون في  قوله تعالى :

(( لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً )) [النساء : 162]

ويدعون ان ثمة خطأ في قوله تعالى والمقيمين الصلاة لأنه معطوف على مرفوع !!

 وهنا تبرز مشكلة أخري في  منهجهم الملتوى والمغلوط ،  وهى محاكمة الآخر  من خلال مرجعية خاطئة وهي  ليست إشكالية لدى هؤلاء  فقط ،  وإنما هي إشكالية عامة  يعانى منها المنهج العلمى وهي محاكمة الآخرين من منطلقات مغلوطة مع الاعتقاد بانها مسلمات !

من قال إن المقيمين الصلاة معطوف  على المؤمنون ؟  وماذا عن قوله تعالى

(( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ )) [المسد : 4]

 بنصب كلمة حمالة ؟

أنها ما يسمى في اللغة منصوب على الذم أو المدح وهو كثير في لغة العرب

لقد  نسي  هؤلاء أن الذي يتكلم هو الله تبارك  وتعالى !

وليسمح لي هؤلاء أن اسألهم سؤالا : 

إذا أراد  أب او معلم أن ينصح  ابنه أو تلميذه  نصائح متعددة وهو يعلم أنه مقصر  في إحداها  هل  يتعامل مع  كل النصائح بدرجة واحدة ، أم يركز  أكثر على ما علم تقصيره ؟ ..

 فمثلا إذا علم المعلم أن تلميذه جيد في كل المواد ما عدا مادة العلوم مثلا فماذا يقول لتلميذه عند نصحه بالمذاكرة بالتأكيد سيركز على هذه المادة سيقول له : ذاكر العربي  والرياضيات والدراسات وابذل مجهودا أكثر في العلوم  وفي كل لغات العالم يوجد ما يسمى  بطريقة النبر أو التشديد على مقطع معين في الكلمة لأهميته .

هذا ما فعله القرآن  وهذا ما فعله هؤلاء  في جعل الجميل الأصح  خطأ !

إن هذه الآيات تتكلم عن بني إسرائيل  وبعد ان عددت شنائعهم مع الله ومع الأنبياء وادعائهم قتل المسيح عليه السلام  وأخذهم الربا وقد  نهوا عنه .

ومن المعروف عن بني إسرائيل أنهم كانوا يتهاونون في أداء الصلاة ولم يضيعوا عبادة مثل الصلاة وهي العبادة الوحيدة التي  ورد بشأنها  كلمة أضاعوا.

قال تعالى : (( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً )) [مريم : 59]

وقد ورد في اكثر من آية التنبيه على تلك العبادة لدى هؤلاء

قال تعالى : (( وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ )) [الأعراف : 170]

حتى إن أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام دعا الله تعالى قائلا :

(( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء )) [إبراهيم : 40]

ولم يقل كل ذريتي بل قال ومن  التي تدل على التبعيض .

كيف يمكن إذن إهمال تلك الخلفيات المهمة التي أشار إليها القرآن عن هؤلاء القوم ؟

في  ظل هذا التقصير والتضييع  لهذه العبادة كان ينبغي التركيز على إقامة الصلاة ولذلك فهي منصوبة على المدح ويكون المعنى :

 وامدح أكثر المقيمين الصلاة ..  أليس هذا هو الأصح والأصوب ؟

نأتي إلى شبهة أخرى  مللنا من تردديها إنها أسطوانة مشروخة تدل على مدى الحقد الذي  يعشش في ضلوع هؤلاء ضد الإسلام وأهله ..

كما انها تدل على الإفلاس الحضاري  والتاريخي في  مواجهة  قوة هذا الدين الفطرية والذاتية

أنها شبهة انتشار الإسلام بالسيف  ويسوقون لذلك  حشدا من الآيات القرآنية التي أوجبت على المسلمين قتال أعدائهم

وقبل التعرض  لتوضيح هذه الآيات  أرى انه ينبغي على أن أؤكد على بعض النقاط :

النقطة الأولى :

إن اتهام الإسلام بأنه انتشر بالسيف  ليس اتهاما للإسلام بل هو اتهام لكل  الشعوب التي دخلت في  الإسلام بالخيانة لدينها الأسبق  ولوطنها ولهويتها  فلا يوجد شعب واحد على وجه الأرض  يقبل ان يتنازل عن دينه وأرضه ووطنه  للغزاة  وإن انهزم  عسكريا واستسلم  للمحتل  فلا يمكن أن ينهزم تراثيا وحضاريا ويذوب  بكل هذه البساطة والسهولة في هذا الوافد الجديد . إنني أطالب كل الشعوب التي  اعتنقت الإسلام  أن تواجه صفاقة هؤلاء الذين اتهموهم بالخيانة العظمى  وعدم الوطنية !!

النقطة الثانية :

 أننا حينما نختلف في قضية تاريخية  لم نكن طرفا في  معايشتها  نستطيع أن نحيل  المغالطين إلى الواقع ومن خلال الواقع الذي  نعيشه  يمكننا إسقاط نتائجه على التاريخ الذي لم نعايشه .

هذا  الواقع يعلن لنا بوضوح ان شعب  فيتنام لم يتنازل عن هويته  ولا حضارته أمام الإرهاب  الأمريكي الوقح  ولم تستطع قنابلهم الكيميائية  وأسلحتهم القذرة أن تبتلع  حرفا واحدا من من تراث  هؤلاء ، وها هي  الشعوب  العربية تثبت لكل المغالطين انها لا يمكن ان تتنازل عن أرضها وهويتها  وتثين لهم ان لديهم ولاء  وانتماء  وطنيا  ينسف زيف هؤلاء الذين مزقوا عنهم رداء  الوطنية من قبل.

النقطة الثالثة : 

ان أكثر الديانات دموية على مدار التاريخ  هي الديانة النصرانية ،  ولم يكن تعطشها للدماء قاصرا فقط على الدماء  المستوردة (غير النصرانية ) بل كانت عطشى لأي دم حتى ولو كان دم ذويهم وأهلهم  من نفس  الملة الواحدة ، ويكفي  ما حدث  بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا ويكفى ان تقرأ فصلاً واحدا عن محاكم التفتيش للتوقف في  الحال ولا تستطيع إكمال بقية الفصول المأساوية ، لأنك ببساطة إما أن تكون أصبت بصدمة عصبية  أو بإحباط نفسي  من جرائم هؤلاء  الذين يدعون السماحة وينتشر طنينهم  في الأفاق بعبارة (( أحبوا أعدائكم باركوا لاعنيكم )) وليتهم أحبوا أهل ديانتهم هم فقط !!  نحن لا نريد منهم أن يحبونا بل نريدهم فقط أن يحيوا أنفسهم  ويرييونا  وليتهم صلوا لأجل الذين يسيئون إليهم  بل وقفوا على مذابحهم ودمائهم  دون أن يطرف لهم  جفن ولم يصلوا عليهم  حتى صلاة الجنازة !

وتناسى هؤلاء  أن العبرة ليست في شعار مكتوب  في أناجيلهم المزعومة يرفعونه لافتة  وقناعًا يخفي وراءه جثث  وأشلاء الأبرياء ، إن العبرة  بقابلية المبدأ والشاعر للتطبيق  لا للتصفيق .

إننى أستطيع أيضا أن أضع لهم شعارات مشابهة  مثل :

من ذبح أمك  فقدم له أباك أيضا

ومن انتهك عرض  زوجتك فلا تحرمه من أختك

فما أيسر أن نطلق الشعارات الجوفاء  الرنانة  لكن العبرة بقابلية التطبيق .

النقطة الرابعة :

  باعتباري  مسلماً مصرياً   يمكنني ان أقول إن المصريين رفضوا النصرانية رفضاً حاسماً و وقفوا لها بالمرصاد  وكانت الفيلسوفة المصرية القديمة إهباشيا نموذجا رائعا  للوقوف أما الهرطقات النصرانية وإقامة المناظرات في  الميادين والمنتديات ، غير ان هؤلاء الأوغاد  قتلوها شر قتلة بمباركة قساوستهم ورؤسائهم  تطبيقا للشعار المدهش : ((  أحبوا أعدائكم باركوا لاعنيكم ))  ولقد كان للإمبراطورية الرومانية اكبر الأثر في  مساندة هذه  العقيدة الفاسدة ،  ولذلك وبمجرد ان أشرق نور الإسلام تهاوى ذلك  البطل الورقي  المعروف باسم النصرانية .

والآن عودة إلى آيات القتال :

أولاً : لا يوجد آية واحدة تحدثت عن القتال الفردي ، بل كل الآيات تحدثت بصيغة الجمع لأن القتال ليس من سلطة الأفراد ، بل هو من سلطة الحاكم  الذي  ينظم الجيوش ويعد الكتائب  بخلاف آيات التسامح مع الآخر فقد جاء  كثير منها بصيغة المفرد  ولذلك ينبغي على هؤلاء التفريق بين خطاب الفرد المسلم وخطاب الجيش المسلم .

 نماذج خطاب الفرد  المسلم :

(( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )) [النحل : 125]

(( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ )) [الزخرف : 89]

((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ )) [الأعراف : 199]

و في نهاية هذه الآية:

(( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ))  [المائدة : 13]

وأما آيات القتال فهي  موجهة  للجيش المسلم بصيغة الجمع أليس من حق  الدولة المسلمة أن يكون لها جيش يحميها من أوغاد الشياطين ؟

والآية الوحيدة التي جاء فيها القتال بصيفة المفرد موجهة إلى القائد المسلم لا إلى الفرد :

(( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً )) [النساء : 84]

فلماذا يصر هؤلاء على تعميم آيات الحرب ؟ إنها تتحدث عن حالة الحرب وهو وضع طارئ وحالة خاصة ، فلماذا يصرون على جعل الحالة الخاصة بالحروب قاعدة للتعامل ؟

لقد قال القرآن :

(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))  [الحجرات : 13]

هذه هي  القاعدة ،   لكنهم لم يكتفوا بتحريف الكلم عن مواضعه  فقط في  كتبهم  بل  تجرؤا ومارسوا هوايتهم  المفضلة في  التحريف  في  كتابنا أيضا ويا للعجب!!

 و بخصوص آية :

(( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )) [التوبة : 5]

والتي من خلالها يصفون الإسلام بالدموية (وقد بينا أنهم هم الدمويون) فإن هذه الآية شرف ووسام على صدر الإسلام لأن الانتظار حتى انقضاء الأشهر الحرم هو دليل التسامح  إنه  يعطى هؤلاء المشركين الفرصة في  مراجعة أنفسهم وجميع  متعلقاتهم وهذا لم يحدث على مدار التاريخ !! لم  نجد جيشاً يتعامل مع مجرمي الحرب إلا بالقتل والإعدام أما الإجلاء السلمي والإمهال  فهذا لم يحدث إلا في الإسلام  ، لقد كان هؤلاء المشركون مجرمي حرب بلغة عصرنا قتلوا  ونهبوا واغتصبوا ،  ومع ذلك فلم يرد  عليهم الإسلام بالمثل بل أعطاهم فرصة التفكير إما بالدخول في هذا الدين أو الخروج آمنين من الأرض  التي قتلوا فيها الأبرياء ، وإن رفضوا كلا الخيارين فهم قد  حكموا على أنفسهم بالقتل وعندئذ لا يكون الإسلام هو الذي قتلهم ، بل هم الذين قتلوا أنفسهم لأنهم تركوا البدائل المتاحة واختاروا القتل . فهل  هنا سماحة أكثر من ذلك ؟

إرسال تعليق

 
Top