السلام على من اتبع الهدى . أما بعد :
إن
أعظم قضية يجب التوقف عندها، وفهمها فهماً عميقاً، هي قضية (الألوهية) !
فنحن وإياكم ( نؤمن بإله واحد، قادر على كل شيء، خالق السماء والأرض، وكل
ما يرى ولا يرى) كما جاء في قانون الإيمان النيقاوي، عندكم، وفي كتابنا: (وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ) العنكبوت: 46 ، إلا
إن بعض المتسللين إلى دين المسيح، عليه السلام، أفسد هذا الصفاء، وعكر هذا
النقاء، بلغةٍ فلسفية، أخرجت النصرانية من التوحيد الخالص إلى ما يشبه
الوثنية، ومن البساطة والوضوح، إلى التعقيد والجنوح .
فـ(الله) تعالى واحدٌ في ذاته؛ لا قسيم له، ولا والد له، ولا ولد، ولا
زوجة . وهو واحد في ربوبيته؛ لا خالق غيره، ولا مالك سواه، ولا مدبر للكون
إلا إياه . وهو واحد في صفاته؛ له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، ليس
كمثله شيء . وبالتالي، وبناءً على وحدانيته المطلقة في الخلق، والملك،
والتدبير، واتصافه بصفات الكمال، هو الواحد في الألوهية؛ لا يستحق العبادة
أحدٌ سواه . وهذه قضية بدهية .
وقد شاب النصرانية منذ وقتٍ مبكر شوائب تتنافى مع هذا التوحيد الخالص،
فافترقت إلى عشرات الفرق المنحرفة عن الإيمان الذي جاء به المسيح، ومنها :
-
المارقيونيون : المنسوبون إلى (مارقيون البنطي) الذي قال بوجود إلاهين !
-
البربرانيون : القائلون بألوهية المسيح وأمه !
-
الإليانيون : القائلون بألوهية المسيح، وأنه ابن الله !
-
النيقاويون
: وهم المؤمنون بالإيمان النيقاوي، الذي صار الاتجاه الرسمي السائد لعموم
الكنائس النصرانية الباقية؛ الكاثوليك، والبروتستانت، والأرثذوكس . ويعتمد
هذا الاتجاه عقيدة (التثليث) (Trinitarian) الغامضة
التي تحاول أن تفرض على العقل قضية ممتنعة : (تثليث في وحدة، ووحدة في
تثليث) ! ويدعو إلى الإيمان بـ(ثالوث أقدس) مكون من ثلاثة أقانيم (Hypostasis) :
( الآب) وهو الله، و(الابن) وهو الله المتمثل بالمسيح، و(الروح القدس) وهو
الرب المحيي !! فهم يثبتون ثلاثة آلهة منفصلة، ثم يلحون في اعتبار ذلك
توحيداً!
وهذه المقالات جميعاً في شأن الألوهية لا يمكن أن تكون محل قبول من العقول
السليمة، والفطر المستقيمة، ولا يعفيهم في حل هذه المعضلة ادعاء أنها سر
رباني . وقد وعظ القرآن جميع هؤلاء الفرقاء، ودعاهم إلى كلمةٍ سواء، موافقة
لما جاء به جميع الأنبياء، من التوحيد الخالص، ونبذ الشرك بجميع صوره؛
اللفظية، والعملية:
فقال عن القائلين بألوهية المسيح : (لَقَدْ
كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ
قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ
الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة: 17]،
وقال أيضاً : (لَقَدْ
كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ
وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي
وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ
عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
أَنصَارٍ) [المائدة: 72 ]
وقال عن أهل التثليث: (لَقَدْ
كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ
إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ
لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. أَفَلا
يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ
الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ
كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . قُلْ
أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا
نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . قُلْ يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا
أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا
عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) [المائدة: 73- 77]
فالمسيح،
عيسى ابن مريم، عليه السلام، كسائر إخوانه من الأنبياء، يدعو إلى عبادة
الله وحده، ويحذر من الشرك، وهو بشر، كسائر البشر؛ يمارس حياة طبيعية، هو
وأمه العذراء البتول، ولا يملك شيئاً من خصائص الألوهية، أو الربوبية .
فأين هذا الاعتقاد الواضح البسيط، من العقائد الغامضة المعقدة ؟!
إرسال تعليق
Click to see the code!
To insert emoticon you must added at least one space before the code.