ديما مصطفى سكران
لقد كبر الأبناء والبنات وصاروا يطرحون الأسئلة
ويبدون تشككهم في المسلمات، لذا قد تسمعهم ينتقدون المعتقدات الدينية ويبدون نوازع
لإنكارها، وقد يصل الأمر بهم إلى إعلان ميلهم للإلحاد. والردود على شبهاتهم هذه
موجودة بغزارة في بطون الكتب وفضاءات الانترنت في إطارها العلمي المجرد، لكن ما
ينقصها غالبا هو أن ترشد الأهل لكيفية التعامل مع أبنائهم في مواقف مشابهة نفسيا
وعاطفيا حتى لا يفاقموا المشكلة ويفشلوا في احتواء الابن أو الابنة في هذه
المرحلة.
ننصحك بالانتباه لهذه النقاط عند تعاملك مع ابنك الذي يبدي ميلا للإلحاد
كثيرون حين يسمعون أبناءهم يأتون
بمثل هذا الكلام يتملكهم الذعر ويفقدون رباطة جأشهم، فتأتي استجاباتهم
انفعالية ومنفِّرة للابن المرتبك أساسا، لذا كن هادئا وأنت تتلقى بوادر من
هذا النوع، وإياك أن تستسلم للمخاوف.
الثانية : اعرف أن العدائية دليل خوف
تذكر أنه سيكون
مذعورا أكثر منك بأضعاف، وليست انفعاليته إلا دليلا على خوفه من مستقبل
علاقته مع محيطه. إنه يحاورك بغضب، أو يلجأ للاستهزاء من أجل كبت خوف كبير
بداخله من الرفض. لقد تملكته هذه الشكوك الجديدة، وهو عاجز عن كبتها، ويعرف
أنه لا بد من المواجهة الآن، ولذا فإنه يستعد لها بكثير من الانفعال
والعناد، اللذين يشجع بهما نفسه على الصمود أمام رفض الآخرين له، لذا احتو
انفعاله وتفهم أن حدته فعل استباقي دفاعي.
ثالتان : لا تتعامل مع شكوكه على أنها انحراف سلوكي
قد
ينفع الغضب والخصام والمقاطعة لو كان المراهق قد سرق أو أتى سلوكا مشينا،
أما الشكوك فليست بالضرورة ذنبا يتوجب العقاب، بل هي ناتجة عن موقف فكري
يستحق أن يعطى حقه من الإصغاء والنقاش، فلا تعاقبه عليها.
رابعا : لا تتهمه ولا تسطح أسباب شكوكه
يسارع الأهل عند
مواجهتهم لموقف كهذا إلى البحث عن تفسيرات لتغير ابنهم المفاجئ، ليلقوا بها
على التتالي في وجهه، عوضا عن التعامل مع المسألة الحالية. فيخبرونه أنه
ضل لأنه صاحب المجموعة الفلانية أو استمع إلى المضلل الفلاني أو لأنه يريد
الاستسلام لشهواته، وفي هذا تسطيح للمسألة وتجاهل للمشكلة الحالية في سبيل
البحث عن شماعة لإلقاء اللوم عليها.
خامسا : لا تخش الفضيحة، ابنك أهم
ويخشى البعض الفضيحة،
فيلجؤون لتهديد الابن أو حرمانه من المصروف أو توعده بالعقوبة للضغط عليه
لإخفاء أمر شكوكه عن الناس. قد تتم لملمة الأمر بهذا الشكل مؤقتا، لكن هذه
الطريقة هي الطريقة الأسرع لخسارته.
سادسا : لا تحول الأمر إلى فضيحة
وفي حين يسعى بعض الأهل
إلى إبقاء الأمر طي الكتمان، يسارع البعض الآخر بسبب ذعرهم إلى الاستعانة
بأي كان من أجل استشارته أو لتغيير رأي ابنهم، كإمام المسجد في الحي، أو
العم الأكبر، أو صديق الوالد، مما يحول المسألة إلى فضيحة تصعب لملمتها،
وتؤدي إلى تدخل أيادٍ كثيرة في هذا الأمر وإفساده إما بنصائح غير رشيدة أو
بالضغط على الابن أو الدخول معه في حوارات انفعالية من قبل أشخاص غير
مؤهلين لاستيعاب الموضوع.
يجب أن يكون لأي ابن علاقة قوية مع
أحد أفراد أسرته أبا كان أو أختا أو عما، علاقة تتسم بالحب غير المشروط،
وبالأمان غير المهدد بأي شيء، وبالثقة المطلقة. يجب أن يكون المراهق قادرا
على أن يقول لهذا الشخص أي شيء، وحين أقول أي شيء فأنا أعني تماما أي شيء،
مهما كان، دون أن يهز هذا الشيء هذه العلاقة، حتى لو كان اعترافا بجريمة
قتل، أو ميولا شاذة، وحتى ولو كان كفرا بواحا.
الكثير من الأبناء لا يتكلمون عن شكوكهم منذ
البداية لأنهم خائفون من ردة فعل الآخرين، لأنهم موقنون بأنهم سيفقدون مكانتهم
كأبناء مدللين أو ستهتز صورتهم كأشخاص صالحين، لذا يجب ألا يكون لهذه المخاوف وجود
حتى يستطيع الابن أن يفصح عن ما يدور بخلده من شكوك بدون خوف.
ثامنا : أبق حبل الود بينكما
إن أساس الحوار نفسي وعاطفي
قبل أن يكون عقلانيا، فنحن سنميل لرفض فكرة ما إذا صدرت عن شخص نكرهه،
وسيكون تقبلنا لها أفضل بكثير لو صدرت عن شخص نحبه، لذا أبقِ حبل الود
بينكما ليكون قادرا على سماعك بقلب مفتوح.
تاسعا : تذكر أن الأمر لا يبدأ الأمر فجأة
هناك الكثير
من الإشارات التي يرسلها الأبناء تدل على تغير توجههم الفكري، والتي يجب
تلقيها باهتمام. ومن يفاجؤون بتحول أبنائهم إلى الإلحاد فلقد فوتوا على
أنفسهم محطات كثيرة كان بإمكانهم أن يغيروا فيها السكة مبكرا، لذا أعط سمعك
وقلبك لابنك، وشجعه على الكلام، ولا تستهن بأسئلته، ولا تنه النقاشات
الدينية معه بسرعة معتبرا أنك أديت مهمتك بحجة أسكتته. أعطه الفرصة ليتكلم
عن كل ما يؤرق إيمانه أولا بأول، فكثيرا منها ما كان ليتعاظم لاحقا لو وجد
الجواب الشافي منذ البداية.
عشرا : أصغِ كثيرا ولا تقاطعه
ابنك ليس بحاجة الآن إلا
لشخص يسمعه، هناك عاصفة من الأفكار تدور في رأسه، يحتاج أن يشارك هذه
الأفكار والمشاعر مع شخص آخر، فإن لم يجد لديك أذنا صاغية بها فسيبحث عمن
يسمعه غيرك، ممن قد يشجعونه. اسمعه، أنصت باحترام، مهما كان الكلام مستفزا،
انظر في عينيه وأبد رغبتك في أن تعرف ما يجول بخاطره، دعه يكمل حتى تفرغ
جعبته تماما وينفس عن كل مشاعره. حاول أن تشاركه شكوكه التي تجدها منطقية،
وابحث عن نقاط اتفاق معه لتؤيد بعضا من كلامه، تحلَّ بالصبر مهما بدا
الكلام غير منطقي، فقد تكون الفكرة واضحة في ذهنه، ولكنه عاجز عن إخراجها
لغويا بشكل مرتب، ساعده على ذلك بطرح الأسئلة، واستوضح منه بهدوء.
الحادية عشر : لا ترد على شكوكه مباشرة
في ردك المباشر رسالة
قوية تنبئ عن رفضك الكلي والمسبق لما يقوله، بل يجب أن يشعر محاورك أنك
تنظر إليه بندية، وأن بضاعته الفكرية ثمينة ومقدرة تماما كبضاعتك، فإذا كنت
تريد الرد فأعط نفسك على الأقل هنيهات من هز الرأس والهمهمة قبل أن تصوغ
كلامك، أو أجله تماما حتى جلسة أخرى. من الضروري أن يشعر أنك سمعته جيدا
وأن كلامه يستحق التفكير.
الثانية عشر : لا تستسهل الرد
إن كنت قليل الاطلاع فلا تستسهل
الرد من معلوماتك المحدودة، ابحث في بطون الكتب وفضاءات الانترنت، وابذل
جهدا كبيرا في الإتيان بردود مقنعة. لا تستخف بعقله، وسيكون رائعا لو
اقترحت عليه أن تبحثا معا عن الحجج التي تفند شكوكه، ناقشاها سويا، استبعدا
ما لا تريانه مقنعا معا، ضعا علامات استفهام، واستخلصا الحجج الأكثر
إقناعا.
.
إرسال تعليق
Click to see the code!
To insert emoticon you must added at least one space before the code.