يوصف يسوع أحيانا في العهد الجديد
بـ”الكلمة” أو “كلمة الله”. فنحن نقرأ: “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ،
وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. هذَا كَانَ
فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ”. (يوحنا 1:1-2)، كما نقرأ أيضا:
“وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ،
مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا”.
(يوحنا 14:1)
ولكن ما المراد بكونه عليه السلام “كلمة الله”؟ وهل يعني ذلك أنه “الله” أو “ابن الله” كما يتوهم البعض؟
إن المراد بكون يسوع “كلمة الله” أنه خلق
بكلمة من الله تعالى وهي محض كلمة “كن” فكان عليه السلام، بدون مادة للخلق
كالطين بالنسبة لآدم أو ضلع بالنسبة لحواء أو مني بالنسبة لسائر البشر.
فنحن نقرأ في إنجيل متى:
ولقد سمي يسوع “كلمة الله” أيضا لأنه كان
يتكلم بكلام الله تعالى. فنحن نقرأ: “لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ
يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمِ اللهِ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْل يُعْطِي اللهُ
الرُّوحَ”. (يوحنا 34:3)
إن كون يسوع “كلمة الله” لا يعني بالضرورة
أنه “ابن الله” والدلائل على ذلك كثيرة من العهد الجديد نفسه. وسنتناول
فيما يلي بالدحض والتفنيد ما ورد في آيات العهد الجديد سالفة الذكر مما
يوهم بنوة يسوع لله تعالى.
فبالنسبة لما ورد من كون يسوع “مِنَ
الرُّوحِ الْقُدُسِ”، فمردود عليه لأن يسوع ليس الشخص الوحيد الموصوف في
العهد الجديد بأنه “من الروح القدس”، بل هناك من وصف بهذا الوصف بخلاف يسوع
عليه السلام. فها هو العهد الجديد يخبرنا أن يحيى عليه السلام امتلئ من
الروح القدس وهو في بطن أمه.
كما يعلمنا العهد الجديد أن أليصابات أم
سيدنا يحيى عليه السلام امتلئت أيضا من الروح القدس. فنحن نقرأ: “فَلَمَّا
سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي
بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (لوقا 41:1).
والسؤال الآن: لماذا لا يتخذ المسيحيون يحيى عليه السلام ابنا لله كيسوع علما بأن كليهما وأن أم كليهما “من الروح القدس”؟
وبالنسبة لما ورد في قوله “اَلرُّوحُ
الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ”، فمريم ليست الوحيدة الموصوفة بهذا الوصف.
فهذا الوصف وصف دارج في العهد الجديد ولا يترتب عليه أبوة أحد لأحد ولا
بنوة أحد لأحد. فنحن نقرأ: “لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ،
وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ
وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ”. (أعمال الرسل 8:1)
والآن: هل يعني حلول الروح القدس على أحد في العهد الجديد بالضرورة معاشرته وتخصيبه وتمكينه من الولادة بدون أب بشري؟
وبالنسبة لما ورد من تخليص يسوع لشعبه “لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ”، فكما أوردنا في مقال منفصل،
إن يسوع ليس هو المخلص الحقيقي والمخلص الحقيقي هو الله، وليس يسوع
الإنسان الوحيد الموصوف بـ”المخلص” في الكتاب المقدس، وإنما وصف بذلك الوصف
عدة أشخاص في الكتاب المقدس، وما يسوع إلا مخلصا مجازيا لأنه سبب في خلاص
شعبه ولهذا الخلاص مقتضيات أهمها الإيمان بالله وبرسله وكتبه والعمل بهذه
الكتب مع عمل الصالحات.
وبالنسبة لما ورد من تسمية يسوع
“عِمَّانُوئِيلَ الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا”، فلقد ذكر العهد
الجديد في أكثر من موضع أن الله تعالى مع بعض البشر دون الإشارة إلى يسوع،
أي أن الله تعالى قد يكون معنا بدون يسوع. وبذلك، لا يعني تفسير اسم
عمانوئيل بـ”الله معنا” أن معية الله قاصرة على يسوع وحده وإنما الله تعالى
مع الصالحين من عباده في كل زمان ومكان سواء وجد يسوع أم لم يوجد.
فعلى سبيل المثال، يخبرنا العهد الجديد أن
الملاك أبلغ مريم أن “الرب معها” قبل حملها بيسوع عليه السلام، أي أن مريم
كانت في معية الله قبل حملها وولادتها يسوع عليه السلام. فنحن نقرأ:
“فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: ‘سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا
الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي
النِّسَاءِ.’” (لوقا 28:1)
كما يخبرنا العهد الجديد أن الله كان مع
نبيه يوسف. فنحن نقرأ: “وَرُؤَسَاءُ الآبَاءِ حَسَدُوا يُوسُفَ وَبَاعُوهُ
إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ اللهُ مَعَهُ” (أعمال الرسل 9:7)
والسؤال الآن: لماذا لا يعتبر المسيحيون يوسف عليه السلام “ابن الله” بالرغم من أن الله كان معه مثل يسوع؟
وبالنسبة لوصف يسوع بأنه “الْقُدُّوسُ”،
فهذا الوصف ليس قاصرا على يسوع في العهد الجديد، وإنما وصف به غيره. فنحن
نقرأ في العهد الجديد: “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: أَنَّ
كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوسًا لِلرَّبِّ”. (لوقا 23:2)
وبالنسبة لقوله “الْمَوْلُودُ مِنْكِ
يُدْعَى ابْنَ اللهِ”، فيسوع ليس الإنسان الوحيد المشار إليه بـ”ابن الله”
في العهد الجديد، وإنما وصف بهذا الوصف خلق كثير. فهو وصف مجازي ليس على
حقيقته. وسنخصص مقالا منفردا لهذا الوصف إن شاء الله.
وبالنسبة لكلام يسوع بكلام الله، فيسوع لم
يكن الإنسان الوحيد الذي تكلم بكلام الله وإنما تكلم بكلام الله الأنبياء
والمرسلون والصالحون في كل زمان ومكان. فنحن نقرأ في العهد الجديد:
“فَمَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا
تَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا
تَتَكَلَّمُونَ بِهِ، لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ
رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ”. (متى 10 :19-20)،
ولقد نقل العهد الجديد عن اليهود اعتقادهم
في موسى عليه السلام أنه “كلمة الله”. فنحن نقرأ: “نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ
مُوسَى كَلَّمَهُ اللهُ، وَأَمَّا هذَا فَمَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ”.
(يوحنا 9-29)
ومن ثم، فيسوع ليس الإنسان الوحيد الموصوف بأنه “كلمة الله” أو “المتكلم بكلام الله”.
وهكذا، فإننا نؤمن بأن يسوع هو “كلمة
الله” ولكن هذا الوصف لا يعني بالضرورة أن يسوع هو “ابن الله”، ولا يرد في
العهد الجديد ما يدل على بنوة يسوع لله تعالى على سبيل الحقيقة. وأما ما
ورد فيه بهذا المعنى، فهو مجاز في مجاز لم يرد به الحقيقة وفي العهد الجديد
ما يوجهه ويجلي حقيقة المقصود به.
إرسال تعليق