0

مما وصف به يسوع عليه السلام في العهد الجديد أنه “نبي الله” وكذلك “رسول الله”. وستنناول فيما يلي بالشرح والتحليل والتفصيل بعض المواضع التي وُصف فيها يسوع بهذين الوصفين:


هل يسوع نبي الله؟

ينقل العهد الجديد عن سيدنا زكريا عليه السلام وصفه ليسوع بأنه “نَبِيَّ الْعَلِيِّ” فقال: “وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِيُّ نَبِيَّ الْعَلِيِّ تُدْعَى، لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ”. (لوقا 76:1)

كما ينقل العهد الجديد عن امرأة وصفها ليسوع بأنه “نَبِيٌّ” حال مخاطبتها له ولم ينكر عليها ذلك أو ينفي ذلك. فنقرأ: “قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: ‘يَا سَيِّدُ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ!’” (يوحنا 19:4)

ويقتبس العهد الجديد نبوءات وردت في العهد القديم؛ بمقدم نبي بعد موسى والمقصود بها بحسب كتّاب العهد الجديد هو يسوع عليه السلام. فنحن نقرأ: “وَيُرْسِلَ يَسُوعَ الْمَسِيحَ الْمُبَشَّرَ بِهِ لَكُمْ قَبْلُ…فَإِنَّ مُوسَى قَالَ لِلآبَاءِ: إِنَّ نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ فِي كُلِّ مَا يُكَلِّمُكُمْ بِهِ. وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ لاَ تَسْمَعُ لِذلِكَ النَّبِيِّ تُبَادُ مِنَ الشَّعْبِ”. (أعمال الرسل 3 :20-23).

كما نقرأ أيضا: “هذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ”. (أعمال الرسل 37:7).

والحقيقة أن هذه الآيات لا تتنبأ بيسوع وإنما بمحمد صلى الله عليه وسلم لقرينتين: القرينة الأولى أن موسى لم يقل “منكم” أي من بني إسرائيل وإنما قال “من إخوتكم” وإخوة بني إسرائيل هم بنو إسماعيل وهم العرب. أما القرينة الثانية فهي أن موسى قال “وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ لاَ تَسْمَعُ لِذلِكَ النَّبِيِّ تُبَادُ مِنَ الشَّعْبِ”، ولم تحدث إبادة لمن كفر بيسوع من اليهود، وإنما حدثت إبادة فعلا لمن كفر بمحمد وخانه من اليهود.

وعلى افتراض أن هذه الآيات تتنبأ بيسوع، فنجد أن موسى قال “نَبِيًّا مِثْلِي”، أي أن المسيحيين يؤمنون بأن يسوع نبي الله وفقًا لما ورد بالعهد الجديد نفسه.

هل يسوع رسول الله؟

لقد ورد وصف يسوع بـ”الرسول” صريحا في العهد الجديد. فنحن نقرأ: “إِذَنْ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْقِدِّيسُونَ الَّذِينَ اشْتَرَكْتُمْ فِي الدَّعْوَةِ السَّمَاوِيَّةِ، تَأَمَّلُوا يَسُوعَ: الرَّسُولَ وَرَئِيسَ الْكَهَنَةِ فِي الإِيمَانِ الَّذِي نَتَمَسَّكُ بِهِ. فَهُوَ أَمِينٌ لِلهِ فِي الْمُهِمَّةِ الَّتِي عَيَّنَهُ لَهَا، كَمَا كَانَ مُوسَى أَمِيناً فِي الْقِيَامِ بِخِدْمَتِهِ فِي بَيْتِ اللهِ كُلِّهِ” (العبرانيين 3 :1-2) وتجدر الإشارة إلى أن وصف “يسوع رسول الله” يرد كاملا بهذا الموضع في النسخ غير العربية من الكتاب المقدس. (انقر هنا للاطلاع على نسخ الكتاب المقدس باللغة الإنجليزية)

وكثيرا ما نجد يسوع عليه السلام يشير إلى الله تعالى من قد أرسله ولم يقل أنجبه، مما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن يسوع رسول أرسله الله تعالى، وأن بنوته لله تعالى بنوة مجازية، ولو كانت حقيقية لقال يسوع “أنجبني” بدلا من “أرسلني” ولبين طبيعة هذه البنوة.

فنحن نقرأ على سبيل المثال: “مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي، وَمَنْ يَقْبَلُني يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي. مَنْ يَقْبَلُ نَبِيًّا بِاسْمِ نَبِيٍّ فَأَجْرَ نَبِيٍّ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَقْبَلُ بَارًّا بِاسْمِ بَارّ فَأَجْرَ بَارّ يَأْخُذُ” (متى 10 :40-41).

كما نقرأ: “فَأَخَذَ وَلَدًا وَأَقَامَهُ فِي وَسْطِهِمْ ثُمَّ احْتَضَنَهُ وَقَالَ لَهُمْ: ‘مَنْ قَبِلَ وَاحِدًا مِنْ أَوْلاَدٍ مِثْلَ هذَا بِاسْمِي يَقْبَلُنِي، وَمَنْ قَبِلَنِي فَلَيْسَ يَقْبَلُنِي أَنَا بَلِ الَّذِي أَرْسَلَنِي’”. (مرقس 9 :36-37).

كما نقرأ أيضا: “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ” (لوقا 4-18).

كما أننا نجد العهد الجديد أيضا يسوي بين بعض الأنبياء وبين يسوع في أخص الخصائص التي اختص بها يسوع. فعلى سبيل المثال، يصف العهد الجديد سيدنا موسى بأنه “أقيم رَئِيسًا وَقَاضِيًا” و” أَرْسَلَهُ اللهُ رَئِيسًا وَفَادِيًا”، وكل هذه الصفات مما جرت عادة العهد الجديد بقصرها على يسوع وحده. فنحن نقرأ: “هذَا مُوسَى الَّذِي أَنْكَرُوهُ قَائِلِينَ: مَنْ أَقَامَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا؟ هذَا أَرْسَلَهُ اللهُ رَئِيسًا وَفَادِيًا بِيَدِ الْمَلاَكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الْعُلَّيْقَةِ”. (أعمال الرسل 35:7).

كما يسوي العهد الجديد بين موسى وعيسى من حيث أن كلا منهما أدى المهمة التي أسندت له. ولا تكون هذه التسوية إلا بين نبي ونبي وليس نبي وابن لله. فنحن نقرأ: “إِذَنْ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْقِدِّيسُونَ الَّذِينَ اشْتَرَكْتُمْ فِي الدَّعْوَةِ السَّمَاوِيَّةِ، تَأَمَّلُوا يَسُوعَ: الرَّسُولَ وَرَئِيسَ الْكَهَنَةِ فِي الإِيمَانِ الَّذِي نَتَمَسَّكُ بِهِ. فَهُوَ أَمِينٌ لِلهِ فِي الْمُهِمَّةِ الَّتِي عَيَّنَهُ لَهَا، كَمَا كَانَ مُوسَى أَمِيناً فِي الْقِيَامِ بِخِدْمَتِهِ فِي بَيْتِ اللهِ كُلِّهِ” (العبرانيين 3 :1-2).

ومما يدل على أن يسوع رسول مرسل من عند الله تعالى ما ورد في العهد الجديد من مساواته بين حوارييه وبين نفسه فيما يعتقد أنه يختص به وحده وهكذا لم يتبق في العهد الجديد ما يميز يسوع ويرفعه فوق مستوى البشر. فنحن نقرأ: “اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي، وَالَّذِي يُرْذِلُكُمْ يُرْذِلُنِي، وَالَّذِي يُرْذِلُنِي يُرْذِلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي”. (لوقا 16:10).

كما نقرأ: “اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمُ: الَّذِي يَقْبَلُ مَنْ أُرْسِلُهُ يَقْبَلُنِي، وَالَّذِي يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي”. (يوحنا 20:13)، كما نقرأ أيضا: “كَمَا أَرْسَلْتَنِي إِلَى الْعَالَمِ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَى الْعَالَمِ” (يوحنا 18:17)، ونقرأ: “فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: ‘سَلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا’”. (يوحنا 21:20).

كما نقرأ أيضا: “لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي”. (يوحنا 17 :21-23).

ومما ينفي بنوة يسوع الحقيقية لله تعالى ويؤكد نبوته ورسالته ما جرى على لسانه من التأكيد المتكرر لعدم قدرته على فعل أي شيء من نفسه ورد كل الأفعال التي قام بها لله تعالى الذي أرسله. فنحن نقرأ: “أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ، وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ، لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي”. (يوحنا 30:5).

ومما يتعارض مع بنوة يسوع الحقيقية لله ويثبت نبوته ورسالته أنه كان يؤكد مرارا وتكرارا أن الهدف من حياته هو التعريف بالله تعالى والدعوة إليه إلها واحدا حقيقيا. فلو كان يسوع ابن الله حقا، لدعى إلى عبادته مع الله مثلا لكونه ابن الله. أما دعوته عليه السلام إلى توحيد الله تعالى ليس لها سوى معنى واحد وهو توحيد الألوهية والربوبية لله تعالى ونفي الولد عنه تعالى لأن ذلك يتعارض مع ما دعا إليه يسوع نفسه. فنحن نقرأ: “وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ”. (يوحنا 3:17).

ومما يدل على أن يسوع هو رسول الله أن رسالته اقتصرت على بني إسرائيل على حد قوله، ولو كان ابن الله على سبيل الحقيقة لشملت رسالته العالم كله لأن الله هو رب العالم كله وابنه ينبغي أن يرسل للعالم كله وليس لشعب معين. فنحن نقرأ: “وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً: ‘ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا’. فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ:’ اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!’ فَأَجَابَ وَقَالَ:’ لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ’. فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً:’ يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!’ فَأَجَابَ وَقَالَ:’ لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب”’. (متى 15 :22-26).

إرسال تعليق

 
Top